Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العبودية... عصاب من الماضي يطارد مستقبل المملكة المتحدة

البرلمان أصدر قانونا حرر 800 ألف أفريقي كانوا "أملاكاً" للبريطانيين في عام 1833

بريطانيا بدأت بتجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي عام 1562 وبحلول ثلاثينيات القرن الـ18 تصدرت المجال عالمياً (غيتي) 

ملخص

تواجه المملكة المتحدة منذ أعوام مطالب متزايدة من دول في منظمة بالكومنولث بإنصاف ضحايا تجارة الرقيق التي أثرت البريطانيين أفراداً وحكومة وملوكاً على امتداد ثلاثة قرون، ولكن الحكومات المتعاقبة للندن في العصر الحديث ترفض الاعتذار عن تلك الحقبة، ولا تقبل بدفع تعويضات تصل قيمتها إلى أكثر من 200 مليار جنيه استرليني.  

ترفض الحكومة البريطانية الجديدة دفع تعويضات لضحايا العبودية في عهد "الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس"، وموقف رئيس الوزراء كير ستارمر الذي يقود السلطة منذ أكثر من ثلاثة أشهر لا يختلف عن أسلافه من "العمال" و"المحافظين" في هذا الصدد، على رغم تصاعد الضغوط الخارجية والداخلية مع الوقت.

موقف العائلة الملكية لم يتغير في هذا الشأن أيضاً بتغير الجالس على عرش المملكة المتحدة في سبتمبر (أيلول) 2022، فظل الملك تشارلز الثالث على خطى والدته الراحلة إليزابيث الثانية رافضاً الاعتذار وتعويض أحفاد الذين عاشوا عبيداً لدى العائلات والشركات البريطانية بين القرنين الـ16 والـ19.

بين الـ21 والـ26 من الشهر الجاري، يشارك الملك ورئيس الوزراء في قمة دول الكومنولث بمدينة آبيا عاصمة ساموا الواقعة في جنوب المحيط الهادئ. وقبيل اللقاء أثيرت قضية العبودية والتعويضات مجدداً، فكرر المسؤولون البريطانيون موقفهم وقال متحدث باسم رئيس الوزراء، إن "الأمر لن يدرج على جدول أعمال القمة، والحكومة الجديدة لا تقبل دفع التعويضات ولا تدرس الفكرة".

في وقت مبكر من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري التقت رئيسة وزراء باربادوس ميا موتلي مع الملك تشارلز الثالث، فأثارت القضية مجدداً وطرحت أرقاماً كبيرة لتعويضات تحلم بها دول كانت ضمن المستعمرات البريطانية واستخدمتها "الإمبراطورية" في تجارة العبيد أو تسخيرهم لأغراض مختلفة وأماكن متفرقة.

تبلغ قيمة التعويضات المقترحة من قبل موتلي التي تمثل 15 دولة كاريبية في هذا الصدد، أكثر من 200 مليار جنيه استرليني، وقد أوضحت رئيسة وزراء باربادوس خلال كلمة لها أمام المتحدة أن هذه التقديرات "تمت دراستها بعناية من قبل أطراف عدة وعلى ضوء عوامل مختلفة لتكون عادلة وتشكل جميع المجالات".

بعد لقاء موتلي جدد الملك تشارلز الثالث رئيس منظمة الكومنولث التي تجمع 54 دولة كانت مستعمرات بريطانية، رفضه مناقشة الاعتذار وتعويض ضحايا العبودية خلال "قمة ساموا" التي يحضرها ويترأسها برفقة كير ستارمر، أول رئيس وزراء عمالي يسكن المنزل رقم 10 في العاصمة لندن منذ نحو 15 عاماً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

محطات تاريخية

بدأت بريطانيا بتجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي عام 1562، وبحلول ثلاثينيات القرن الـ18 تصدرت عالمياً، إذ كان الطريق من أوروبا إلى أفريقيا ثم الأميركيتين والعودة إلى القارة العجوز مربحة للغاية بالنسبة للمملكة المتحدة، وسيطرت عليها السفن من ليفربول ولندن وبريستول بدعم من غلاسكو ولانكستر.

كانت السفن تغادر شواطئ البلاد محملة بالبضائع التي يشتري بها البريطانيون أفارقة من غرب القارة السمراء. ثم ينقل هؤلاء عبر المحيط الأطلسي لبيعهم كعبيد يعملون في المزارع. ووفقاً لتقرير صادر عن برلمان لندن، تم نقل وبيع أكثر من 3 ملايين أفريقي إلى المستعمرات في منطقة البحر الكاريبي وأميركا الشمالية.

بعد بيع الأفارقة تعود السفن البريطانية إلى الوطن محملة بمنتجات المزارع التي يعمل بها العبيد، واستغلال هؤلاء لم يتوقف عند حدود الزراعة وإنما استخدموا في صناعات وتجارات كثيرة، فعملوا بحارة وبنوا مدناً وشيدوا متاجر على امتداد إمبراطورية بسطت سلطتها يوماً على ربع سكان العالم وربع مساحة الأرض.

أصبحت باربادوس أول مجتمع لعبيد المملكة المتحدة في عام 1661، وأول مستعمرة تتبنى "قانون العبودية" الذي ينص على معاملة الأفارقة كممتلكات للعائلات والشركات البريطانية، فتورطت العائلة الملكية والحكومة بعدها في الاتجار وبيع ملايين الأشخاص على امتداد عدة قرون متتالية حتى إلغاء القانون عام 1834.

انخرطت الملكة إليزابيث الأولى في تجارة العبيد مع جون هوكينز، أحد أوائل تجار الرقيق في بريطانيا خلال القرن الـ16، كما شاركت شخصيات كثيرة ومؤسسات مختلفة في هذه الممارسة التي طاولت 14 دولة حول العالم وفق محكمة العدل الدولية التي تطالب لندن بدفع نحو 19 تريليون جنيه تعويض للضحايا.

 

قوانين وتشريعات

على مدى أعوام طويلة أقر البرلمان البريطاني أكثر من 100 قانون يدعم تجارة الرقيق، فقد كان لعديد من السياسيين والأرستقراطيين مصالح في المزارع والشركات العاملة في هذا المجال، وقد راكموا من خلالها ثروات يعج تاريخ ثلاثة قرون بصورهم ولوحات وأعمال فنية تحكي قصص مغامراتهم وبطر حياتهم.

من أبرز هؤلاء ويليام جلادستون الذي شغل منصب رئيس الوزراء أربع مرات منفصلة بين 1868 و1894، وحققت عائلته ثروتها الهائلة من تجارة العبيد في جزر الهند الغربية. وبعد صدور قانون إلغاء العبودية في عام 1833 طالب جون بتعويضات عن الضرر الذي طاله بسبب هذا القانون وحصل حينها على أكثر من 100 ألف جنيه استرليني تعادل قيمتها اليوم 12 مليوناً، على رغم أنه لم يكن يمتلك العبيد شخصياً.

 لقد حرر "إلغاء العبودية" 800 ألف أفريقي كانوا آنذاك "أملاكاً" لبريطانيين، وذات القانون احتوى على بند يقضي بواجب تعويض ملاك الرقيق من أموال دافعي الضرائب، فخصصت الحكومة حينها لهذا الغرض 20 مليون جنيه يمثل 40 في المئة من موازنتها عام 1834، ويعادل في العصر الحديث نحو 17 ملياراً.

تعويض مالكي العبيد البالغ عددهم 46 ألفاً، بقي أكبر عملية إنقاذ في تاريخ بريطانيا حتى جاء دعم البنوك في الأزمة المالية عام 2009، فيما لم يحصل العبيد على أي شيء، بل إنهم ألزموا بموجب بند آخر في قانون 1833 بتوفير 45 ساعة عمل مجاني أسبوعياً لسادتهم السابقين مدة أربعة أعوام متتالية بعد تحريرهم.

المزيد من تقارير