Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

زواج القاصرات في مصر... صغيرات يدفعن ثمن العادات بـ"الإجبار"

تتجاوز نسبه 25 في المئة بالمجتمع ومتخصصون: الفقر والجهل والمفاهيم المغلوطة سبب انتشار الظاهرة

على مدى أعوام بذلت مصر جهوداً عدة للحد من زواج القاصرات على مستويات كثيرة (اندبندنت عربية)

ملخص

لا يزال زواج القاصرات واحداً من أهم المشكلات الاجتماعية التي يعانيها المجتمع المصري، بخاصة في المناطق الريفية، فرغم جهود التوعية التي جرت لأعوام محذرة من خطورته وأضراره على الفتاة والمجتمع، فإن الظاهرة حاضرة وفئات من المجتمع تدعمها وتشجع عليها.

واضعاً إحدى رجليه فوق الأخرى، ومشعلاً سيجارته المحلية الصنع، يحكي العم رجب، حارس عقار بمنطقة الهرم في محافظة الجيزة، كيف زوّج ابنته الكبرى (القاصر)، حينما بلغت من العمر 15 سنة، "زوّجتها لأحد أبناء القرية منذ عامين بعقد عرفي لحين توثيق الزواج في السن القانونية". مبرراً فعلته بأن "هذا عرف سائد في قريتنا وكل القرى المجاورة وابنتي ليست الوحيدة أو استثناء". ويضيف الرجل السبعيني، الذي تعود جذوره إلى إحدى قرى محافظة الفيوم، "خطبت لابنتي وهي في سن 14 سنة، وجرى الزواج بعدها بعام، وعندما تصل للسن القانونية سنوثق الزواج، لديّ أربعة أطفال، ولا أستطيع تحمّل نفقات الدراسة أعواماً طويلة للبنات، وفي النهاية البنت مصيرها الزواج، فإذا جاءها خاطب مناسب فهذا له الأولوية، لماذا ننتظر؟".

وتأتي محافظة الفيوم، التي تبعد من العاصمة المصرية نحو 90 كيلومتراً جنوباً، ضمن المحافظات المصرية الخمس الأعلى في تفشي ظاهرة زواج القاصرات، تليها البحيرة والدقهلية والجيزة والشرقية، وفق بيانات صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2019.

"ستر للبنت"

ويعتقد العم رجب، الذي يرى في الزواج المبكر "سترة للبنت"، أن تأخير زواج البنات أدى إلى "انهيار أخلاقي داخل المجتمع، تجلّى في تمزق الأسر المصرية".

ولا يزال زواج القاصرات واحداً من أهم المشكلات الاجتماعية التي يعانيها المجتمع المصري، بخاصة في المناطق الريفية، فعلى رغم جهود التوعية التي جرت لأعوام محذرة من خطورته وأضراره على الفتاة والمجتمع، فإن الظاهرة حاضرة وفئات من المجتمع تدعمها وتشجع عليها.

والقاصـر قانونياً هو أي فرد لم يبلغ سنّ الزواج ولا يزال في مرحلة الطفولة التي حددتها المواثيق الدولية بأنها ما دون 18 سنة، وهو ما يعني أنه شخص لم يكتمل نضوجه الفكري والجسماني والنفسي، إضافة إلى كونه فـي حاجة إلى رعاية وحماية وغير مؤهل لتحمل المسؤولية.

وقالت نائبة وزير الصحة والسكان لشؤون السكان في مصر عبلة الألفي، إن نسبة الزواج المبكر "تتجاوز 25 في المئة". متخطية النسبة المعلنة في مسح الأسرة المصرية البالغة 15 في المئة. مؤكدة، في تصريحات لوسائل إعلام محلية، أن الزواج المبكر "لا يزال يمثل مشكلة في المجتمع المصري". وأشارت الألفي إلى أن معدلات الزواج المبكر في مسح الأسرة المصرية "بعيدة من الحقيقة، إذ لا يزال هناك اعتقاد حقيقي عند قطاعات من الناس بفكرة الزواج المبكر مع التداعيات الخطرة له". محذرة من الأخطار الناجمة عنه، وأهمها "التشوهات الخلقية للأجنة وعدم وجود أوراق ثبوتية للزواج أو الأطفال".

 

ومنذ أيام حُكم على أب زوّج ابنته الطفلة عرفياً من رجل يكبرها بأعوام كثيرة بتهمة "الاتجار في البشر"، كما جرى إحباط زواج قاصر في محافظة كفر الشيخ (شمال مصر) بعد تقديم بلاغ للسلطات. والعام الماضي انتشر خبر عن منع زواج طفلة قاصر بعد أن جرى إبلاغ نجدة الطفل بمكان حفل الزفاف، لتتوجه السلطات في أثناء تحرير المأذون عقداً عرفياً بالمخالفة للقانون، ليهرب الأب والمأذون قبل أن يلقى القبض عليهما.

الأمثلة السابقة كلها وغيرها أحبطتها جهود إيجابية، لكنها في النهاية تمثل حالات محدودة أمام آلاف الزيجات التي تعقد سنوياً لصغيرات يجبرن على ترك التعليم، وفقدان الفرص في الحياة والانتقال إلى حياة لسن مستعدات لها، خصوصاً في قطاعات معينة، على رأسها المناطق الريفية والشعبية داخل البلاد، التي يتكاتف أهلها أحياناً لدعم مثل هذه الزيجات لا محاربتها.

وفي رأي أستاذ علم الاجتماع هاني جرجس فإن "أبرز الأسباب التي تدفع إلى زواج القاصرات الفقر وتدني مستوى المعيشة والجهل، إضافة إلى المفاهيم المغلوطة التي يتبناها بعض محدودي الفكر، مثل اعتبار أن الزواج ستر للبنت". لافتاً إلى أنه على رغم تعديلات قانون الطفل التي منعت توثيق عقود الزواج قبل 18 سنة، فإن هذا لم يمنع من استمرار الزواج الباكر.

ويوضح جرجس أن "بعض المصريين يلجأون إلى التحايل على عدم القدرة على توثيق عقد الزواج بصورة رسمية بكتابة ورقة عرفية وتزويج الفتاة وإعلان زواجها بإقامة حفل الزفاف، على أن يسجّل الزواج رسمياً بعد أن تصل الفتاة إلى السن القانونية".

ويحذر أستاذ علم الاجتماع من أن الزواج المبكر "تنتج منه مشكلات اجتماعية، إذ إن الفتاة لا تكون على المستوى الفكري أو النفسي أو الجسدي الملائم لتحمل مسؤولية الزواج وتكوين أسرة، وفي أحيان كثيرة تزوج لشخص يكبرها كثيراً في السن فلا يكون هناك أي تكافؤ، وفي الوقت ذاته يؤدي هذا الزواج في أحيان كثيرة إلى مضاعفات صحية على الفتاة، مثل الإجهاض وتعثر الولادة وإنجاب أطفال غير مكتملي النمو".

وطبقاً لمسح أجراه الجهاز المركزي للتعبئة العامة للإحصاء في مصر عام 2021 فإن حالات زواج القاصرات بلغت 96533 عقد زواج داخل القرى في مقابل 20687 عقداً في المدن، وبلغت نسبة زواج القاصرات في الفئة العمرية ما بين 15 و 17 سنة 5.7 في المئة داخل الريف، في مقابل 1.7 في المئة وسط المدن.

هل القانون الحالي غير رادع؟

واحدة من أهم الأزمات المتعلقة بظاهرة زواج القاصرات هي عدم وجود إحصاء دقيق يرصد أبعادها، فالأرقام الصادرة عن الجهات المعنية سواء كانت رسمية أو أهلية شديدة التضارب، لأن حصر الحالات في ذاته هو أمر شديد الصعوبة، إذ إنها تجري بعيداً من عين الدولة وكل مؤسساتها.

وعن ذلك تقول رئيسة مجلس أمناء المؤسسة المصرية لتنمية الأسرة هالة عبدالقادر، "لدينا تضارب كبير في الأرقام، وهذا أمر طبيعي، فحتى يكون هناك إحصاء دقيق لأية ظاهرة فإن هذا يعتمد على الأوراق الرسمية، وفي حال زواج القاصر فلا يوجد أي شيء يمكن من خلاله الاستدلال على معدل انتشارها، فكل هذه الزيجات بلا توثيق، بالتالي لا يمكن حصرها، بل في بعض الأحيان تتزوج الفتاة القاصر، وتنفصل ويزوجها أهلها مرة ثانية من دون أية أوراق".

وتُرجع عبدالقادر زواج القاصرات إلى عوامل عدة "منها اقتصادي وبعضها نتيجة لعادات متجذرة في عقول بعضهم، إضافة إلى سيطرة رجال الدين على محدودي التعليم والفكر، ولا أقصد هنا الشيوخ الموثوقين مثل الأزهر ودار الإفتاء وغيره، لكن شيخ المنطقة أو القرية قد يكون له تأثير طاغ في الناس".

وعلى رغم أن القانون الحالي في مصر لا يسمح بتوثيق عقود الزواج لمن تقل أعمارهم عن 18 سنة من الذكور والإناث على السواء، فإن عبد القادر ترى أن "أهم ما يعوق مواجهة ظاهرة زواج القاصرات هو عدم وجود قانون حازم وقاطع يعاقب عليها"، موضحة أنه "جرى تقديم أكثر من مشروع قانون لكن لم يخرج أي منهم للنور، ونص القانون الحالي متعلق بالسن فقط، فهو يعاقب من يوثق زواج قاصر دون الـ 18، وهذا لا يحدث، لأن كل هذه الزيجات تجري من دون توثيق ومن دون أي أوراق، فيذهب المأذون بأوراقه ودفتره لكنه لا يسجل فيه شيئاً، ويعقد القران شفوياً ويخبر أهل الفتاة أنه سيوثق الزواج بعد أن تصل إلى السن القانونية، لكن على أرض الواقع ﻻ يوجد حالياً نص قانوني يعاقب الأب الذي زوّج ابنته الطفلة".

 

وتشير عبد القادر إلى واحدة من أكبر الأزمات الناتجة من زواج القاصرات، وهي عدم إمكان استخراج أوراق رسمية للأطفال الناتجين منه. موضحة "إذا رفض الأب تسجيل الطفل، والفتاة القاصر ليس معها وثيقة زواج، فإن الحل يكون رفع قضية لإثبات نسب الطفل أمام القضاء، ولكي يثبت نسبه فلا بد من أن يقر الزوج أو أحد أفراد عائلته بثبوت نسب الطفل إليهم، وهذا كثيراً لا يحدث لأسباب عدة من بينها الرغبة في الانتقام من الزوجة لوجود خلافات، أو يكون الأب متوفياً ولا يرغب أهله في أن تشاركهم الفتاة في الميراث إن وجد، وغيرها من الأسباب التي تضر بالطفل والفتاة، فهم ضحايا هذه الزيجات وهم من يدفعون الثمن".

وما تتخوّف منه عبد القادر تؤكده رواية الأم المصرية "نعمة. أ" (37 سنة) من منطقة بشتيل بالجيزة، التي تحكي ما تعرضت له ابنتها بعد زواجها الباكر، "أصر والدها على زواجها قبل أن تكمل الـ 15 سنة، وبعدها بنحو عام ونصف العام أنجبت طفلاً، لكن خلال فترة حملها اشتعلت المشكلات مع زوجها الذي تركها تواجه مستقبلها وحيدة".

وتستكمل الأم، "عانينا مشكلات عدة ولم نتمكّن من تسجيل الطفل أو استخراج أي أوراق له لعدم وجود قسيمة زواج، ولم يتمكن المولود من الحصول على التطعيمات المجانية، كنا نشتريها بمبالغ كبيرة من عيادات أطباء الأطفال، ومع تفاقم المشكلات رغبنا في تطليق ابنتي لكن كي يحدث الطلاق لا بد من أن يوثق الزواج، فجرت مفاوضات فترة طويلة مع أسرته حتى أجبروه على توثيق الزواج ومن ثم تطليقها".

يشار إلى أن الطفل عمره الآن ثلاث سنوات، والأم 19 سنة، والأب لا ينفق على الطفل، ومن ثم أصبح المولود الجديد عبئاً إضافياً على أسرتها المحدودة الدخل.

ماذا فعلت مصر لمواجهة زواج القاصرات؟

على مدى أعوام بذلت مصر جهوداً عدة للحد من زواج القاصرات على مستويات كثيرة أبرزها تفعيل الإستراتيجية القومية لمناهضة الزواج المبكر التي ركزت على المناطق الجغرافية التي تنتشر فيها الظاهرة، وإطلاق برنامج توعوي للتنمية المجتمعية، والعمل على تحسين الأحوال المعيشية للأسر الفقيرة للقضاء على واحد من أهم الأسباب التي تدفع الأسر الفقيرة إلى تزويج بناتها في سن باكرة، وفي الوقت ذاته تفعيل دور خط نجدة الطفل الخاص بالإبلاغ عن المشكلات التي يتعرض لها الأطفال، ومن بينها الزواج الباكر، ونجاحه بالفعل في منع عدد من هذه الزيجات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما أطلقت وزارة التضامن الاجتماعي حملة تحت شعار "جوازها قبل 18 يضيع حقوقها" ضمن برنامج "وعي" للتنمية المجتمعية، واشترطت مبادرة "حياة كريمة" تعليم الأطفال للحصول على معاش الحماية الاجتماعية للأسر الفقيرة المعروف باسم برنامج "تكافل" الذي اشترط أن يكون أبناء الأسرة حتى سن 18 سنة مقيدين في مراحل التعليم المختلفة.

وفي السياق ذاته كان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قد وجه بسرعة اتخاذ إجراءات إصدار قانون منع الزواج الباكر، لينص صراحة على السن القانونية للزواج ويكون قانوناً مستقلاً يضمن حقوق الفتيات. ويوجد مشروع قانون يجري درسه حالياً ويجرم من يشارك في زواج القاصرات، تتراوح عقوبته بين الحبس والغرامة ويشمل المأذون أو الموثق.

وعلى المستوى الديني يلجأ بعضهم إلى الزواج المبكر من باب التدين والعفة، ولذلك فإن دار الإفتاء المصرية وصفت هذا النمط من الزواج بأنه "ضرر محض على المستوى الفردي والاجتماعي، ويفتقد أدنى معايير الكفاءة والكرامة الآدمية"، مشددة على "معاقبة فاعله وكل من سهله أو سعى إلى إتمامه".

كذلك لم تنفصل الكنيسة عن السياق، فأخرجت بتصريحات عدة انتقدت فيها زواج القاصرات وركزت على المعايير المهمة لبناء الأسرة، كما أن قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين المنتظر خروجه للنور قريباً يتضمن بنداً ينص على أن لا يقل سن المقبل على الزواج عن 18 سنة، باعتبار أن هذا من شأنه الحفاظ على سلامة الأسرة والمجتمع.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات