الربح والخسارة بين جنوب الليطاني وشماله

اتفاق وقف إطلاق النار الذي وافق عليه كل من لبنان وإسرائيل بعد 14 شهراً من الحرب، ينص على انسحاب عناصر "حزب الله" وجميع المسلحين إلى شمال نهر الليطاني تزامناً مع انتشار الجيش اللبناني جنوب النهر. حتى إن خريطة تداولتها وسائل إعلام إسرائيلية تشير إلى أن الاتفاق ينص على انسحاب الحزب إلى وراء خط حديث يحمل تسمية "الخط الجديد 2024"، وهو خط مطابق في معظمه لنهر الليطاني لكن يتجاوزه شمالاً في جزء صغير في القطاع الأوسط جنوب لبنان.

لماذا تريد إسرائيل انسحاب "حزب الله" إلى وراء الليطاني تحديداً، وماذا يكسبها ذلك عسكرياً وأمنياً؟ وهل يحقق هذا الانسحاب الأمن لسكان المستوطنات الشمالية؟

يشرح المتخصص في الشؤون الأمنية والعسكرية العميد فادي داوود أن نهر الليطاني يجري في جنوب لبنان من الشرق إلى الغرب ويقسم هذه البقعة إلى قسمين، جنوب النهر وشماله. ويضيف أن جنوب الليطاني "يتوزع على قطاعات ثلاثة: القطاع الشرقي وفيه أدنى مسافة من إسرائيل أي ستة كيلومترات، والقطاع الأوسط وفيه أقصى مسافة من إسرائيل وهي 28 كيلومتراً، والقطاع الغربي وفيه الجزء الساحلي".

إذاً ما الذي تخشاه إسرائيل وماذا سيخسر "حزب الله" من إخلاء منطقة جنوب الليطاني؟

يوضح داوود أنه في جنوب نهر الليطاني، "أقام ’حزب الله‘ منشآت قتالية مثل الأنفاق، وجهز الأرض للقتال ضد إسرائيل عبر تحضير مكامن وبقع قتل وإقامة منشآت دفاعية ومخازن صواريخ وأسلحة". ونظراً إلى قرب منطقة جنوب الليطاني وملاصقتها الحدود الإسرائيلية، "فإن إسرائيل تخشى من تكرار سيناريو شبيه بسيناريو السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023" في غزة، حين هاجم مسلحو حركة "حماس" الإسرائيليين داخل المستوطنات مما أسفر عن مقتل وجرح الآلاف وأسر العشرات، مما دفع إسرائيل إلى الرد بشن الحرب الدموية على القطاع. كما تخشى إسرائيل "من أنفاق ’حزب الله‘ القتالية ومن تمدد هذه الأنفاق نحو الجليل والداخل الإسرائيلي. وتخشى أيضاً من عمليات إطلاق المقذوفات على أنواعها مباشرة وغير مباشرة، وبخاصة المقذوفات ذات المدى القريب والمتوسط".

ومن شأن مغادرة "حزب الله" منطقة جنوب الليطاني أن "تخلق منطقة عازلة على الحدود الإسرائيلية" حسب داوود، أي إنشاء منطقة "خالية من الأعمال العدائية ضد إسرائيل، وستكون هذه المنطقة تحت مراقبة تل أبيب الجوية والبحرية بحكم الأمر الواقع، وستؤمن لها هامشاً آمناً من الأنفاق". تزامناً، ستحرم هذه المنطقة العازلة "حزب الله" من استخدام الأسلحة المباشرة ضد إسرائيل كصواريخ الكورنيت، وفق المتخصص العسكري. ويرى داوود أن "النقطة الأهم هي أن خلو هذه المنطقة من المقاتلين يجعلها منطقة ساقطة عسكرياً حتى لو عاد المقاتلون إليها في فترة من الفترات، إذ ستكون خالية من المنشآت القتالية ومن ثم فلن يكون لديها القدرة على الصمود والقتال". أما من ناحية الجو والبحر فتتمتع إسرائيل بالتفوق في هذا المجال وهي "اللاعب الوحيد" في هذه البقعة كما في غيرها.

ويرى داوود أن من أهم المسائل في إنشاء هذه المنطقة العازلة هي تعزيز قدرة نظام القبة الحديدية الدفاعي في إسرائيل، إذ إن "الترسانة الصاروخية التي أربكت وخرقت القبة الحديدية هي تلك التي أطلقت من مسافات قريبة أي من قطاع جنوب الليطاني، فالمقذوف الذي يطلق من مسافة قريبة لا يمكن للقبة الحديدية اعتراضه أو تعترضه بصعوبة كبيرة".

وأخيراً، يلفت داوود إلى عاملين أساسيين سيؤثران في نجاح اتفاق وقف إطلاق النار وتحقيق أهدافه، "الأول هو العمق الأيديولوجي لـ’حزب الله‘ المعادي لإسرائيل والداعي إلى زوالها مما يعني أنه سيستمر في قتال إسرائيل بكل وسائله المتوافرة، والعامل الثاني هو تأثير الراعي الإقليمي ومصالحه القومية في الإقليم"، في إشارة إلى إيران.

ويقول الخبير العسكري إن إبعاد "حزب الله" عن جنوب الليطاني يجعل البقعة الجغرافية المؤلفة من جنوب هذا النهر ومن هضبة الجولان ومن شمال إسرائيل "منطقة جغرافية واقعة تحت التأثير الكلي لإسرائيل" بفضل تفوقها الجوي والسيبراني والميداني والبحري. وعلى المستوى الاستراتيجي، فإن "وضع حماس بما آلت إليه في الداخل الفلسطيني إضافة إلى إبعاد حزب الله من جنوب الليطاني يكسر التماس القائم بين إيران عبر أذرعها من جهة وإسرائيل من جهة أخرى".

Listen to "مكاسب إسرائيل من إنشاء منطقة عازلة جنوب الليطاني" on Spreaker.