Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رد فعل فاتر من الأسواق على حزمة تحفيز صينية بـ1.4 تريليون دولار

توقعات بطرح بكين مزيداً خلال الفترة المقبلة لمواجهة تبعات فرض ترمب رسوماً على صادراتها

ارتفع معدل البطالة بين الشباب في الصين إلى 18.8 في المئة في أغسطس 2024 (اندبندنت عربية)

ملخص

يشكك المستثمرون في أن تكون تلك الحزمة كافية لمواجهة تحديات مثل نسبة البطالة المرتفعة بين الشباب وتخلي المستهلكين عن التردد في الإنفاق، خصوصاً بعد أزمة القطاع العقاري

أقر مجلس الشعب الوطني (البرلمان) في الصين أمس الجمعة خطة تحفيز مالي للاقتصاد بـ10 تريليونات يوان (1.4 تريليون دولار) تستهدف إنقاذ الحكومات المحلية من عبء الديون وتنشيط الاقتصاد المتباطئ، في أكبر حزمة تحفيز لثاني أكبر اقتصاد في العالم.

وتأتي الحزمة الضخمة بعد إجراءات تحفيزية عدة اتخذتها السلطات الصينية خلال شهر سبتمبر (أيلول) الماضي تضمنت خفض البنك المركزي الصيني سعر الفائدة إلى 1.5 في المئة، وخفض سقف الاحتياط النقدي للبنوك بنصف نقطة مئوية لتوفير السيولة في السوق.

وعلى رغم أن الأسواق ردت بصورة إيجابية على حزمة التحفيز السابقة بارتفاع مؤشرات الأسهم في البورصات الصينية، فإن رد الفعل هذه المرة جاء فاتراً وتراجعت أسهم أكبر شركتين صينيتين مسجلتين في بورصة "نيويورك"، وهما شركتا "علي بابا" و"جيه دي" قبل بدء تعاملات آخر أيام الأسبوع.

إلى ذلك، تراجع سعر صرف العملة الصينية الرنمينبي (اليوان) 0.3 في المئة إلى 7.16 يوان مقابل الدولار، وانخفضت أسعار السلع بما فيها النفط والحديد وسط توقعات بضعف النمو في الاقتصاد الصيني.

وعلى رغم رد الفعل الفاتر في الأسواق فإن كثيراً من المحللين يتوقعون أن بكين تستعد لمزيد من حزم التحفيز لكنها تدخر إلى وقت مواجهة احتمالات فرض الإدارة الأميركية الجديدة للرئيس المنتخب دونالد ترمب رسوماً بنسبة 60 في المئة على الصادرات الصينية، كما ذكرت صحيفة "فايننشال تايمز".

تحفيز لا يكفي

أما سبب فتور رد فعل الأسواق على حزمة التحفيز الهائلة فهو تركيزها على إنقاذ حكومات الأقاليم أكثر منها دعماً للأسر الصينية، لتعود للإنفاق الاستهلاكي وزيادة الطلب المحلي في الاقتصاد.

ويشكك المستثمرون في أن تكون تلك الحزمة كافية لمواجهة تحديات مثل نسبة البطالة المرتفعة بين الشباب وتخلي المستهلكين عن التردد في الإنفاق، خصوصاً بعد أزمة القطاع العقاري.

وعلى رغم أن حجم التحفيز النقدي هذا المرة أكبر من إجراءات التحفيز خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، إذ لم يزد حجمها على 1.5 تريليون يوان (210 مليارات دولار)، فإن معظمه كان موجهاً لتوفير السيولة وتسهيل ظروف الاقتراض من البنوك، ولم تخصص بكين سوى ثلثها فحسب لإنقاذ الحكومات المحلية.

لكن الحزمة المعلنة أمس كما ذكر وزير المالية الصيني لي فوان تستهدف السماح للحكومات المحلية بإصدار سندات دين لمدد ثلاثة وخمسة أعوام لإعادة هيكلة ما عليها من ديون "مستترة" أو "مخفية" (ديون من مؤسسات استخدمتها الحكومات المحلية للاقتراض خارج موازنتها الرسمية)، وتفاقمت تلك الديون مع انهيار القطاع العقاري أخيراً ووصل حجمها إلى 14 تريليون يوان (1.95 تريليون دولار).

إلى ذلك تسعى السلطات الصينية إلى أن تتخفف الحكومات المحلية من عبء تلك الديون كي تتمكن من العودة إلى الاستثمار في مشروعات البنية التحتية، مما يوفر الوظائف ويوسع النشاط الاقتصادي.

ويقول رئيس استراتيجيات الاقتصادات الصاعدة لآسيا في بنك "باركليز" ميتول كوتيشا عن حزمة التحفيز إن "هناك خيبة آمل في الأسواق، فالعائد على السندات تراجع وانخفض سعر صرف اليوان ذلك لأن حزمة التحفيز ركزت على إنقاذ الحكومات المحلية، بدلاً من الدعم المباشر للأسر الصينية لتعاود الإنفاق الاستهلاكي".

تحديات وتباطؤ اقتصادي

وأضاف وزير المالية الصيني في بيان مصاحب لإعلان خطة التحفيز المالي أن "السلطات تدرس اتخاذ خطوات إضافية لزيادة رسملة البنوك الكبرى وأن تشتري الحكومة العقارات التي لم ينته بناؤها، وإجراءات لدعم الإنفاق الاستهلاكي".

وتابع أننا "نخطط للمرحلة التالية من السياسة المالية وسنزيد من إجراءات مواجهة التغيرات".

ومع ذلك، يرى عدد من المحللين أن الصين في حاجة لمزيد من الإجراءات العاجلة لمواجهة التحديات الاقتصادية، قبل أن تبدأ أميركا في فرض رسوم وتعرفة جمركية هائلة على صادراتها، ويقدر هؤلاء أنه لو طبقت إدارة ترمب المقبلة تلك الرسوم فيمكن أن تمحو نقاطاً مئوية عدة من الناتج المحلي الإجمالي الصيني خلال وقت يتباطأ فيه الاقتصاد أصلاً.

بينما يرى آخرون أن توقعات الأسواق كانت فيها مبالغة وذلك مما أدى إلى فتور رد الفعل. فقلق بكين من وضع الحكومات المحلية يتقدم على غيره من التحديات الأخرى، وربما تعده السلطات الصينية وراء نسبة النمو الضعيفة خلال الربع الثالث من العام الحالي التي جاءت عند 4.6 في المئة، وهو ما يهدد بعدم تحقيق مستهدف نمو الناتج المحلي الإجمالي عند خمسة في المئة هذا العام في المتوسط.

وكانت أرقام النمو للربع الثالث من العام الحالي السبب المباشر لحزمة التحفيز خلال سبتمبر الماضي. ويقول الاقتصادي في شركة "ماكواري" لاري هو إن "حزمة التحفيز الأخيرة ربما جاءت مخيبة للآمال لمن كانوا يتوقعون أن يعلن مجلس الشعب عن حزمة تحفيز مالي أكبر بكثير"، مستدركاً "إلا أن تلك التقديرات غير واقعية لأن هدف السياسات الرسمية هو تحقيق مستهدف نمو الناتج المحلي الإجمالي وخفض معدلات الأخطار، وليس إعادة غليان الاقتصاد بطريقة مفتعلة".

تغيير التوجه

لكن ما لا يمكن تجاهله هو التغيير الواضح في توجه السلطات الصينية التي كانت تقاوم طرح أي حزم تحفيز، حتى مع بدء مشكلات القطاع العقاري قبل ثلاثة أعوام، على رغم أن قطاع العقارات يشكل نحو ثلث الاقتصاد بنحو 30 في المئة تقريباً.

ويقول مسؤول الاستثمار في صندوق "ماثيوز آسيا" آندي روثمان "كثيراً ما كان موقف الرئيس الصيني تشي جينبينغ أن منح الأموال السهلة من قبل الحكومة يضر بالإنتاجية، وأن الهدف الأساس هو زيادة التصنيع كمحرك أهم للنمو الاقتصادي، لكن مع ضعف الطلب المحلي واحتمال تضييق الولايات المتحدة على الصادرات الصينية لن يكون هناك ما يكفي من طلب عالمي ومحلي لامتصاص زيادة الإنتاج تلك"، مضيفاً "من هنا كان تغيير التوجه بهدف تنشيط الاقتصاد وزيادة الطلب المحلي إلى حد ما ليستوعب ما قد يتراجع من صادرات.

ومن ناحية أخرى، يبدو أن الرئيس الصيني بدأ يشعر بتبعات اجتماعية لتباطؤ النمو الاقتصادي، خصوصاً مع أجيال صينية صاعدة اعتادت على التحسن المستمر في مستوى معيشتها، إذ أصبح من الصعب تجاهل ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب التي زادت من 13.2 في المئة خلال يونيو (حزيران) الماضي إلى 18.8 في المئة خلال أغسطس (آب) الماضي".

وتابع روثمان "سنرى تغيراً جذرياً في الطريقة التي أصبح (الرئيس) تشي جينبينغ ينظر بها إلى الاقتصاد وطريقته في معالجة المشكلات، فهو يدرك الآن أن الاقتصاد الصيني ليس على الطريق الصحيح، وأن هناك حاجة لتغيير المسار بطريقة براغماتية".

وتظل الأسواق متشككة في أن تنجح حزم التحفيز التي أعلنت في انتشال الحكومات المحلية من عثرتها، خصوصاً مع وصول إجمال مديونيتها الخفية والرسمية إلى 60 تريليون يوان (8.4 تريليون دولار)، وأن عدم ضخ حزم تحفيز لدعم الأسر وزيادة الإنفاق الاستهلاكي قد يدخل الصين في فترة ركود سعري، كتلك التي شهدتها اليابان بعد أزمة قطاعها العقاري خلال التسعينيات من القرن الماضي واحتاجت لنحو عقدين للخروج منها وعودة الاقتصاد للنشاط.