ملخص
يختلف المراقبون في شأن تفسير هذا التسريب، وأفاد مسؤولون استخباراتيون سابقون لوسائل إعلام أميركية، بأن الوثائق يبدو أنها كانت على الأرجح تسريباً من شخص يتمتع بإمكانية الوصول إلى هذه الملفات، وليس جراء اختراق إلكتروني لخوادم الحكومة الأميركية.
بعد تداولها على قناة بتطبيق "تيليغرام" منذ عدة أيام، فتح مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي تحقيقاً في وثائق سرية للغاية تم تسريبها من إحدى وكالات الأمن التابعة لوزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون"، تتعلق بمعلومات حول خطط إسرائيل لمهاجمة إيران رداً على هجوم الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري.
ظهرت الوثائق أولاً على موقع " ميدل إيست سبكتاتور- Middle East Spectator"، ونشر الموقع الوثائق على حساب قناة باسمه على تطبيق "تيليغرام" قائلاً إنه تلقاها من مصدر مجهول، وكتب إن هذه الاستعدادات يقوم بها "النظام الصهيوني" للتحضير لهجوم على إيران.ونفى الموقع صلته بالشخص المسؤول عن التسريب قائلاً إنه علم للمرة الأولى بالوثائق عندما تمت مشاركتها في قناة خاصة على "تيليغرام" لديها 7 آلاف عضو، إذ اعتقد أن المصدر كان من المحتمل أن يكون أحد أولئك المتابعين للقناة، كما نفى صلته بإيران في بيان منشور على صفحته بمنصة "إكس".
ماذا يوجد في الوثائق؟
تصف الوثائق التي جمعتها وكالة الاستخبارات الجغرافية الوطنية، الاستعدادات الجارية داخل إسرائيل في شأن ضربة محتملة لإيران بما في ذلك أنواع الطائرات والذخائر التي يمكن أن يستخدمها جيشها في الهجوم، الذي تقول الوثائق إنه قد يأتي من دون سابق إنذار.وتصف تدريبات القوات الجوية الإسرائيلية التي تنطوي على صواريخ جو-أرض، والتي يُعتقد أنها استعداد لضربة جوية داخل إيران، ويقول أحد التقارير إن الولايات المتحدة لم تر أية علامة على أن الهجوم قد يتضمن أسلحة نووية، وهي القدرة التي من المعروف أن إسرائيل تمتلكها لكنها لا تؤكد علناً أنها تمتلكها. وتضمن التسريب تحليلاً لصور الأقمار الصناعية ومعلومات من وكالة الأمن الوطني التي قامت باختراق اتصالات.
تحمل إحدى الوثيقتين عنوان "إسرائيل: القوات الجوية تواصل الاستعدادات لضربة على إيران وتجري تمريناً ثانياً لاستخدام قوات كبيرة"، أما الوثيقة الثانية فهي بعنوان "إسرائيل: قوات الدفاع تواصل الاستعدادات الرئيسية للذخائر ونشاط المسيرات الشبحية على نحو شبه مؤكد لشن ضربة على إيران"، ويتوافق تاريخ الوثيقة الأخيرة مع التقييمات الأميركية في شأن توقيت الضربة الإسرائيلية، كما أنها تفصل جزئياً تدريبات القوات الجوية الإسرائيلية وحركة الذخائر، وفق صحيفة هآرتس الإسرائيلية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتشير الصحيفة إلى أن النص يوضح أنه "لا يمكننا التنبؤ بصورة قاطعة بحجم الضربة على إيران ونطاقها، ويمكن أن تحدث مثل هذه الضربة دون مزيد من التحذيرات من الوكالة الوطنية للاستخبارات الجغرافية المكانية، ويؤكد النص أن "انتشار الصواريخ الباليستية المتوسطة المدى دفاعي على الأرجح"، وتضيف "لم نلاحظ أي مؤشرات على أن إسرائيل تنوي استخدام سلاح نووي".
وقد تم تجميع المعلومات المرئية وتحليلها من قبل وكالة الاستخبارات الجغرافية المكانية الوطنية، وهي إحدى الوكالات الاستخباراتية الأميركية، بينما تُنسب الوثيقة الثانية إلى وكالة الأمن القومي، وهي وكالة الاستخبارات الرئيسة في الولايات المتحدة التي تعمل تحت إشراف مدير الاستخبارات الوطنية، وهي مسؤولة عن مراقبة وجمع ومعالجة المعلومات والبيانات المتعلقة بالاستخبارات الأجنبية ومكافحة التجسس، التي تغطي كلاً من الأصدقاء والأعداء.
من وماذا وراء التسريب؟
ويختلف المراقبون في شأن تفسير هذا التسريب، ففي حين أفاد مسؤولون استخباراتيون سابقون لصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، بأن الوثائق يبدو أنها كانت على الأرجح تسريباً من شخص يتمتع بإمكانية الوصول إلى هذه الملفات، وليس جراء اختراق إلكتروني لخوادم الحكومة الأميركية، ذهب بعض المراقبين إلى اعتباره تسريباً "مُتعمداً" يهدف إلى الضغط السياسي على إسرائيل وسط مساع أميركية لتهدئة حدة الصراع في المنطقة بعد سلسلة من الاغتيالات التي نفذتها إسرائيل في لبنان وغزة وسوريا وإيران، والتي دفعت طهران لشن هجوم انتقامي مطلع أكتوبر الجاري.
وقال المحلل السابق لدى وكالة استخبارات الدفاع الذي استقال احتجاجاً على دعم إدارة بايدن لحرب إسرائيل في غزة هاريسون مان "يُظهر التقييم المسرب مدى مراقبة مجتمع الاستخبارات عن كثب للنشاط العسكري الإسرائيلي.. إنه تذكير بأن الإدارة لا تثق فعلياً بإسرائيل في شأن مشاركتها الخطط والعمليات الكبرى سابقاً. إنه يُظهر أن الحكومة الأميركية تعترف بالقوى النووية الإسرائيلية وتراقبها".
ومع ذلك يستبعد الدبلوماسي الإسرائيلي السابق ألون بنكاس أن يكون التسريب متعمداً بهدف الضغط بالنظر إلى المنصة التي تم اختيارها لنشر الوثائق، إذ تشير صحيفة هآرتس إلى أن هناك طرقاً أخرى أكثر تطوراً ومنافذ أفضل للقيام بذلك، لافتاً إلى أن قناة "ميدل إيست سبيكتاتور" على "تيليغرام" تصف نفسها بأنها "مستقلة، ولكنها ليست محايدة، وتسعى إلى عالم متعدد الأقطاب، وتركز بصورة أساسية على إيران ومحور المقاومة".
واستعان بنكاس في مقاله بصحيفة هآرتس، بالأنواع الرئيسة للتسريبات كما حددها الباحث الأميركي ريتشارد كيلبويتس في كتابه "دور التسريبات الإخبارية في الحكم وقانون سرية الصحافيين"، التي تتحدد وفقاً للهدف سواء كان التأثير في السياسي أو تشكيل الصورة الشخصية أو توريط شخص آخر أو تحسين العلاقات مع وسائل الإعلام. ويقول الدبلوماسي الإسرائيلي، إن التسريب الأخير ربما يكون مزيجاً من كل هذه الأنواع.
ويرى مراقبون أن الحادثة توفر نافذة على مناقشة صريحة غير عادية لمواقف مجتمع الاستخبارات الأميركي تجاه إسرائيل، كما أن تصريح مسؤولي البيت الأبيض بأنه لا توجد مؤشرات على أن إسرائيل تنوي استخدام سلاح نووي ضد إيران، يمثل اعترافاً نادراً ببرنامج الأسلحة النووية الإسرائيلي، الذي لم تعترف به الولايات المتحدة ولا الحكومة الإسرائيلية علناً على الإطلاق.
ليس منفرداً أو معزولاً
وقال مسؤول من البيت الأبيض لوسائل إعلام أميركية إنه على رغم خطر أي تسريب استخباراتي، فإن التحليل الذي نُشر على قناة "تيليغرام" من المرجح أن يؤدي إلى تداعيات دبلوماسية محدودة فقط، شريطة عدم نشر مزيد من المواد.
وفيما أفاد مسؤول إسرائيلي لصحيفة واشنطن بوست بأن تل أبيب لا تعتبر المعلومات التي تم الكشف عنها ذات تأثير في تخطيطها للإجراءات المحتملة ضد إيران، لكن الأمر أثار مخاوف في شأن الأمن، وأضاف المسؤول الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته "المحتوى ليس مهماً إلى هذا الحد، إن حقيقة وجود تسريب أكثر أهمية بكثير"، ووفق بنكاس فإنه بغض النظر عن محدودية الضرر الناتج من ذلك التسريب، فإن الأمر لا يبعث على الاطمئنان إذ من النادر أن يكون التسريب حدثاً منفرداً ومعزولاً، متوقعاً أن يكون هناك مزيد من الوثائق التي ربما تم تسريبها سواء عن المواجهات بين إسرائيل وإيران أو روسيا وأوكرانيا أو الصين وتايوان.
وينطوي تحقيق مكتب التحقيقات الفيدرالية على انتهاكات لقانون التجسس، وقال رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأميري مايك تيرنر، في بيان مكتوب "بناء على الإحاطة التي تلقيتها فإن تحقيق مكتب التحقيقات الفيدرالي ضروري لما يشكل بوضوح عملاً إجرامياً للتجسس". وأضاف "تسريب معلومات شديدة السرية ومدمرة عن الولايات المتحدة لا يؤثر فقط في حليف مهم، بل يعرض سلامة رجالنا ونسائنا في الخدمة العسكرية في الشرق الأوسط للخطر".
تسريبات عدة
والتسريب ليس الأول من نوعه لمعلومات استخباراتية حساسة خلال إدارة الرئيس جو بايدن، فالعام الماضي في قضية وصفها مسؤولون بأنها كانت خرقاً أمنياً كبيراً، ظهرت شريحة من التقييمات الأميركية السرية للحرب في أوكرانيا وغيرها من مسائل السياسة الخارجية على تطبيق الرسائل "ديسكورد"، وأقر جاك تيكسيرا، وهو طيار مجند في الحرس الوطني الجوي في ماساتشوستس، بالذنب عن التسريب ضمن مجموعة من الطيارين، وكشف التحقيق آنذاك عن أن الضابط الصغير كان لديه وصول إلى أنظمة سرية ولوحظ أنه يتصرف بصورة مريبة مرات عدة دون تنبه السلطات المختصة.
ويحقق مكتب التحقيقات الفيدرالي أيضاً مع المبعوث الخاص لإدارة بايدن إلى إيران روبرت مالي، في شأن قيامه بإرسال وثائق سرية إلى بريده الإلكتروني الشخصي وتحميل الوثائق على هاتفه المحمول، مما أدى إلى وصول إيران إلى تلك الوثائق بعدما استطاعت اختراق هاتفه عبر رابط مزيف، وفي الـ 22 من أبريل (نيسان) 2023 سلّم مسؤولو إنفاذ القانون مالي خطاباً شخصياً يخطره بتعليق تصريحه الأمني، وفي تطور غير متوقع بعد بضعة أشهر نشرت صحيفة "طهران تايمز" وهي صحيفة حكومية إيرانية، صورة للرسالة المكونة من صفحتين التي تلقاها مالي لإبلاغه بتعليق تصريحه من دون أن تشرح كيف حصلت على المادة.
وأخيراً، زعمت بعض المواقع أن المستشارة في مكتب وزير الدفاع الأميركي للعمليات الخاصة أريان طبطبائي، هي المسؤولة عن تسريب الوثائق المتعلقة بإسرائيل، وهو ما نفاه السكرتير الصحافي للقوات الجوية بات رايدر، لكن طبطبائي التي كانت عضو فريق التفاوض النووي، هي ضمن ما يُعرف بـ"مبادرة خبراء إيران"، وهي مجموعة من الباحثين والأكاديميين الغربيين حددتهم طهران عام 2014 لدعم أهداف سياستها، وورد اسمها جنباً إلى جنب مع علي فايز مسؤول مؤسسة "مجموعة الأزمات الدولية" البحثية، في التحقيقات الخاصة بمالي.
وفي عام 2023 طالب أعضاء الكونغرس بإقالة طبطبائي من منصبها بسبب مخاوف أمنية في شأن صلتها المزعومة بإيران، وكان نائب الرئيس التنفيذي لـ"مجموعة الأزمات الدولية" ريتشارد أتوود دافع عن فايز قائلاً إن "مشاركته في مبادرة خبراء إيران كانت مجرد امتداد لعمله في إشراك جميع الأطراف في الدبلوماسية"، مضيفاً أن "عمل فايز خلال تلك الفترة ومنذ ذلك الحين هو بالضبط العمل الذي قام به لأكثر من عقد من الزمن في مجموعة الأزمات الدولية".