Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شرعية رئيس البرلمان اللبناني في التفاوض مع إسرائيل تهتز من الداخل

انتقاد واسع لتفرد بري وهامشية دور ميقاتي والإمعان في استغلال عدم انتخاب رئيس للجمهورية

رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري يلتقي المبعوث الأميركي الخاص آموس هوكشتاين في 21 أكتوبر الماضي (أ ف ب)

ملخص

أصوات رسمية وسياسية ودينية في لبنان تعترض على احتكار رئيس مجلس النواب نبيه بري مفاوضات وقف إطلاق النار والبطريرك الماروني بشارة الراعي يصفها بالمنقوصة وغير الشرعية.

خاض رئيس مجلس النواب نبيه بري مفاوضات وقف إطلاق النار مع الجانب الأميركي، واختصر بشخصه، وبتكليف من "حزب الله"، الدولة اللبنانية التي تعاني من شغورٍ في موقع رئاسة الجمهورية، فيما اتخذ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي موقف المتفرج لا المقرر. في المقابل ارتفعت أصوات رسمية وسياسية ودينية عارضت هذا التفرّد أو "الاحتكار" للمساعي التفاوضية، وطرحت تساؤلاتٍ عن مدى شرعية هذا الدور دستورياً، وعن صلاحيات رئيس البرلمان التفاوض كممثل عن "حزب الله" من دون السعي إلى التشاور مع سائر الأطراف اللبنانية، بما يترافق مع ذلك من تغييبٍ جليّ لرئاسة الحكومة ومعها مجلس النواب عن أدوارهما. ونزع البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي صفة الشرعية عن المفاوضات التي خاضها بري عندما قال "من يفاوض على وقف إطلاق النار؟ باسم من ولصالح من؟ وهي أولى صلاحيات رئيس الجمهورية غير الموجود قصداً، وهكذا يبقى عملهم منقوصاً وغير شرعي".

تفرد بري

المنتقدون لتفرد بري يؤكدون على أهمية وضرورة المفاوضات للتوصل سريعاً إلى وقف إطلاق النار، وأن موقفهم لا يتعلق بجوهر المفاوضات بل على العكس فإن الاعتراض هو على عدم اطلاع مَن يمثلون الشعب اللبناني أي النواب على تفاصيل الطروحات، وأن ما يسمعونه في الإعلام هو رأي "الحزب" ومن أوكله لتمثيله وليس الدولة اللبنانية. وعلى رغم أن الدستور اللبناني يوكل مهمة التفاوض وإبرام المعاهدات لرئيس الجمهورية بالتعاون مع الحكومة، يؤكد المحيطون ببري أن هناك تنسيقاً كبيراً بينه وبين وميقاتي وهما يفاوضان باسم لبنان، وأن ما يحصل ليس حديثاً عن معاهدة جديدة بل عن تفاهمٍ شبيه بـ "تفاهم نيسان" (تفاهم وقف إطلاق النار الإسرائيلي اللبناني يُعرف أيضاً باسم تفاهمات عناقيد الغضب في عام 1996). 


بري يخرق الدستور؟

تمنح المادة 52 من الدستور اللبناني صلاحية التفاوض في عقد المعاهدات وإبرامها إلى رئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس الحكومة، لكن في ظل الشغور الرئاسي كما هي الحال الآن، فإنه وفقاً للمادة 62، تصبح مهمة المفاوضات وعقد المعاهدات في يد مجلس الوزراء بأكثرية ثلثي أعضائه بحسب المادة 65 منه، وليست لرئيس مجلس النواب الذي في الأصل يدير مجلس النواب كمؤسسة تشريعية ورقابية على الحكومة عملاً بمبدأ الفصل بين السلطات. وبالتالي فإن ما يحصل الآن وفق خبراء في الدستور هو أمر غير مألوف. ويؤكد مدير مكتب "جوستيسيا" للمحاماة الدكتور بول مرقص لـ"اندبندنت عربية" أن "رئيس مجلس النواب يفاوض أو بالأحرى يتم التفاوض معه بصفته السياسية والحزبية ولكونه مفوضاً واقعياً من 'حزب الله' لأن الغير يفاوض مع من بيده الحل والربط. كما لا يعود التفاوض إلى رئيس الحكومة، الذي ينطق باسم الحكومة، التي يجب بسط العروض التفاوضية أمامها لاتخاذ القرار الجماعي المناسب بمقتضى المادة 65 من الدستور باعتبار أن قرارات الحرب والسلم من الموضوعات الأساسية التي تتطلب موافقة ثلثي عدد أعضاء الحكومة". ويضيف مرقص "إلا أن العمل بالدستور والأصول في لبنان معلّق حتى حلول أجل رجوع الدولة إلى ممارسة السلطة بدل الأحزاب، وهو الأمر الذي يبدو قريباً، وفي مطلق الأحوال لا مفر منه".

المعترضون على تنوعهم

يلتقي عدد كبير من النواب والأحزاب والشخصيات السياسية على انتقاد ما يصفونه باختصار بري بشخصه لمؤسسات الدولة ويعترضون على سرية المفاوضات. ويعتبر عضو تكتل "الجمهورية القوية" النائب جورج عقيص أن "حزب القوات اللبنانية غير معني بما يجري، بخاصة إذا أتى هذا الاتفاق على حساب لبنان"، مشدداً على أنه "كان يجب أن يكون التفاوض بشكل آخر وبطريقة أكثر شفافية وأكثر تشاركية، على رغم أن زيارة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين شملت مكونات أساسية لبنانية منها القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، ولكن على صعيد المؤسسات الدستورية فإن التفاوض يجب أن يكون بعلم الحكومة مجتمعةً وبعلم المجلس النيابي أيضاً، وألا تُختزل المؤسسات بأشخاص رؤساء".
ودعا النائب القواتي إلى "التمييز بين التفاوض الذي يجري حالياً وبين التفاوض كما يفترض أن يكون التفاوض". ويؤكد أن "لبنان لا يمكنه أن يعقد اتفاقيات أو معاهدات مع إسرائيل، إذ لا اعتراف بدولة إسرائيل وهناك عداوة معها، لكن أقسى ما يمكن أن يحصل هو على غرار الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية، وأن الحديث الآن هو عن كيفية تنفيذ قرارٍ دولي صادر لا يحتاج سوى إلى وضع آليات في تطبيقه". ويتابع "في السياسة، وفي المنطق، وفي القانون، وفي الدستور، فإن الشعب هو مصدر السلطات كما ورد في مقدمة الدستور، وبالتالي فإن الشعب اللبناني كله يجب أن يطّلع على مضمون الاتفاق الذي يصيب كل الشعب بآثار سواءً كانت إيجابية أم سلبية". ويشدد عقيص على "حصر التفاوض بيد رئيس الجمهورية وفق الدستور وليس رئيس مجلس النواب. أما إذا غاب رئيس الجمهورية، وعلى رغم أن صلاحية التفاوض هي صفة لصيقة بشخص رئيس الجمهورية، فيمكن بأسوأ الأحوال أن تقرّ الحكومة مجتمعةً أي اتفاق على أن يعرض على المجلس النيابي للاطلاع والموافقة عليه".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


"أنت لا تختصر الدولة"

من جهتها، النائبة التغييرية نجاة صليبا التي كانت خاطبت بري من مقر مجلس النواب بالقول "أنت لا تختصر الدولة اللبنانية في قرار الحرب والسلم، ولا يحق لك أن تفاوض عن لبنان​ بالسر"، شددت في حديث لـ"اندبندنت عربية" على "الإطار المؤسساتي لأي تفاوض، وإلزامية تولي رئيس الحكومة المهمة في غياب رئيس الجمهورية وليس رئيس مجلس النواب". وتضيف "إذا أراد ميقاتي رأي مجلس النواب فيجب أن لا يستثني أحداً وأن يتشارك مع كل النواب، خصوصاً أن بري يفاوض باسم 'حزب الله'". والأمر الفاضح بحسب صليبا هو أن "بري أرسل مسودة الاتفاق إلى الحزب ليدخل ملاحظاته عليها واستثنى كل الأفرقاء الآخرين". وهو ما تعتبره النائبة التغييرية "انتهاكاً للعمل المؤسساتي بغض النظر عن الأشخاص". أما عن دور رئيس الحكومة والقول بأنه يفاوض مع بري، فتذكّر صليبا بأن الوسيط الأميركي أمضى ساعات طويلة مع بري ومستشاره علي حمدان فيما لم يستغرق اللقاء مع رئيس الحكومة سوى نصف ساعة. وتضيف أنه "حتى في المضمون لا دور واضحا لميقاتي". وتسأل "هل دعا إلى جلسة لمجلس الوزراء للبحث بالاتفاق؟". وتعتبر أن "بري يفاوض باسم الحزب على مستقبل لبنان، وإذا كان صحيحاً أن التفاوض يقتصر على آلية تنفيذ القرار الدولي 1701 فلماذا الإصرار على إبقاء المفاوضات سرية؟". وتعتبر صليبا أن "ما سُرّب في الإعلام عن بعض النقاط التي تمس سيادة لبنان لا تطمئن مثل حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها". وتضيف، "هل رئيس مجلس النواب مستعد لتحمل المسؤولية الكاملة بشخصه عن قرار كهذا؟".

أما عضو كتلة "تحالف التغيير" النائب مارك ضو، فيؤكد في حديث لـ"اندبندنت عربية"، أن "إنجاح التفاوض لا يكون بأن يعطل رئيس مجلس النواب ومَن معه و'حزب الله' انتخاب رئيس الجمهورية، ومن ثم يستولوا على صلاحيات الرئيس ويمارسوا عملية التفاوض. فإما أن ينتخبوا رئيساً ويمارس هو مسؤولية التفاوض، أو أن يفاوض هو بشخصه ما يشكل انقلاباً كبيراً على الأدوار الدستورية والصلاحيات". ويشدد ضو على دور الحكومة في هذا الموضوع ويعتبر أنه نسبةً لانسحاب وزراء "التيار الوطني الحر" غير المسؤول من الحكومة في ظل الأزمة الحالية فهذا يعني أن بري و"حزب الله" يسيطران على قرار الحكومة كاملاً. ويضيف أن "الإمساك بكل الهيئات الرسمية من إغلاق المجلس النيابي إلى الشلل الحاصل في مجلس الوزراء والتي باتت فاعليته محدودة، تعكسان السياسة التي يعتمدها 'حزب الله' و'حركة أمل'، بتعطيل كل المؤسسات والاستئثار بدورها".       

تبرير عين التينة

في مقلب رئيس مجلس النواب تأكيد أن بري لم يخرق الدستور، وتجاهلٌ لحملة الاعتراضات. وصرح مدير مركز الاستشراف للمعلومات، عباس ضاهر أن بري لا يقوم بإعداد اتفاقٍ جديد "بل ترجمة القرار 1701 الذي أقر سابقاً في حكومة رئيس الوزراء السابق فؤاد السنيورة". وأوضح أن "البحث مع الوسيط الأميركي يجري حول تنفيذ الاتفاقية – القرار". واعتبر ضاهر أن "الأولوية في لبنان هي اليوم لوقف الحرب وبالتالي كل الوساطات والأدوار تصب في هذا الإطار التنفيذي. أما في حال وجود مشروع قرار جديد فإن الحكومة اللبنانية هي التي ستقرّه وفق المسارات الدستورية". وعن اتهام بري بالتفاوض باسم "حزب الله" وليس باسم الدولة اللبنانية، شدد ضاهر على أن "الجانب الأميركي يتحدث مع رئيس مجلس النواب لاعتبارات عدة، أولها بسبب الشغور الرئاسي في لبنان، وثانيها، لقدرته على التواصل مع الطرف المعني بالحرب أي 'حزب الله'، وثالثها لأنه سبق ولعب أدواراً مشابهة في السنوات الماضية".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات