ملخص
يرى محللون أن تطبيق هذه الإستراتيجية قد يشمل تضييقات على الأميركيين المسلمين، وكل الأصوات الأميركية المنادية بالعدالة والسلام على اختلاف معتقداتهم وأديانهم، بمن فيهم اليهود الأميركيون، خصوصاً أن مؤسسة التراث التي بادرت لوضع مشروع "إستر" هي ذاتها من طورت بمساعدة سياسيين وباحثين محافظين.
ما إن بدأت عودة الطلاب الأميركيين إلى جامعاتهم، في سبتمبر (أيلول) الماضي، حين يكتمل بدء الفصل الدراسي الجديد في مختلف الولايات، حتى عادت التظاهرات المؤيدة للقضية الفلسطينية إلى بعض الجامعات، إلا أن القيود الجديدة التي أدخلتها جامعات عدة حيز التنفيذ لتجنب ما شهده أكثر من حرم جامعي أميركي من تظاهرات واعتصامات وبعض أعمال العنف في فصل الربيع الماضي أتت أُكلها. ومع اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني الذي يوافق الـ 29 من نوفمبر (تشرين الثاني) شددت الكليات والجامعات الأميركية على قواعدها المتعلقة بالاحتجاجات، وأغلقت بوابات الأحرام الجامعية، وفرضت عقوبات أكثر صرامة على الطلاب، إذ اعتُقل مئات المشاركين في الاحتجاجات، وواجه بعضهم تهديدات بالفصل من الجامعة، بعدما وجهت إليهم تهم جنائية تتعلق بإعاقة العملية التعليمية، وتدمير ممتلكات عامة. وشهدت العاصمة الأميركية واشنطن في الرابع من نوفمبر الماضي أكبر تظاهرة داعمة لفلسطين في تاريخ الولايات المتحدة، وتظاهر فيها نحو 300 ألف شخص.
معايير دولية
ووفقاً لسجلات مختبر العمل اللاعنفي في مركز "آش"، بجامعة "هارفارد"، اعتُقل نحو 50 شخصاً حتى الآن خلال الاحتجاجات في أحرام الجامعات، مقارنة مع أكثر من ثلاثة آلاف في الفصل الدراسي الماضي. وبحسب الأرقام التي جمعتها صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، فإن الجامعات شهدت ما يقارب 950 حدثاً احتجاجياً خلال الفصل الدراسي الجاري حتى الآن، مقارنة بثلاثة آلاف في الفصل الدراسي الماضي. وقالت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالحق في حرية التجمع وتكوين الجمعيات، جينا روميرو إن "الجامعات يجب أن تتخذ خطوات فورية لحماية الحق في الاحتجاج السلمي في الأحرام الجامعية في سياق التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني". ودعت في بيان المؤسسات الأكاديمية إلى التوقف فوراً عن الوصم والأعمال العدائية التي تُسكت أعضاء المجتمع الأكاديمي وتثبط ممارسة حقوقهم، وتسهيل وحماية التجمعات السلمية بصورة نشطة بما في ذلك من خلال إعطاء الأولوية للمفاوضات والوساطة عند الضرورة، والامتناع عن استدعاء هيئات تنفيذ القانون لتفريق الاحتجاجات السلمية. وحثت روميرو تلك المؤسسات على الامتناع عن وقف أي مراقبة أو انتقام ضد الطلاب والموظفين للتعبير عن آرائهم أو المشاركة في التجمعات السلمية، وضمان إجراء تحقيق شفاف ومستقل في انتهاكات حقوق الإنسان التي وقعت في سياق المخيمات والتجمعات السلمية الأخرى، وإلغاء العقوبات المتعلقة بممارسة الحريات الأساسية، وتوفير سبل انتصاف فعالة وكاملة للطلاب والموظفين المتضررين، وضمان أن تكون أنظمتها متوافقة مع المعايير الدولية.
معاداة السامية
ومع استمرار ضغوط الكونغرس ووزارة التعليم الأميركية، إضافة إلى الدعاوى القضائية التي رفعها كثير من الطلاب والمنظمات اليهودية ضد ما يعدونه "بيئة معادية للطلاب اليهود"، بادرت مؤسسة التراث الأميركية (The Heritage Foundation) إلى إنتاج مشروع جديد يهدف إلى مكافحة "معاداة السامية" في الولايات المتحدة من خلال إرساء معيار جديد في المؤسسات الأكاديمية والجامعات والمدارس الثانوية، يشمل تقييد التمويل وفرض عقوبات قانونية وتجميد أصول المؤسسات التي تدعم قضايا التحرر. ويركز مباشرة على تكريس فكر نقدي لسياسات إسرائيل والولايات المتحدة، يعتمد على إستراتيجية ربط حركة التضامن مع فلسطين والمنظمات داخلها بحركة "حماس"، التي عُرفت أمام الجمهور الأميركي بأنها ليست سوى منظمة إرهابية، والحد من قدرة المنظمات الداعمة للحقوق الفلسطينية ومنع نشاطاتها بتصويرها على أنها داعمة لإرهاب "حماس"، وهذا من شأنه وفقاً لعدد من التحليلات حرمان تلك المؤسسات من جمع الأموال أو إتمام تعاملات تجارية أو قانونية خاصة بمجال نشاطها. ووفق تقرير لشبكة "سي أن أن" فقد هدد متبرعون لجامعة هارفارد وجامعة بنسلفانيا بقطع علاقاتهم بالجامعات رداً على انتشار الخطاب المعادي لإسرائيل، والمعادي للسامية في الأحرام الجامعية، حسب وصفهم، وخسرت هذه الجامعات بالفعل ممولين عدة. ويقترح المشروع جدولاً زمنياً لا يتجاوز الـ 100 يوم لتفكيك الحكومة الفيدرالية وإعادة بنائها بحسب توجهات اليمين المتطرف. أما بالنسبة إلى ملحق مشروع "إستر" فإنه يتوقع "القضاء على المشاعر المعادية لإسرائيل" في الولايات المتحدة في غضون 12 إلى 24 شهراً فقط.
وتساوي وثيقة مشروع "إستر" التي نُشرت في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي الحركة المتنامية لدعم الحقوق الفلسطينية بصعود العناصر الموالية للنازية في الولايات المتحدة قبل الحرب العالمية الثانية. وبحسب ما ذكرته مجلة "كاونتر بانش" فإن مؤسسة التراث أعلنت نيتها تحويل "مشروع إستر" إلى سياسة حكومية تحت إدارة ترمب الثانية، الذي تأمل أن يقدم "فرصة للشراكة بين القطاعين العام والخاص". في حين ذكرت المنظمة المعنية بمراقبة تغطية وسائل الإعلام الغربية ZETEO أن المشروع يصور ملايين الأميركيين الذين يُعارضون الحرب الإسرائيلية على غزة ودعم الولايات المتحدة لها، على أنهم "انتهازيون، ومموَّلون من الخارج، وغير وطنيين". وبحسب محللين، فإن تطبيق هذه الإستراتيجية قد يشمل تضييقات على الأميركيين المسلمين، وكل الأصوات الأميركية المنادية بالعدالة والسلام على اختلاف معتقداتهم وأديانهم، بمن فيهم اليهود الأميركيون، خصوصاً أن مؤسسة التراث، التي بادرت لوضع مشروع "إستر"، هي ذاتها من طورت بمساعدة سياسيين وباحثين محافظين، بينهم 140 عضواً من إدارة ترمب السابقة، "مشروع 2025" الذي يطرح مجموعة من مقترحات الانتقال السياسي لعام 2025 بقيادة ترمب، ويقع في مجلد من 920 صفحة، ويهدف إلى تركيز جميع السلطات في أيدي البيت الأبيض.
تخوفات حقيقية
وفي وقت أعرب فيه الكاتب ميتشل بليتنيك عن خطورة المشروع وما يحمله في طياته من برامج ومخططات هدفها الأساس تدمير حركة التضامن مع فلسطين داخل الولايات المتحدة، من منظور أوسع يساوي بين معاداة الصهيونية وانتقاد إسرائيل ومعاداة السامية، قال الطبيب النفسي وعالم الأعصاب الإسرائيلي الأميركي، يوآف ليتفين، إن "المشروع يتلاعب بالرأي العام لإقناعهم بأن التضامن مع الفلسطينيين، حتى عندما يعبر عنه اليهود أنفسهم، يمثل معاداة للسامية". وبحسب أقوال المديرة التنفيذية لمنظمة "صوت اليهود من أجل السلام" ستيفاني فوكس فإن مشروع "إستر" يحاول استغلال المجتمع اليهودي الأميركي لتعزيز أجندة اليمين المتطرف القمعية وفرض قيود غير مسبوقة على حرية التعبير داخل الجامعات والمؤسسات العامة، ومعاقبتها لانتقادها السياسات الإسرائيلية.
وأكد موقع "فورورد" اليهودي أن هدف المشروع يقتصر على المنظمات المؤيدة للفلسطينيين، التي تتهم بأنها ليست "معادية لإسرائيل" وحسب، بل "معادية للسامية ومعادية لأميركا". وأضاف أن مشروع "إستر" يزعم أن أي منظمة تعمل ضد الرأسمالية تتحالف أيضاً مع "أعداء أميركا في الخارج" ويجب أن تفكك تحت ستار مكافحة "التهديدات التي تواجه السلامة اليهودية". من جهتها، قالت منظمة "رابطة مكافحة التشهير"، إحدى أهم المنظمات اليهودية - الأميركية المؤيدة لإسرائيل، إن الطلاب اليهود ينبغي أن يشعروا بالأمان والدعم في الحرم الجامعي، بعيداً من الخطاب المعادي للسامية، وأطلقت حملة لتمكين الطلاب وأولياء الأمور والخريجين من الدعوة إلى التغيير، وتحديد الإجراءات التي يمكن للمدارس اتخاذها لتنفيذ معايير السلامة.
في المقابل، تحدث عدد من الطلاب عن مخاوفهم مما قد يتعرضون له حال مشاركتهم حالياً في أنشطة أو فعاليات احتجاجية داخل أحرام الجامعات، بعد سلسة قيود وإجراءات مشددة فرضتها بعض الجامعات لمنع تكرار مشاهد واحتجاجات الربيع الماضي. وذكر آخرون أن حظر ارتداء الأقنعة، التي لجأ الطلاب المحتجون إليها كوسيلة لإخفاء هوياتهم، سيحد من قدرتهم على المشاركة الفعالة في أي احتجاجات جديدة. ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن بعض الأساتذة والطلاب قولهم إنهم بالفعل "يواجهون مرة أخرى قمعاً غير مناسب للتعبير عن آرائهم". وبحسب ما نقله تقرير صحيفة "ذا هيل" عن المدير القانوني لمجلس العلاقات الأميركية - الإسلامية في كاليفورنيا، عمرو شبايك، فإن "هناك قلقاً من أن تكثف إدارة ترمب وتتخذ مزيداً من الحملات القمعية غير القانونية وغير الدستورية المتطرفة ضد الطلاب المحتجين الذين يتحدثون ضد دعم الولايات المتحدة للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
جيل Z
ومع تزايد قلق الطلاب في شأن حرية التعبير للمدافعين عن القضية الفلسطينية وطرح ترمب مراراً وتكراراً الترحيل كأداة عقابية، والتهديد بسحب التأشيرات من الطلاب الدوليين، تظهر استطلاعات للرأي أن الجيل "زد" (Z) أو ما يعرف بجيل الألفية، أكثر تشككاً إزاء السياسة الإسرائيلية نحو الفلسطينيين بما يفوق الأجيال الأكبر عمراً.
وبين استطلاع أجرته وكالة "رويترز" بالتعاون مع مؤسسة "إبسوس"، أواخر أكتوبر الماضي أن 34 في المئة من الأميركيين الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و39 سنة يعتقدون أن "حماس" هي سبب الحرب، بينما تصل النسبة إلى 58 في المئة لدى الذين تزيد أعمارهم على 40 سنة.
كما أظهرت نتائج استطلاع آخر للرأي أجرته وكالة "أسوشيتد برس" بالتعاون مع مركز "NORC" للدراسات، ارتفاع نسبة الأميركيين المؤيدين لقيام دولة فلسطينية مستقلة من 20 إلى 30 في المئة. ويقول موقع "ذا نيشين" الأميركي إن هناك نسبة متزايدة من الأميركيين الشباب تتعاطف مع الفلسطينيين، لأنهم يرون تشابهاً بين حركة العدالة الأميركية مثل "حياة السود مهمة" والفلسطينيين الذين يتعرضون للقمع الممنهج من قبل الحكومة الإسرائيلية. أما موقع "prospect" فيقول إن الأميركيين الذين تقل أعمارهم عن 35 سنة لا يعرفون إسرائيل إلا تحت حكم اليمين المتطرف، المصمم على حصر الفلسطينيين في بقع جغرافية أصغر من أي وقت مضى، وإجبارهم على الرحيل إلى دول أخرى، وجعل حياتهم لا تطاق. وفيما يؤكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة سان دييغو بولاية كاليفورنيا، جوناثان غراوبارت أن "هناك انفتاحاً كبيراً على انتقاد إسرائيل ومناهضة الصهيونية"، أوضح رئيس جمعية الاتصالات الراديوية الإسرائيلية، نائب رئيس نادي السفراء في إسرائيل، ديفيد بن بيست أن "المسيرات المفتوحة لدعم فلسطين في عشرات من الجامعات الأميركية التي بدأت هذا الخريف تحولت من الدعوة إلى التظاهرات، وإقامة معسكرات الاحتجاج، إلى التغاضي عن استخدام العنف، تمهيداً لخلق أزمة سياسية واجتماعية في المجتمع الأميركي، من خلال إغلاق المطارات والشوارع والجسور إن لم توقف الحرب على غزة". وأضاف أن "ما يثير المخاوف الإسرائيلية هو أن من سيقود هذه التظاهرات اليوم سيصبحون في غضون جيل أو جيلين من القادة الأميركيين، ويهدفون للوصول إلى مجلسي النواب والشيوخ، وهذا الخوف الإسرائيلي ليس نظرياً، بل عملياً وحقيقياً".
موجة جديدة
وتبنت جامعة "كولومبيا" في مدينة نيويورك الأميركية، التي سرعان ما انتقلت شعلتها إلى مئات الجامعات في مختلف أنحاء العالم، لتشكل موجة من التضامن الطلابي غير المسبوقة، نظاماً جديداً يقيد وصول غير الطلاب والضيوف إلى الأحرام الجامعية، وخفضت عدد مداخلها ومخارجها، مع عدم السماح لمن لا يحمل بطاقة طلاب الجامعة بالدخول إليها.
وفرضت جامعة "جنوب فلوريدا" سياسة الحصول على موافقة سابقة لجميع الأنشطة المخطط لها، التي تتضمن رفع لافتات أو تعليقها أو نصب خيم أو استخدام مكبرات الصوت.
من جانبها، حظرت جامعة "كاليفورنيا" استخدام الأقنعة لإخفاء الهوية، وحظرت سد الممرات ومنع دخول مباني الجامعة، كما حظرت أي نوع من مخيمات الاعتصام، في حين علقت جامعة "جورج واشنطن" أنشطة مجموعتي "طلاب من أجل العدالة في فلسطين" و"الصوت اليهودي من أجل السلام"، وهما من أهم المنظمات الطلابية المؤيدة للفلسطينيين. وقال عدد من طلاب جامعة "جورج واشنطن" عبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، إنهم يخططون للانطلاق بسرعة إلى بث الحماسة في موجة جديدة من الاحتجاجات ضد الدعم الأميركي لإسرائيل في حربها على قطاع غزة.
التغييرات
وعلى رغم أن الأمور لم تتضح بعد في شأن ما قد يحدث، فإن المسؤولين وأعضاء هيئة التدريس قالوا إن الحكومة الفيدرالية تحت قيادة ترمب قد تحاول فرض مزيد من التغييرات على المؤسسات الأكاديمية. وتناقلت وسائل أميركية تعيين ترمب، حاكمة ولاية داكوتا الجنوبية كريستي نويم، التي سبق أن قدمت مشروع قانون لمواجهة انتقاد إسرائيل بدعوى "ضمان أمن شعب الله المختار"، وزيرة للأمن الداخلي، في إشارة أخرى إلى أن ولاية ترمب الثانية ستشهد لا محالة، وفقاً لكثر، حملة جديدة لقمع الاحتجاجات التي تنتقد إسرائيل.
ويرى محللون أن القواعد الأكثر صرامة في الأحرام الجامعية التي حدت من الاحتجاجات وقيدت الحرية الأكاديمية وحرية التعبير بصورة صارمة للغاية قد تتسبب في رد فعل عنيف يزيد من دعم الطلاب للمحتجين، على غرار ما حدث في الفصل الدراسي الماضي.