Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا لو أصيبت إسرائيل بالجنون وضربت منشآت إيران النووية؟

مفاعل "بوشهر" الأخطر والأقرب إلى دول الخليج العربي ومخاوف من تكرار سيناريو تشيرنوبل

المنشآت النووية الإيرانية للمياه الثقيلة بالقرب من مدينة آراك بوسط البلاد (أ ب)

ملخص

كبير المفتشين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية سابقاً يقول إن إسرائيل لن تضرب المواقع النووية الإيرانية إلا في حال أصيبت بالجنون، لمعرفتها بالتداعيات الكارثية التي ستلحق بالمنطقة وقد تتأثر بها شعوب دول الخليج.

مع تصاعد أصوات التهديد بالرد والرد المضاد بين إسرائيل وإيران تزداد معها التخوفات من حدوث السيناريو الأسوأ وهو استهداف المواقع النووية الإيرانية، ما ينذر بكارثة بيئية وصحية محققة تؤثر في الأقليم بأكمله وبخاصة دول الخليج العربي، بحسب ما أكد متخصصون لـ"اندبندنت عربية".

وعلى رغم الغموض الذي يلف طريقة وموعد الرد الإسرائيلي على هجمات إيران الصاروخية في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، فإنه من الواضح أن قرار شن هجوم اتخذ في دوائر السلطة بتل أبيب، فيما تستمر محاولات واشنطن لتحجيم ذلك الرد وتبقى الأسئلة عن المدى الذي سيطاوله شرر الحريق المنتظر في الإقليم.

وترى بعض الدوائر في إسرائيل أن الوضع الحالي في المنطقة يمنحها وقتاً مثالياً للإجهاز على البرنامج النووي الإيراني، الذي ترى فيه تهديداً لم ينقطع طوال العقود الماضية، إذ كتب رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت على منصة "إكس"، "علينا أن نتحرك (الآن) لتدمير البرنامج النووي الإيراني ومرافق الطاقة المركزية، وشل هذا النظام الإرهابي نهائياً".

كذلك يؤيد كثير من حلفاء إسرائيل في واشنطن تلك الخطوة المحتملة وعلى رأسهم الرئيس السابق والمرشح الحالي دونالد ترمب، الذي صرح بأن على تل أبيب "استهداف المنشآت النووية أولاً والاهتمام بالباقي لاحقاً".

وفي المقابل، أعلنت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية الأسبوع الماضي أنه تم تأمين المنشآت النووية ضد أية هجمات.

توزيع المنشآت النووية

وتتوزع المنشآت النووية الإيرانية على مواقع متفرقة من البلاد وتنقسم إلى مراكز للبحث ومفاعلات ومواقع لتخصيب اليورانيوم وهو برنامج لتوليد الطاقة وفق المعطيات الرسمية، إذ لا تعترف طهران بأية أغراض عسكرية لأنشطتها النووية.

خريطة المنشآت النووية الإيرانية تشمل أول محطة نووية في بوشهر على الخليج العربي، التي مثلت مهد البرنامج النووي الذي انطلق عام 1974 بدعم ألماني، قبل أن يتعطل لاحقاً بفعل سقوط الشاه عام 1979 ودخول الحرب مع العراق، ثم عاد المشروع بالتعاون مع روسيا في التسعينيات من القرن الماضي. ومنذ 2013 يعمل مفاعل بوشهر بكامل طاقته حسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ويولد 700 ميغاواط من الكهرباء.

أما مفاعل خونداب المعروف سابقاً بمفاعل آراك فيحتوي الوقود المستنفد منه على مادة البلوتونيوم التي يمكن استخدامها في صنع قنبلة نووية. ويقع في شمال غربي البلاد ويضم محطة لإنتاج الماء الثقيل لخدمة المفاعل. وأبلغت إيران الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن تشغيله عام 2014، وخلال العام التالي وقع الاتفاق النووي بين إيران والقوى الدولية الكبرى، الذي وافقت بموجبه طهران على إيقاف البناء وإزالة قلب مفاعل خونداب وملئه بالخرسانة، لكن انسحاب الولايات المتحدة عام 2018 من الاتفاق دفع طهران لإبلاغ الوكالة عزمها تشغيل المفاعل بحلول عام 2026.

الموقع الرئيس لتخصيب اليورانيوم في إيران هو منشأة نطنز الواقعة على بعد 250 كيلومتراً جنوب طهران، وتتكون من مبان تحت الأرض ومصنع فوق الأرض، وتستطيع تشغيل 50 ألف جهاز طرد مركزي لتنقية اليورانيوم حتى نقاء خمسة في المئة، إلا أنها تحوي حالياً 14 ألف جهاز منها 11 ألفاً قيد التشغيل، وفق وكالة "رويترز". واستُهدف المفاعل من قبل في هجوم سيبراني عام 2010 يُعتقد أنه كان بتنفيذ إسرائيلي، كما تعرضت المنشأة لحريق عام 2020 قالت السلطات الإيرانية إنه نتاج عمل تخريبي سيبراني.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى مشارف أصفهان ثاني أكبر مدن البلاد يوجد مركز كبير لإنتاج ألواح الوقود النووي ومنشأة لمعالجة اليورانيوم، إضافة إلى آلات لصنع قطع غيار أجهزة الطرد المركزي. وتراقب الوكالة الدولية للطاقة الذرية محطة أصفهان منذ عام 2013.

ويعد مفاعل فوردو من المواقع التي توصف بالحصينة إذ يقع داخل منطقة جبلية جنوب العاصمة طهران. وكانت السلطات الإيرانية تنكر في البداية وجود الموقع الذي بني سراً، لكنها اضطرت إلى الاعتراف خلال سبتمبر (أيلول) 2009 بعد ظهور صور أقمار اصطناعية. وقد صمم لتشغيل 3 آلاف جهاز طرد مركزي. ووافقت إيران على وقف تخصيب اليورانيوم في فوردو لمدة 15 عاماً بموجب اتفاق 2015، إلا أنه بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق استؤنفت أنشطة التخصيب لتصل إلى 60 في المئة بحلول نوفمبر (تشرين الثاني) 2022.

كارثة قد تمتد إلى الخليج

توزيع المواقع النووية على رقعة جغرافية شاسعة والمباعدة بينها كانت خطوة متعمدة برأي كبير المفتشين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية سابقاً يسري أبو شادي، الذي يشير إلى أن هذا النطاق الواسع من الأهداف النووية يجعل ضربها جميعاً في وقت واحد مهمة صعبة، واستبعد ضرب إسرائيل منشآت إيران النووية "لأنها بلا جدوى"، في ظل تجاوز طهران لما سماه "العتبة النووية" وهو القدرة على تصنيع القنبلة الذرية.

وقال أبو شادي لـ"اندبندنت عربية" إن أخطر موقع يمكن استهدافه هو مفاعل "بوشهر" الواقع على الخليج العربي في حال توجيه ضربة "موجعة" للمنشأة النووية، ويوضح أن المقصود بذلك هو استهداف قلب المفاعل ذاته وليس منشآت محيطة مثل برج التبريد. وحول أسباب خطورة "بوشهر" تحديداً، يقول أبو شادي إنها المحطة المكتملة في عملية توليد الطاقة من الوقود المشع، محذراً من أن تلك الضربة –إذا كانت بقوة مدمرة- قد تؤدي إلى تضرر الوقود المشع مما ينتج "كارثة إشعاعية" قد تمتد إلى دول الخليج العربي، في سيناريو مشابه لكارثة مفاعل تشيرنوبل في الاتحاد السوفياتي سابقاً على دول أوروبا.

لكنه في الوقت نفسه يؤكد صعوبة التأثير في المفاعل لأنه محمي بغلافين من الخرسانة الصلبة تتحمل القنابل الثقيلة التي تخترق أعماق الأرض، مثل تلك التي استخدمت في اغتيال الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله، بالتالي فإن إسرائيل "نظرياً" قادرة على ضرب المفاعل ولكن بصعوبة بالغة قد تصل إلى الحاجة إلى قوة تدميرية تشبه القنبلة الذرية لإحداث تأثير في المفاعلات النووية الإيرانية، مما يمكن أن يؤثر في المناطق السكنية في محيطه بالخليج إضافة للآثار البيئية المدمرة. ولفت إلى محاولة العراق استهداف مفاعل بوشهر مرات عدة خلال الحرب العراقية الإيرانية (1980- 1988)، لكنه لم يتضرر سوى ببعض "الخدوش".

استهداف المنشآت البحثية

وأضاف أبو شادي أن "إسرائيل لن تضرب المواقع النووية الإيرانية إلا في حال أصيبت بالجنون، لمعرفتها بالتداعيات الكارثية التي ستلحق بالمنطقة وقد تتأثر بها شعوب دول الخليج"، واستشهد بتوقف القوات الأوكرانية عن مهاجمة المنشآت النووية في كورسك الروسية أو زابوريجيا شرق أوكرانيا، وهي منشآت قديمة لا تحوي النسبة العالية من التحصين المتوافر في "بوشهر"، وذلك لأن قيادة كل من روسيا وأوكرانيا تدركان خطورة تأثير المفاعلات النووية في كلا البلدين والدول المحيطة، لذلك لا يتصور منطقياً أن تقوم إسرائيل بضربة موجعة للمنشآت النووية، وذلك من وجهة نظر سياسية.

وعن السيناريوهات الأقرب أمام تل أبيب للرد على إيران، قال كبير المفتشين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية سابقاً إنها قد تستهدف منشآت نظنز وقم وأصفهان التي تختص أكثر بالأبحاث وليس لها علاقة بالتخصيب وصناعة القنبلة الذرية، مشيراً إلى أهمية مفاعل "آراك" الذي يشبه مفاعل ديمونة الإسرائيلي، إذ ينتج الماء الثقيل الضروري في العمليات النووية ويشكل أهمية كبيرة في أي برنامج نووي عسكري محتمل لإيران.

تسريع امتلاك القنبلة

وحذر أبو شادي من سيناريو قد يدفع لتسريع امتلاك إيران للقنبلة النووية، وهو قيام إسرائيل بضربة للمنشآت النووية الإيرانية فترد طهران بالانسحاب من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية باعتبار ذلك تهديداً لأمنها القومي، وبعد ذلك تصنع إيران القنبلة النووية، وبخاصة أنها قادرة خلال الوقت الحالي على ذلك بعد أن وصلت إلى معدلات تخصيب عالية لليورانيوم، مشيراً إلى أن ذلك سيمثل تكراراً لما حدث في كوريا الشمالية التي عدت العقوبات الدولية تهديداً لها وبادرت بصنع قنبلة نووية.

كانت وكالة "رويترز" نقلت عن مسؤولين في الاستخبارات الوطنية الأميركية قولهم إن واشنطن لا تزال تعتقد أن إيران لم تقرر بعد تصنيع سلاح نووي، وذلك بعد أيام على تصريح مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ويليام بيرنز، حول عدم وجود دليل على أن المرشد الإيراني علي خامنئي تراجع عن قراره بتعليق برنامج التسلح النووي.

ولا يبدو خيار الضربة العسكرية للمنشآت النووية فعالاً لإنهاء المشروع النووي الإيراني، فحسب جمعية مراقبة الأسلحة الأميركية تحتفظ إيران بأكثر من خمسة أطنان من اليورانيوم المخصب، بما في ذلك 165 كيلوغراماً من اليورانيوم عالي التخصيب، خارج منشآت التخصيب، وإلى جوار شاحنات متنقلة يمكنها نقلها بسرعة.

سيناريو تشيرنوبل

وبالقياس على كارثة تشيرنوبل النووية فإنه من الصعب التنبؤ بدقة بمدى التأثير الذي قد يحدثه استهداف المفاعل النووي، إذ أشار كبير المفتشين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية سابقاً إلى أن عوامل الطبيعة تلعب دوراً كبيراً في تحديد مدى الأثر البيئي، فكان التأثير الأكبر جراء الكارثة التي وقعت في أوكرانيا (التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفياتي) عام 1986 على دول وسط وشمال أوروبا، بفعل انتقال المواد المشعة عبر الرياح والأمطار، التي وصلت إلى السويد في أقصى شمال القارة.

 

وأدت أخطاء في التشغيل إلى انفجار في محطة تشيرنوبل للطاقة النووية، وبحسب تقارير رسمية فقد لقي 31 شخصاً مصرعهم على الفور، وتعرض 600 ألف شخص من المشاركين في إطفاء الحرائق وعمليات التنظيف لجرعات عالية من الإشعاع. وتأثر أكثر من 8.4 مليون شخص بالتأثيرات الإشعاعية في روسيا وبيلاروس وأوكرانيا، فضلاً عن تلوث 155 ألف كيلومتر في البلدان الثلاثة.

عوامل تتحكم في مدى الضرر

وفق أستاذ العلوم الإشعاعية المتخصص في الطوارئ النووية ناصر شبير فإنه في حال تعرضت منشأة نووية لهجوم، فإن حجم التسرب الإشعاعي المحتمل يعتمد على عوامل عدة، أبرزها شدة الهجوم ومدى الأضرار التي قد تلحق بأنظمة الحماية النووية.

وقال شبير لـ"اندبندنت عربية" إنه في أسوأ السيناريوهات قد يؤدي تدمير قلب مفاعل "بوشهر" إلى انبعاث كميات كبيرة من المواد الإشعاعية، التي تنتشر عبر الهواء وتنتقل من خلال الرياح إلى مسافات بعيدة فتصل إلى الدول المجاورة لإيران، مهددة الصحة العامة للسكان وقد ينتج منها زيادة في حالات السرطان.

وأوضح شبير أنه من أهم العناصر المشعة المنبعثة المسببة للتلوث الإشعاعي هو عنصر "السيزيوم 137" الذي يدوم في الهواء إلى نحو 30 عاماً، مما يجعله قادراً على التسبب في تلوث بيئي مستدام وانتشاره بسهولة في الهواء والتربة، ويمكن أن يدخل جسم الإنسان من طريق الاستنشاق. ومن العناصر التي تصدر مع التسرب الإشعاعي عنصر "السترونتيوم 90" الذي يستمر إلى نحو 29 عاماً أيضاً، وعنصر "اليود 131" الذي يستمر إلى ثمانية أيام مما يزيد من خطر الإصابة بسرطان الغدة الدرقية، مسبباً ضرراً سريعاً على الإنسان.

أضاف أنه في حال حدوث تسرب للمواد الإشعاعية في مياه الخليج العربي فإنه يعرض ملايين الأشخاص لأخطار صحية جسيمة، ويؤدي إلى أضرار كبيرة في النظم البيئية البحرية والثروة السمكية ويشكل تهديداً مباشراً للأمن الغذائي.

خطط الطوارئ

وفي سبيل الوقاية لدول الخليج في حال حدوث تسرب إشعاعي، أوضح المتخصص في الطوارئ النووية أن دول الخليج ستحتاج إلى تفعيل خطط الطوارئ الوطنية للتعامل مع أي تسرب محتمل في حال استُهدفت المفاعلات النووية الإيرانية. وتشمل هذه الخطط أنظمة مراقبة إشعاعية متطورة لرصد التسربات مبكراً، وتحديد مناطق الخطر ووضع خطط للإخلاء السريع والآمن للسكان، مع توفير ملاجئ في حال تعذر الإخلاء الفوري وتتطلب التنسيق الفعال بين الجهات المعنية المحلية، إلى جانب التنسيق الإقليمي ومع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، للحد من الآثار السلبية لأية حادثة إشعاعي.

"بوشهر" الأخطر

ويتفق أستاذ هندسة الطاقة بكلية الهندسة جامعة الزقازيق حافظ السلماوي مع خطورة توجيه ضربة إسرائيلية لمفاعل "بوشهر" تحديداً، لأنه ينتج الكهرباء بالطاقة النووية، بالتالي فمن الوارد حدوث تسرب إشعاعي كبير تمتد آثاره إلى دول الخليج. ويرى أن الضربة الإسرائيلية إن أصابت مراكز الأبحاث وغيرها في أصفهان وقم فلن تحدث ضرراً إشعاعياً واسع النطاق.

وأوضح السلماوي أن مناطق تخصيب اليورانيوم ومخازن اليورانيوم المشعة المركزة بنسبة 60 في المئة التي أنتجتها طهران، هي أيضاً مكمن خطورة لأنها قد تؤدي إلى تسربات إشعاعية. ولفت إلى حرص إيران على توزيع محطات تخصيب اليورانيوم وتخزينه كنوع من الحماية ضد أية ضربة محتملة.

وأضاف أنه ليس بالضرورة أن تستهدف الضربة قلب المفاعل وإنما أجزاء أخرى تؤثر أيضاً في عمل المفاعل وهو أيضاً يشكل مصدر خطورة، على غرار ما حدث في محطة فوكوشيما باليابان، حين تضرر بفعل تسونامي مدمر أدى إلى تسرب إشعاعي.

وفي الـ11 من مارس (آذار) 2011 ضرب زلزال بقوة تسع درجات على مقياس ريختر ساحل اليابان مما أدى إلى موجات تسونامي عارمة، تسببت في زيادة الحرارة بمحطة فوكوشيما دايتشي للطاقة النووية، ونتج من ذلك انصهار قلب المفاعل وحدوث انفجار داخل مبنى احتواء المفاعل في المحطات الأولى والثالثة والرابعة. وعزت الوكالة الدولية للطاقة الذرية الواقعة إلى نقاط ضعف في التصميم وقصور في عوامل الأمان ونظم المراقبة، فضلاً عن تأثير التسونامي. ولم تنتج وفيات نتيجة الحادثة النووية، لكنه أدى إلى انبعاثات إشعاعية قالت منظمة الصحة العالمية إنها من غير المتوقع أن تزيد معدلات السرطان، لكنها أوصت بمتابعة طويلة الأمد للمتأثرين بجرعات الإشعاع.

خطر زابوريجيا

وأشار الأكاديمي المصري إلى أن العالم يواجه خطراً نووياً آخر، متمثلاً في المحطات الواقعة في مناطق الاشتباك بين الجيشين الروسي والأوكراني. واللافت أن محطة تشيرنوبل التي كانت مسرحاً لكارثة نووية قبل نحو 40 عاماً من المواقع التي تشهد معارك في مناطق الشرق الأوكراني، إذ سيطر الجيش الروسي على المحطة إضافة إلى محطة زابوريجيا، التي شهدت انفجارات عدة أثارت مخاوف من كارثة نووية كان آخرها احتراق برج التبريد في أغسطس (آب) الماضي، وفي المقابل سيطرت القوات الأوكرانية على مناطق محيطة بمحطات نووية في منطقة كورسك الروسية، فيما يتبادل البلدان التهم بـ"الإرهاب النووي".

 

ويعد هذا الصراع الأول من نوعه في منطقة يوجد بها عدد من المحطات النووية، مما دفع الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى وضع سبع ركائز للأمان النووي خلال الصراعات المسلحة، أبرزها الحفاظ على السلامة المادية للموقع واستمرار عمل نظم الأمان، والسماح لموظفي التشغيل بالوصول الآمن والعمل، والحفاظ على إمدادات الكهرباء.

ومنذ معرفة البشرية التكنولوجيا النووية علق في الأذهان الأخطار الكبيرة للتفجيرات النووية، فعلى رغم أن القنبلة النووية استخدمت مرتين فقط تاريخياً فإن تداعياتهما كانت كفيلة بأن تتجنب البشرية طوال العقود الثمانية الماضية أي أخطار تتعلق بالتكنولوجيا النووية على وجه العموم، إذ أدت القنبلتان النوويتان الأميركيتان على مدينتي هيروشيما وناغازاكي عام 1945 إلى مصرع نحو 220 ألف مواطن ياباني على الفور، ولقي ما يزيد على 200 ألف شخص مصرعه لاحقاً من الجرعات الإشعاعية الفتاكة الزائدة، حسب الأمم المتحدة.

الثقل الدبلوماسي

وعلى الصعيد السياسي، اعتبر المتخصص في الشأن الإيراني يحيى بوزيدي أن هناك تحديات تقنية ولوجستية تواجه الجيش الإسرائيلي، من بينها تباعد المواقع النووية الإيرانية وتحصيناتها القوية، إضافة إلى الدفاعات الجوية الإيرانية المتنوعة التي قد تعوق الهجوم إذا تم تجاوز هذه العوائق، منوهاً بأن التحدي الكبير هو حجم الأضرار التي سيلحقها الهجوم إضافة إلى أن عدم القضاء على البرنامج بصورة كاملة قد يمنح إيران مبرراً لتغيير عقيدتها العسكرية وصناعة سلاح نووي.

وعن انعكاسات استهداف البرنامج النووي الإيراني على العلاقات الخليجية الإيرانية، يرى بوزيدي أنه إذا ما هاجمت إسرائيل البرنامج النووي الإيراني وتسبب ذلك في إشعاعات نووية وبخاصة في حال استهداف موقع "بوشهر" القريب من الخليج العربي، فإن انعكاسات ذلك على العلاقات الخليجية الإيرانية تعتمد بصورة كبيرة على الرد الإيراني في حال تصاعد الصراع إلى حرب إقليمية، وسيكون التعاون لمواجهة الإشعاعات النووية أمراً صعباً.

ورجح بوزيدي أن إيران ستحث دول الخليج وعلى رأسها السعودية على استخدام ثقلها الدبلوماسي لمنع الهجوم على البرنامج النووي، وقد يفسر ذلك الجولات المتكررة لوزير الخارجية الإيراني إلى دول الخليج أخيراً، وفي حال حدوث الهجوم فإن الأخطار الناتجة قد تدفع دول الخليج للضغط من أجل تسوية لمعالجة الإشعاعات النووية، مضيفاً أن إيران قد تسعى لاستغلال الوضع للضغط على القوى الدولية والإقليمية لوقف الهجوم، أو للحصول على ضمانات تتعلق بالعقوبات أو التوصل إلى اتفاق نووي شامل.

احتواء الكارثة

وحول القدرات الإيرانية لمواجهة الإشعاعات النووية، قال الباحث بوزيدي إن المشروع النووي الإيراني يكتنفه كثير من الغموض ولا توجد معطيات دقيقة حول قدرات إيران في مواجهة الإشعاعات النووية نتيجة هجوم عسكري أو حادثة طبيعية، ولا توجد أيضاً سوابق تاريخية اختُبرت إيران فيها بهذا المجال.

ورجح بوزيدي أن إيران يمكنها الاستعانة ببعض الدول ذات الخبرة في المجال مثل روسيا لكن البعد السياسي سيكون حاسماً، إذ ستحاول إيران توظيف مسألة الإشعاعات لصالحها سواء من خلال المعالجة السريعة أو الاستعانة بقدرات دولية، أو حتى التباطؤ لتحقيق مصالح سياسية.

المزيد من تقارير