ملخص
بينما يجمع مراقبون على أن إشارات التقارب المتبادلة بين طهران والقاهرة توحي بالتوصل إلى تفاهمات بين الجانبين حول المسائل الخلافية في العلاقات الثنائية، وأبرزها تباين الرؤى من بعض القضايا والأزمات الإقليمية، ولكن هذا التقارب يظل مدفوعاً بتطورات المشهد الإقليمي ومعلقاً على مآلات التصعيد الراهن، وكذلك مشروطاً بسلوك إيران وتوجهاتها وتدخلاتها في المنطقة، بخاصة في الدوائر اللصيقة بالأمن القومي المصري، وعلى رأسها أمن البحر الأحمر والخليج العربي المؤثرين في الملاحة بقناة السويس.
أثارت زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى مصر تساؤلات حول مستقبل العلاقات بين القاهرة وطهران وما إذا كانت الدولتان تعتزمان استئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة رسمياً بعد ما يزيد على أربعة عقود من القطيعة الدبلوماسية والتوتر الكامن بين القوتين الكبريين المتنافستين في منطقة الشرق الأوسط.
وبينما يجمع مراقبون على أن إشارات التقارب المتبادلة بين طهران والقاهرة توحي بالتوصل إلى تفاهمات بين الجانبين حول المسائل الخلافية في العلاقات الثنائية، وأبرزها تباين الرؤى من بعض القضايا والأزمات الإقليمية، ولكن هذا التقارب يظل مدفوعاً بتطورات المشهد الإقليمي ومعلقاً على مآلات التصعيد الراهن، وكذلك مشروطاً بسلوك إيران وتوجهاتها وتدخلاتها في المنطقة، بخاصة في الدوائر اللصيقة بالأمن القومي المصري، وعلى رأسها أمن البحر الأحمر والخليج العربي المؤثرين في الملاحة بقناة السويس.
بزشكيان في القاهرة
في زيارة هي الأولى من نوعها لرئيس إيراني لمصر منذ نحو 11 عاماً، وعلى رغم أنها ليست زيارة ثنائية بين البلدين، إذ أتت ضمن مشاركة إيران في قمة مجموعة الدول الإسلامية الثماني النامية للتعاون الإقتصادي "دي-8"، فإنها أثارت اهتماماً بالغاً من المتابعين وردود فعل متباينة من جمهور وسائل التواصل الاجتماعي، بخاصة مع انتشار صور من الزيارات الخاصة للوفد الإيراني لبعض المواقع التاريخية والسياحية والدينية في القاهرة مثل قلعة محمد علي باشا ومسجد السيدة زينب في القاهرة التاريخية، على حساب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي على منصة "إكس".
وبينما ينظر بعضهم إلى الزيارة كخطوة كبيرة في استئناف العلاقات بين البلدين، يذكر الباحث في العلاقات الدولية مصطفى إبراهيم أنه لا بد من مراعاة عدم التهويل أو التهوين في ما يتعلق بزيارة بزشكيان التي تُعدّ الأولى من نوعها لرئيس إيراني إلى مصر منذ فبراير (شباط) عام 2013، عندما وصل محمود أحمدي نجاد إلى القاهرة في أول زيارة رسمية بهذا المستوى منذ اندلاع الثورة الايرانية عام 1979.
وفي ما يتعلق بالتهويل من شأن الزيارة فيجب أن ندرك أنها زيارة في إطار تجمع دولي ذي خصائص مشتركة وهو مجموعة دول الثماني النامية الإسلامية التي ترجع نشأتها إلى عام 1997 في تركيا، وليست زيارة ثنائية خاصة بعلاقات الدولتين وإن التقى الرئيسان المصري والإيراني على هامش القمة، في الوقت نفسه، يجب أن لا نهون من شأن زيارة بزشكيان لأنها تأتي في إطار مجموعة من اللقاءات والزيارات بين كل من القاهرة وطهران خلال العام الحالي تحديداً، وفق ما ذكر المتحدث.
والتقى وزير الخارجية المصري السابق سامح شكري نظيره الإيراني الراحل أمير عبداللهيان في فبراير (شباط) الماضي في جنيف، وفي يوليو (تموز) الماضي حضر وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي حفل تنصيب بزشكيان في طهران، كما التقى عباس عراقجي في القاهرة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي من أجل تخفيف التوترات في المنطقة.
ووفقاً للباحث مصطفى إبراهيم "إذا وضعنا هذه الزيارات في السياق الإقليمي، فهي تتضمن ما يمكن أن يدفع العلاقات المصرية والإيرانية قدماً مثل التقارب السعودي- الإيراني، والتطورات الأخيرة في الساحة السورية وضعف دبلوماسية الوكالة الإيرانية في المنطقة ورغبة الجانبين في ضمان أمن واستقرار المنطقة، فضلاً عن أهمية التنسيق الجيوستراتيجي ضمن الشرق الأوسط.
في المقابل، ما زال السياقان الإقليمي والدولي يضعان بعض العقبات أمام تطوير العلاقات بين القاهرة وطهران مثل العقوبات الأميركية وموقف إدارة ترمب من طهران والموقف الخليجي من تغير السلوك السياسي في المنطقة، إضافة إلى عدم تغيير النهج الاستراتيجي للسياسة الخارجية لإيران والمنصوص عليها بالدستور الإيراني والمتمثلة في تصدير الثورة وأنها راعية للمسلمين الشيعة في العالم الإسلامي".
ويرى متخصص العلاقات الدولية في جامعة آزاد طهران یاسر إرشادمنش أن تقارب العلاقات الدبلوماسية بين إيران ومصر مهماً جداً بالنسبة لإيران نظراً إلى رؤیة طهران بعد حكم الشاه محمد رضا بهلوي بالنظرية الإسلامية للأمة الإسلامية الواحدة والنظرية الأكاديمية البنائية في العلاقات الدولية، كما يظهر تعزيز العلاقات الدبلوماسية تزاید الثقة المتبادلة والتعاون في القضايا الإقليمية بین البلدین مثل الأزمات الراهنة في سوريا واليمن وفلسطين ومكافحة الإرهاب، و"يمكن أن يؤدي استمرار وجدیة الحوار إلى استعادة العلاقات الدبلوماسية بصورة كاملة وتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين".
ويستطرد إرشادمنش متحدثاً عن العائق أمام التقارب بين القاهرة وطهران ويقول إن "هناك عقبات في هذا الطريق، وهما أميركا وإسرائيل، والمسؤولون الإيرانيون يقولون إننا نستطيع إقامة العلاقات مع كل العالم باستثناء إسرائيل، وبالنسبة إلى إيران، فإن المعيار ليس هو الدولة القريبة من إسرائيل وأميركا، فعلى سبيل المثال، تتمتع تركيا بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة أو حتى وقعت اتفاقاً مهماً مع إسرائيل عام 1996".
وتابع أنه "في خضم كل هذه الأحداث والتعليقات القاسية أحياناً من المسؤولين الأتراك ضد إسرائيل، يظل ذلك الاتفاق ساري المفعول، لكن إيران لديها موقف مختلف، إيران لدیها علاقة وثیقة مع تركيا، والمعيار بالنسبة إلى إيران هو ما إذا كانت الدول المختلفة مستعدة لإقامة علاقات معنا أو لا، وما إذا كان من الممكن أن تكون مفيدة أو لا، ومصر ليست استثناء من هذه القاعدة، لكن أميركا وإسرائيل هما العائقان الرئيسان أمام استئناف العلاقات الإيرانية- المصرية."
وأردف الأكاديمي الإيراني أنه "مع إعلان إنشاء إسرائيل عام 1948 وامتلاكها عدداً كبيراً من القنابل الذرية، وهي ليست عضواً في معاهدة حظر الانتشار النووي، تغير ميزان القوى في المنطقة، وكان میزان القوی يميل لمصلحة إسرائيل في المنطقة، وبسبب الأزمة الداخلية والضعف في الكيان وضغط ’حماس‘ و’حزب الله‘ وإيران علیه، کان من الممكن بمساعدة دول أخرى مثل مصر وتركيا ودول الخليج، أن تطهر منطقة غرب آسيا من شرور إسرائيل".
وأردف أنه "في ظل الإدارة الأميركية الجديدة، من المحتمل ألا يسمح ترمب بعلاقات جيدة وجدية في ظل انفتاح البيئة الدبلوماسية بين البلدين، وهناك أيضاً بعض سوء التفاهم لكنه ليس كبيراً بين البلدين، مثل أسماء الشوارع، وإذا تحسنت العلاقات، فقد تستفيد مصر من الخبرات الصحية الإيرانية ونجاحاتها في مجال التكنولوجيا الدفاعية بصورة مذهلة، مما قد لا يوافق عليه الكيان الصهيوني".
وفي ما يتعلق بدوافع التقارب بين البلدين، يقول رئيس وحدة الدراسات في المركز العربي للبحوث والدراسات مصطفى صلاح إن أوضاع عدم الاستقرار التي تشهدها المنطقة تعيد رسم خريطة التفاعلات بين الدول ولعل ما تشهده إيران وسياساتها الخارجية من أزمات يدفعها نحو تحقيق نوع من الترتيبات الإقليمية الجماعية بما يحافظ على مصالحها ولكن التقارب المصري- الإيراني القائم على الضرورة لا يعني بأي حال من الأحوال التوافق الاستراتيجي بين إيران ومصر وإن كان يؤشر إلى وجود مساحات من الحركة المشتركة تجاه بعض الملفات ولا يتعدى ذلك في أهميته الملفات الأخرى.
أما بالنسبة إلى القاهرة، "ففي تقديري أنها تسعى إلى إيجاد مسار بديل يتجاوز حال الاندفاع نحو التصعيد وتنامي الخلافات، مما تحاول تمريره على مختلف الأطراف حتى لا تتأثر هذه التحركات وتحصينها ضد الهزات الإقليمية والدولية، ويمكن القول إن عملية التقارب بين البلدين جاءت بصورة أولية كنتيجة لما تشهده المنطقة من تطورات ومدفوعة بالرغبة في إيجاد تفاهمات إقليمية قبل أن تكون ثنائية حول مستقبل علاقاتهما".
وأشار صلاح إلى أن التقارب بدأ بفعل التأثير الإقليمي والدولي للأحداث المتسارعة وقد ينتهي بتقارب على المستوى الثنائي والعكس صحيح، يضاف إلى ذلك فإن تقارب مصر وإيران قد يؤشر إلى وجود نية إيرانية للتعامل مع الأوضاع الجديدة التي تشهدها المنطقة بصورة أكثر تعاونية وإيجابية وأن هناك دائماً مساراً آخر غير التصعيد يمكن أن يقوم بدور مهم في تسوية الأزمات، مما ستختبره تطورات الأوضاع وأساليب التعامل. فالفرص التي أوجدت هذا التقارب هي نفسها التي قد تؤدي إلى تراجعه، فالتقارب وإن كان بإرادة مصر وإيران، فاستمراره يتوقف على متغيرات أخرى خارج نطاق هذه الإرادة".
كوابح التقارب
و"لعل هذا التقارب سيظل مشروطاً بمدى قدرة إيران على تغيير توجهاتها التي تعارضها القاهرة، ولا يمكن هنا إغفال دور العوامل الإقليمية والدولية المؤثرة التي قد تنعكس سلباً على مسار تطور هذه العلاقات، والملفات الشائكة التي تتداخل فيها إيران ولم تحسم ستفرز قيوداً على اتجاهات تعامل السياسة الخارجية الإيرانية وبالتبعية ستتقاطع مع المخاوف والمحاذير المصرية من الدور الإيراني"، بحسب صلاح.
ويرى الباحث في الشؤون الإيرانية علي عاطف أن التطورات الإقليمية الراهنة ليست مواتية لاستكمال مسار التقارب الذي بدأ العامين الماضيين بين القاهرة وطهران، مشيراً إلى أنه قبل حدوث التحولات في منطقة الشرق الأوسط، كانت إيران تسعى بصورة واسعة إلى التقارب مع مختلف الدول العربية بما فيها مصر، ولكن منذ بدء التطورات والتحولات الكبرى المتسارعة في منطقة الشرق الأوسط منذ أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023 وما لحقها حتى الآن، فإن مسألة إحداث إيران تقارباً أو تطبيعاً للعلاقات مع الدول العربية بات معلقاً بفعل حجم تلك التطورات الإقليمية، كما أن إيران باتت تعاني أزمات أكثر من أي وقت ماضي سواء في الداخل أو في ما يتعلق بحضورها العسكري الإقليمي.
وقال عاطف إن التقارب تسعى إيران إليه حثيثاً منذ أعوام للخروج من عزلتها السياسية والانفتاح على دول المنطقة، فطهران تريد الانفتاح على الدول العربية من أجل التحرك خطوات نحو الأمام سياسياً، ومثل هذا التقارب مع دولة رشيدة بحجم مصر يمكن أن يروض السلوك الإيراني ويجعله أكثر دبلوماسية باتجاه تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى المستوى الإقليمي "يمكنهما تحقيق بعض المكاسب من عودة علاقاتهما الدبلوماسية، فتستطيع إيران كسر عزلتها السياسية عن طريق استعادة علاقاتها الدبلوماسية مع دولة بحجم مصر وثقلها، كما يمكن لمصر أيضاً أن تمتلك أوراق تحرك جديدة في بعض الملفات الإقليمية من خلال الحوار مع إيران مثل مسألة الأمن البحري في البحر الأحمر الذي تهدده ميليشيات الحوثيين المدعومة بالأساس من طهران، إلى جانب إمكان القيام بدور أكبر في تحقيق التهدئة في بعض ملفات الإقليم من خلال الحوار المباشر مع طهران"، وفقاً لعاطف.
وفي مقابل ذلك، يرى الباحث في الشأن الإيراني أحمد فاروق أن الإشارات المتبادلة إلى التقارب بين الجانبين قد تعززها أكثر السياقات الإقليمية مما تكبحها، "فإيران ومصر تجمعهما هواجس مشتركة، لا سيما في سوريا مثل سيطرة فصائل مسلحة من بينها تكفيرية على الحكم في دولة جوار مهمة مثل سوريا، فضلاً عن تفكك الدولة الوطنية هناك، إضافة إلى ظهور تركيا كلاعب يهدد مجالاتهما الحيوية، وحال السيولة القائمة ربما تدفع دول المنطقة إلى تشكيل تحالفات ربما لم يكُن يعتقد أحد خلال الفترة الأخيرة بتشكيلها".
وينظر فاروق إلى الانفتاح الحاصل الذي تأمل طهران في أن ينتهي برفع مستوى التمثيل الدبلوماسي إلى سفارة، ليس فقط مدفوعاً بتطورات إقليمية أخيراً، ولكنه ينتج من "سياسة خارجية جديدة تنتهجها طهران منذ الحكومة السابقة برئاسة إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان، وربما تزداد وتيرتها في ظل الأحداث السورية، فهذه المتغيرات الداخلية والخارجية الثابت منها والمتغير ربما تدفع البلدين إلى مزيد من التنسيق".
وأضاف أن "محاولات التقارب الإيراني- المصري خلال الفترة الأخيرة بدأها الجانب الإيراني من خلال سياسة حسن الجوار، وفي ظل توجيهات القائد الأعلى في إيران بتحسين العلاقات مع دول الجوار بصورة عامة كأحد مستهدفات إحباط وتحييد العقوبات الغربية على إيران، ووجدت طريقها في ظل الأزمات المتتالية التي حدثت في الإقليم وبما تفرضه من تقارب ضروري، إذ وخلال عملية ’طوفان الأقصى‘ زادت وتيرة التشاور بين الطرفين المصري والإيراني مدفوعة بالتطورات في غزة ولبنان ثم سوريا أخيراً".
ويتابع الباحث أن "عراقجي حاول خلال زيارته الأخيرة للقاهرة على هامش القمة تغيير الصورة الذهنية لإيران لدى الشعب المصري وهي في إطار محاولته للتواصل مع الجماهير إلى جانب التواصل مع النخبة، فهو يدفع الدبلوماسية العامة كإحدى أدوات تغيير الصورة النمطية السائدة عن إيران في المنطقة التي ازدادت وتيرتها لا سيما بعد أحداث ما بعد ’طوفان الأقصى‘".
ويضيف أن "المعوقات أمام تطوير العلاقات تبرز بصورة أساسية من مخاوف داخلية على الصعيد الثنائي في ظل مخاوف نشر إيران التشيع بالدرجة الأولى في مصر، فضلاً عن العلاقات الاستراتيجية بين الدول الخليجية ومصر التي ربما تخف حدتها ولو بعض الشيء في ظل الجهود الإيرانية لتحسين العلاقات مع دول الجوار الخليجية وعلى رأسها السعودية، إلى جانب المتغيّر الأميركي في العلاقات لكلا الطرفين مصر وإيران، لكن ربما يرى الطرفان أن هناك مكاسب تجارية واقتصادية تفيد في تطوير العلاقات بين البلدين وتبادل الخبرات بينهما، والتنسيق الأمني بينهما".
زيارة خاتمي لم تعد العلاقات
وتعيد زيارة بزشكيان لمصر إلى الأذهان أجواء زيارة خاتمي عام 2007 التي شهدت إعلانه رغبة طهران في إحراز البلدين خطوات تفضي إلى استئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين البلدين، وجاءت زيارة الرئيس الإيراني محمد خاتمي للقاهرة بصفته رئيس المركز الدولي لحوار الثقافات والحضارات، للمشاركة في المؤتمر الدولي السنوي للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الذي نظمته وزارة الأوقاف المصرية.
ويرى المحلل السياسي الإيراني سعيد شاوردي أن زيارة الرئيس الإيراني لمصر "مهمة ويمكن أن نلمس من خلال هذه الزيارة رغبة حقيقية لإيران في العمل على تمتين العلاقات مع مصر من خلال عودة العلاقات السياسية وانطلاقها مرة أخرى لإنهاء القطيعة التي تواجه العلاقات لأن الزيارات التي جرت في الماضي لمسؤولين إيرانيين أو اللقاءات التي حدثت بين مسؤولين إيرانيين ومصريين، أرادت من خلالها طهران أن تؤدي هذه الزيارات إلى عودة العلاقات بين البلدين، انطلاقاً من أول زيارة قام بها الرئيس الإيراني محمد خاتمي خلال عهد الرئيس السابق حسني مبارك منذ ما يزيد على 20 عاماً، ومنذ ذلك الحين هناك هذه الرغبة من قبل إيران في العمل على عودة العلاقات ولكن للأسف لم تعُد هذه العلاقات طوال هذه الفترة لأسباب كثيرة".
وقبيل زيارة خاتمي التقى مبارك في جنيف عام 2003، على هامش القمة العالمية لمجتمع المعلومات، وهو أول لقاء على هذا المستوى منذ لقاء السادات وشاه إيران في طهران عام 1977، ووصف مبارك حينها العلاقات مع إيران بأنها طبيعية، وحينما تقررت عودة العلاقات بين مصر وإيران، وضع متشددون في إيران صورة لخالد الإسلامبولي في طهران، مما جعل العلاقات تتدهور أكثر.
ويتابع شاوردي أن "السياق الآن مختلف عن أجواء زيارة خاتمي، وأعتقد اليوم بأن هناك حاجة ماسة لعودة العلاقات بين القاهرة وطهران لأنه لا يمكن أن نتصور استمرار انقطاع العلاقات بين بلدين مهمين في العالم الإسلامي والشرق الأوسط كإيران ومصر ولأن استمرار هذه القطيعة أدى إلى خسائر كبيرة في المجال الاقتصادي والمجالات الأخرى، ولذلك فإن الشعبين يودّان أن تعود تلك العلاقات وتصبح طبيعية، وكلا البلدين يمتلكان مقومات للتعاون، مثل العدد الكبير للسكان، 90 مليون نسمة في إيران وأكثر من 100 مليون في مصر، ولدى إيران الطاقة الوفيرة من مصادر الغاز والنفط، وأعتقد بأن مصر في حاجة إلى هذه الطاقة، وكلا البلدين يمكن أن يشكلان سوقاً كبيرة لصادرات الجانبين، وقناة السويس مهمة بالنسبة إلى الملاحة الإيرانية، والعلاقات سابقاً كانت قوية قبل القطيعة، وحدثت خلافات أدت إلى قطع العلاقات، ولكن هذه الخلافات أصبحت من الماضي، واليوم هناك ظروف جديدة تحتم على البلدين استئناف العلاقات، والرغبة موجودة لدى الطرفين، لكن هناك عوامل تمنع عودة العلاقات وأبرزها عدم رغبة الولايات المتحدة وإسرائيل في ذلك، وقد كان هناك فتور في العلاقات الإيرانية- العربية أدى إلى ذلك، لكن اليوم العلاقات عادت مع هذه الدول وأصبحت علاقات قوية، بخاصة بين السعودية وإيران، ولا يوجد سبب لكي تستمر القطيعة بين مصر وإيران، ويمكن إذا استعاد الجانبان علاقاتهما مواجهة كثير من التحديات المشتركة في المجالين الأمني والاقتصادي، بخاصة في ظل وجود قواسم مشتركة ثقافية بين الجانبين يمكن أن تسهم في بناء علاقات قوية ومتينة بعيدة من التدخل في الشؤون الداخلية لأي من الطرفين، وأن يتعلما العبر من أخطاء الماضي، وفي اعتقادي لأن الشعب الإيراني قبل الحكومة لديه رغبة في استئناف العلاقات مع مصر لزيارتها كوجهة سياحية وفتح المجال أمام التبادل السياحي من أجل تعرف الشعبين إلى تاريخ البلدين وحضارتهما القديمة".
مصالح مشتركة
ويعتقد المحلل السياسي الإيراني بأن العلاقات السياسية بين إيران ومصر كان بإمكانها أن تساعد على حلحلة كثير من الأزمات في المنطقة خلال الأعوام الماضية، "وخلال الـ40 عاماً الماضية، وإذا كانت هناك علاقات قوية بين دول المنطقة، بخاصة إيران ومصر كان يمكن منع كثير من الأزمات والحروب في المنطقة، وكان يمكن تجنبها أو تجاوزها، ومن بينها الأزمة في سوريا، وفي مكافحة الإرهاب، ولكن القطيعة أثرت سلباً في وقوع مثل هذه الأحداث، وهناك قضايا مهمة للتعاون مثل القضية الفلسطينية وغيرها من القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية في المنطقة، ويمكن الوصول إلى حلول لحلحلة الخلافات بين الجانبين وتفاهمات، والأرضية باتت اليوم معبدة أكثر من أي وقت مضى لمثل هذه العلاقات بين البلدين، ومصر يمكن أن تحتفظ بعلاقات قوية مع الغرب، وأن تكون لها علاقات مع إيران في الوقت نفسه، ومسألة معارضة هذه العلاقات أصبحت أضعف اليوم، وهناك خطر مشترك يهدد إيران ومصر ودول أخرى في المنطقة مثل الإرهاب والتكفير والعنف والتشدد لدى بعض الجماعات، ولدى مصر وإيران حلفاء في المنطقة، وهناك أمور مشتركة يمكن مواجهتها مثل أمن البحر الأحمر الذي أصبحت الملاحة عبره مهددة ومعرضة للخطر وأقل من السابق بسبب الحرب على غزة، من خلال العلاقة القوية بين إيران وحركة أنصار الله في اليمن، والعلاقة المباشرة لمصر مع الفصائل الفلسطينية وقطاع غزة يمكن الوصول إلى حلول لمعالجة هذه القضية، بما أن البحر الأحمر ممر حيوي ويجب أن يكون آمناً، وأي علاقات ودية بين القاهرة وطهران يمكن أن تعمل على تهدئة الأمور في غزة والبحر الأحمر وهذا يحقق مصالح الأطراف كافة".
ويستكمل شاوردي أنه "على أي حال هناك دائماً نظرة إيجابية لأي زيارة أو لقاء بين المسؤولين الإيرانيين والمصريين، وهناك تفاؤل في الإعلام حول الزيارة الأخيرة، وأن تكلل هذه اللقاءات بنجاحات واختراقات مهمة في جدار العلاقات الإيرانية- المصرية وأن تنتهي بعودة العلاقات، وألا تكون زيارات ولقاءات كما حدث في السابق من دون أن تحقق نتائج".
وكان مساعد الشؤون السياسية في مكتب الرئيس الإيراني مهدي سنائي قال من قبل "قريباً سنشهد إعادة فتح السفارتين الإيرانية والمصرية"، ونقلت عنه وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية تعقيبه تزامناً مع قمة الدول الثماني النامية في القاهرة، أن "إيران ومصر، وعلى رغم عدم وجود علاقات دبلوماسية بينهما لأكثر من أربعة عقود، قد شهدتا تحسناً في مستوى التفاعل خلال العام الماضي". وأوضح سنائي أن حواراً جيداً جرى في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بين رئيسي البلدين، وتم اتخاذ خطوات أولية وبدء محادثات سياسية بين الجانبين، مضيفاً أن "هناك إرادة متبادلة لدى البلدين لاستئناف العلاقات، ونأمل في أن تثمر الخطوات المتخذة عن إعادة فتح السفارتين في المستقبل القريب."