ملخص
على مدار شهر أكتوبر الجاري قام عراقجي بجولة غير مسبوقة في أنحاء المنطقة شملت مصر والسعودية والأردن وقطر وعمان ولبنان والعراق وتركيا، إذ ناقش وقف إطلاق النار في لبنان وغزة والبحث عن سبل لوقف الحرب.
بعد انتظار نحو أربعة أسابيع ردت تل أبيب على الهجوم الصاروخي الذي شنته إيران ضدها مطلع الشهر الجاري انتقاماً لمقتل كل من الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله ورئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية ونائب قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني عباس نيلفروشان. واستهدفت إسرائيل السبت الماضي مواقع عسكرية داخل إيران دون المساس بمواقع نفطية أو نووية، إذ أكدت طهران أن الضربات تسببت في "أضرار محدودة"، وقللت وسائل الإعلام الرسمية من الضربة.
وخلال الأسابيع القليلة الماضية أوحت تصريحات المسؤولين في تل أبيب بتصعيد أثار قلقاً دولياً وإقليمياً من حرب أوسع شاملة في وقت يتصاعد فيه العنف في أنحاء الشرق الأوسط، حيث يخوض وكلاء إيران في لبنان واليمن وأنحاء أخرى، حرباً بالفعل مع إسرائيل. وبعد توجيه إيران هجومها الصاروخي الثاني ضد إسرائيل في أقل من ستة أشهر بدت الأخيرة مستعدة لضربة انتقامية أكثر قوة.
جولات دبلوماسية لافتة
وفيما تشير حدود الضربات المتبادلة بين طهران وتل أبيب إلى أنه في الأقل في الوقت الحالي يحاول الطرفان تجنب تصعيد أكثر خطورة، ومع ذلك تطرح الجولات الدبلوماسية التي قام بها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي خلال أكتوبر (تشرين الأول) الجاري تساؤلات فيما إذا كان لهذه التحركات دور في خفض حدود الضربة الإسرائيلية، وربما التصعيد بين الطرفين بصورة أكبر. فمنذ مطلع أكتوبر الجاري قام عراقجي بجولة في أنحاء المنطقة شملت مصر والسعودية والأردن وقطر وعمان ولبنان والعراق وتركيا، إذ ناقش وقف إطلاق النار في لبنان وغزة والبحث عن سبل لوقف الحرب. وشددت وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية على جهود وزير الخارجية باعتبارها مهمة "مدفوعة بالسلام" لحشد الدعم الإقليمي والتصدي للعدوان الإسرائيلي في غزة ولبنان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحمل لقاء عراقجي بقادة الدول التي لديها اتصالات مباشرة مع تل أبيب وواشنطن رسالة السعي إلى التهدئة، ففي مصر كان لقاء وزير الخارجية الإيراني الرئيس عبدالفتاح السيسي تحركاً دبلوماسياً لافتاً، ليس فقط لأنها الزيارة الأولى التي يقوم بها وزير خارجية إيراني إلى مصر منذ أكثر من عقد، لكن بالنظر إلى دور مصر كوسيط رئيس في جهود وقف الحرب في المنطقة واللقاءات المباشرة التي تجمع المسؤولين المصريين ونظراءهم الإسرائيليين.
وفي الأردن التقى عراقجي الملك عبدالله الثاني ووزير الخارجية أيمن الصفدي، وكلاهما معروف بانتقاده لإسرائيل. ووقت الزيارة أشار مراقبون إلى أنه من خلال التعامل مع الأردن - الدولة التي تحافظ على السلام مع إسرائيل - تحاول إيران الضغط على تل أبيب، فيما كانت لقاءات وزير الخارجية الإيراني مع المسؤولين السعوديين، بما في ذلك ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، خطوة استراتيجية لتعزيز العلاقات مع القوى الإقليمية. وتضمنت مناقشات عراقجي في الرياض استراتيجيات لخفض التصعيد في غزة ولبنان وأكدت التعاون بين البلدين لإحلال السلام في غرب آسيا.
بدا وزير الخارجية الإيراني خلال جولته يسعى إلى الحصول على دعم دول المنطقة من خلال تأكيد رغبة بلاده في السلام على عكس الخطاب الإسرائيلي، وربما استهدفت إيران بتحركاتها الدبلوماسية على مدار الشهر الذي شهد تصعيداً في لبنان، عزل إسرائيل دبلوماسياً. وخلال زيارته مصر أعرب عراقجي عن نية إيران السعي إلى خفض التصعيد، لكنه سلط الضوء أيضاً على خطر اتساع الصراع إذا استمرت إسرائيل في حملاتها العسكرية. وامتدت القنوات الدبلوماسية لطهران إلى المناقشات مع الأمم المتحدة، إذ أكدت إيران استعدادها للرد بحزم على أي هجمات أخرى.
ويقول الدبلوماسي الأميركي السابق توماس واريك إن النظام الإيراني يحاول الإشارة إلى أنه يريد تهدئة صراعه المباشر مع إسرائيل، وهذا أمر جيد، إذ تأمل واشنطن في مزيد من تهدئة التصعيد في أي خطوة تتخذها إيران بعد ذلك من أجل منح الأمل في استئناف محادثات وقف إطلاق النار المتوقفة في شأن الرهائن في غزة، ولكن على وجه الخصوص يجب أن ينتبه الجمهور إلى الأهمية الحقيقية للصور التي تظهر الحياة الطبيعية في طهران صباح السبت، ففي حين لا توجد حتى الآن أي إشارة إلى أن إيران ستكبح جماح وكلائها في لبنان أو غزة أو اليمن، فإن صور الحياة الطبيعية في طهران توضح أمراً واحداً لقادة "حماس" و"حزب الله"، "إيران لن تأتي لإنقاذكم".
الضغط الأميركي
وخلف الأبواب المغلقة، بطبيعة الحال نقل الحلفاء في المنطقة إلى واشنطن الرسائل الإيرانية ورغبتها في تجنب حرب أوسع، ربما هذا ما زاد من الضغط الأميركي على تل أبيب لتجنب الأهداف النفطية أو النووية التي من شأن استهدافها أن يثير رداً إيرانياً خطراً. وكان قرار إسرائيل بعدم ضرب البرنامج النووي الإيراني أو البنية الأساسية للنفط والطاقة موضع الضغط الرئيس من واشنطن التي نشرت نظام "ثاد" المضاد للصواريخ في إسرائيل وأرسلت طائرات مقاتلة من طراز "إف-16" إلى المنطقة للمشاركة في الدفاع المحتمل عن إسرائيل إذا ردت إيران.
وتقول السفيرة الأميركية السابقة والزميلة الحالية لدى المجلس الأطلسي جينا أبركرومبي وينستانلي، إنه كما حدث في تبادل الضربات السابق بين إسرائيل وإيران في أبريل (نيسان) الماضي، يبدو أن الولايات المتحدة وإيران هما الطرفان الراشدان في الغرفة. وتضيف وينستانلي أنه على ما يبدو حققت الدبلوماسية السبت الماضي انتصاراً كانت المنطقة في أمس الحاجة إليه، فقد أبقت إسرائيل على الخطوط الحمراء الأميركية فيما يتصل بالأهداف النووية والنفطية. وحتى الآن لا يزال الإيرانيون الذين لا يستطيعون تحمل التصعيد يقللون من شأن التأثير بغض النظر عن حقيقة الضرر الذي لحق بهم، ويبدو أنهم يستجيبون لدعوات ضبط النفس، إذ كانت الولايات المتحدة متسقة في رسالتها إلى الإيرانيين في شأن حق إسرائيل في الرد على هجوم الأول من أكتوبر، وفي الوقت نفسه كانت رسالتها حاسمة لإسرائيل في شأن حماقة توجيه ضربة شديدة للغاية إلى إيران، ويواصل الفاعلون الإقليميون التصرف بمسؤولية.