أثار إعلان محكمة الاستئناف في تونس العاصمة، عدم اختصاصها في بت قضية إطلاق سراح المرشح للانتخابات الرئاسية نبيل القروي، جملة تساؤلات واحتمالات، بخاصة أن القروي سيُحرم من الحصول على حقه في المشاركة على وجه المساواة مع المرشح قيس سعيّد في الحملات الانتخابية للانتخابات الرئاسية، المقرر إجراؤها يوم الأحد الثالث عشر من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي.
الطعن في النتائج
نبيل القروي، المرشح الموقوف في السجن المدني بتونس، سيقدم طعناً بنتائج الانتخابات الرئاسية التي حُرم فيها من حظوظ المرشح المنافس له قيس سعيّد لجهة إدارة حملته الانتخابية، ما يعني أن احتمال إلغاء نتائج الانتخابات في الدور الثاني للانتخابات الرئاسية وارد جداً ومتوقع الحدوث.
يوضح منذر بلحاج علي، عضو مجلس النواب، أن تونس ستواجه أزمة دستورية غير مسبوقة في تاريخها، جراء الدستور الذي أُقر في فبراير (شباط) 2014 من المجلس التأسيسي، والذي كان مليئاً بالثغرات القانونية التي تضع البلاد في وضعية خطيرة.
ويقول لـ "اندبندنت عربية" إن الإشكال الحقيقي يتلخص في، إلى أين وكيف ستؤول الأمور بعد الخامس والعشرين من الشهر الحالي، موعد انتهاء المدة القانونية للرئيس بالنيابة السيد محمد الناصر، والمقررة بتسعين يوماً، في ظل غياب نص يسمح بتمديدها، وغياب محكمة دستورية تطّلع بمهامها، ما سيخلق حالة من الشغور في المنصب وسيضع البلاد أمام احتمالين لا ثالث لهما، الأول إعلان شغور مؤقت للمنصب بحيث يصبح رئيس الحكومة يوسف الشاهد، مكلفاً بمهام رئيس الجمهورية، إضافة إلى مهامه في رئاسة الحكومة، والثاني إعلان رئيس مجلس النواب الجديد، بعد الانتخابات التشريعية التي ستجري يوم الأحد السادس من الشهر الحالي، الشغور النهائي للمنصب ويتولى مهام رئاسة الجمهورية لمدة تسعين يوماً، الذي لا يعرف كيف سيتمّ عقد أول جلسة للبرلمان الجديد أو موعدها، ومن أي كتلة نيابية سيكون رئيس المجلس، الذي يُنتخب من الأعضاء من الكتلة الأولى الفائزة في الانتخابات التشريعية، محذّراً من أن تونس تواجه مخاطر كبيرة جداً في المرحلة المقبلة.
دستور كتبه هواة
التوصل إلى حل دستوري يجنّب تونس أزمة خطيرة، يبدو صعب المنال، إذ يعتبر المحلل السياسي مصطفى مشاط أن هذه الأزمات هي نتاج لمن وضع دستور 2014 من الهواة وهم مسؤولون عن كل هذه الآفات، إذ كان من المنطقي أن يُمنع من الترشح كل من سبق وحامت حوله شبهات أو تهم أو أحكام قضائية غير باتة، لكن مَن وضع هذا الدستور ترك الباب مفتوحاً لهذه الأوضاع، وهناك أعضاء من مجلس النواب الحالي ومرشحون جدد لمجلس النواب هم من المشتبه في تورطهم بقضايا حق عام، وملفاتهم أمام القضاء ويسعون إلى الوصول للمجلس لنيل الحصانة البرلمانية وللهروب من السجن.
الانقلاب الدستوري الثاني
في المقابل، يعتبر مشاط أن ما يجري اليوم ضد المرشح نبيل القروي، ومحاولة تعطيل الانتخابات، هي المحاولة الثانية للانقلاب على الشرعية، التي بدأت يوم 27 يونيو (حزيران) الماضي، عندما أُدخل الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي إلى المستشفى للمرة الأولى، وسعت حركة النهضة وحليفها حزب تحيا تونس، إلى إبعاد رئيس مجلس النواب حينها السيد محمد الناصر، واستغلال شغور منصب الرئاسة لتمرير قانون العزل السياسي، الذي يمنع نبيل القروي من الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية، والذي رفض الرئيس الراحل توقيعه وسقط، جراء ذلك.
حلول دستورية ممكنة
الأزمة الدستورية التي تُطل برأسها في المشهد السياسي التونسي، هي بالنسبة إلى الأستاذ الجامعي في القانون الدستوري أمين محفوظ، مشكلة جديدة، وأنه "يجب التفريق في المسائل بين الدستور وقانون انتخابي لا يعطي حلولاً للظواهر السياسية وهي ظواهر حركية وتتغير باستمرار، وبين المبادئ وهي ثابتة، والآجال الدستورية التي حددت حسب الدستور بين 45 الى 90 يوماً كموعد لنهاية المدة القانونية للرئيس بالنيابة، لكن هناك من يتناسى مبادئ دستورية أهم بكثير من الآجال، واستمرارية الدولة هي الأهم من أي آجال أو مواعيد انتخابية، والدستور في الفصل 72 منه، يوضح ذلك بشكل كامل".
ويرى محفوظ أن الفصل 2 من قانون الانتخابات، يؤكد ضرورة أن تكون الانتخابات حرة ونزيهة، وهذا ليس ممكناً في هذه الانتخابات الرئاسية، إذ هناك مرشح حر، ومرشح في السجن، والمرشح قيس سعيّد يقول "ليس لدي منافس" والانتخابات الحرة الديمقراطية لا قيمة لها، إلاّ أن تكون تنافسية، وكما الناخب حر في اختياره، فيجب أن يكون المرشح حراً في حركته واتصاله بناخبيه وهذا غير ممكن في هذه الانتخابات.
ويضيف أن مشكلةً جديدةً أُضيفت إلى المشاكل التي تواجه هذه الانتخابات، بعدم قيام الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بدورها، وعلى الهيئة أن تتحمل مسؤوليتها وتضمن نزاهة الانتخابات وتلغي موعد 13 أكتوبر المقبل، وتعيد فتح باب الترشح مجدداً، لإجراء انتخابات جديدة، نظراً إلى غياب المساواة والحرية في هذه الانتخابات.
ويقول محفوظ "أدعو الهيئة إلى سحب قرارها الذي أخذته بإقرار إجراء الانتخابات في موعدها المحدد، وتفتح باب الترشح من جديد للانتخابات الرئاسية".
لقاء الفرصة الأخيرة
رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات نبيل بافون، التقى اليوم الخميس، في السجن المدني بتونس العاصمة، نبيل القروي، لبحث سبل تمكينه من القيام بحملته الانتخابية من وراء أسوار السجن.
اعترف بافون أن توقيف المرشح الرئاسي نبيل القروي وضع هيئة الانتخابات في مأزق.
وفي انتظار ما سيقرره القروي، يبدو مستقبل الانتخابات الرئاسية المقبلة في تونس ومستقبل منصب رئيس الجمهورية ما زال بعيداً من الوضوح في ظل ازدياد الشكوك بالوصول إلى حل يخرج تونس من أزمتها الدستورية.