ملخص
تبحث "اندبندنت عربية" في أسباب هجوم القرش بمرسى علم المصرية، الذي أسفر عن مقتل سائح إيطالي وإصابة آخر، على رغم قرار حظر الصيد بشواطئ البحر الأحمر خمس سنوات، لكن المفاجأة كانت في استمرار عمليات الصيد الجائر من بعض الصيادين، فيما اعتبر مسؤولون أن الهجوم الأخير مرتبط بأسباب أخرى بعيدة كل البعد من الصيد الجائر، فما التفاصيل؟
شهدت شواطئ مرسى علم المصرية المطلة على البحر الأحمر قبل أيام حادثة مروعة، إذ قتل سائح إيطالي وأصيب آخر في هجوم سمكة قرش، مما أثار ردود فعل على منصات التواصل وأعاد للأذهان سلسلة من الوقائع المشابهة التي جرت أحداثها خلال السنوات الأخيرة.
وسادت حالة من الجدل الواسع بين المهتمين بالبيئة البحرية لتحديد السبب الحقيقي الذي دفع القرش للهجوم على السياح، بخاصة في ظل الترويج لقرارات اتخذتها وزارة البيئة ومحافظة البحر الأحمر لوقف "الممارسات الخاطئة للصيد بشواطئ البحر الأحمر"، ومنها حظر الصيد خمس سنوات تطبيقاً لقرار محافظ البحر الأحمر رقم 266 لعام 2024.
وعقب حوادث سابقة لأسماك القرش في البحر الأحمر، منعت المحافظة الصيد بهدف الحفاظ على المخزون السمكي بالبحر الأحمر، بدعوى أن القروش تخرج إلى الشواطئ نظراً إلى نضوب الأسماك التي تتغذى عليها، بسبب اصطيادها من الأهالي، على أن يعاقب المخالفون بإيقاف ترخيص أي مركب صيد يضبط شهرين ومصادرة المعدات، وفي حالة تكرار المخالفة إيقاف ستة أشهر والإحالة إلى النيابة.
وفي محاولة لفهم أسباب وقوع الحادثة على رغم قرار حظر الصيد، تواصلت "اندبندنت عربية" مع مسؤولين وخبراء في مجال البيئة البحرية، لكن الردود جاءت منقسمة وتنوعت الآراء بين من ربط الهجوم بسلوك إناث القروش خلال فترة الولادة، إذ تزداد عدوانيتهن، ومن أشار إلى بناء الفنادق على الشواطئ المحاذية للمياه العميقة السبب.
بينما أكد آخرون أن حظر الصيد "لن يكون كافياً" لوقف الصيد الجائر، مشيرين إلى أن نتائجه لن تظهر قبل خمس سنوات، بسبب تراجع المخزون السمكي. ومن جانبهم شدد صيادون على أن ظاهرة الصيد الجائر مستمرة من صيادين قادمين من مناطق أخرى، ولا يطبق الحظر على الجميع.
وبعد الحادثة مباشرة أعلنت رئيسة المعهد القومي لعلوم البحار والمصايد عبير منير، تكليف لجنة الأزمات والطوارئ برئاسة الدكتور حمدي عمر بالتوجه إلى موقع هجوم القرش في مرسى علم لإجراء مسح شامل وتحليل أسباب الواقعة.
سلوك طبيعي
وتواصلت "اندبندنت عربية" مع رئيس اللجنة حمدي عمر، الذي أكد أن الحادثة الأخيرة "لا ترتبط بالصيد الجائر"، مرجحاً أن تكون ناتجة من "سلوك طبيعي للقروش خلال فترة التكاثر"، موضحاً "تبحث الإناث من القروش في هذه الفترة عن مناطق مناسبة للولادة، وتفضل المياه التي يتراوح عمقها بين خمسة و20 متراً، وفي هذه البيئة تصبح القروش أكثر عدوانية وقد تهاجم البشر إذا شعرت بالتهديد".
وفقاً لما توصل إليه المسؤول في علوم البحار من معلومات حول الواقعة، فإن القرش من نوع "ماكو"، يعرف بسرعته التي تصل إلى 74 كيلومتراً في الساعة، ويتراوح طوله بين مترين وأربعة أمتار، ووزنه يصل إلى نصف طن، مؤكداً أن هذا النوع "ليس من القروش الشرسة عادة، إلا أنه قد يهاجم إذا جرى استفزازه".
وبحسب ما نشرته وسائل إعلام مصرية، أكد الإيطالي الناجي من الحادثة جوزيبي فاباني، أنه سمع استغاثة زميله وصراخه طلباً للمساعدة، فقرر محاولة إنقاذ الضحية، بينما كان يوجد بالقرب من الممشى البحري المواجه للقرية السياحية. وأوضح أن الضحية كان يسبح في المنطقة البحرية نفسها لمشاهدة سرب من الدلافين. وقال الناجي إنه فور وصوله بالقرب من مكان الضحية، هاجمه القرش وعضه في ساقه ويده، لكنه قاومه وتمكن من الإفلات منه بأعجوبة.
ويزيد طبيعة الهجوم من دعم فرضية عمر التي تنفي ارتباط الحادثة بنقص المخزون السمكي، إذ شدد المسؤول بعلوم البحار لـ"اندبندنت عربية" على أن هذا الربط غير دقيق، عازياً الأسباب إلى وقوع الحادثة في مياه عميقة، وهي بيئة طبيعية لوجود القروش، "السائح لم يلتهم بل تعرض لعضة قاتلة أصابت الوريد، مما أدى إلى نزف حاد ووفاة الضحية، بينما أصيب سائح آخر بجروح"، مؤكداً أن الهجوم "لم يكن بدافع الجوع".
مرة أخرى... الصيد الجائر السبب
وتابع "البحر الأحمر لا يزال غنياً بالأسماك، والتدخلات البشرية مثل الصيد الجائر وإلقاء الفضلات في المياه قد تؤثر في سلوك القروش، لكنها ليست السبب الوحيد وراء هذه الحوادث"، مشيراً إلى أن تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة ومستوى سطح البحر قد تؤثر أيضاً في سلوك القروش.
على الجانب الآخر من الصورة، يختلف مدير جمعية الحفاظ على البيئة "هيبكا" نور الدين محمد، مع الرأي السابق، إذ يرى أن الصيد الجائر "يسهم بصورة كبيرة في وقوع مثل هذه الحوادث"، مبدياً استغرابه من المطالبين بتأثير فوري لقرار حظر الصيد في البحر الأحمر، الذي لن يعيد المخزون السمكي على الفور، "بل يتطلب الأمر أكثر من خمس سنوات من المنع لاستعادة التوازن البيئي".
قرار الحظر اقتصر تطبيقه على نطاق المحافظة فقط، ولم يعمم على الصيادين من بقية المحافظات، وفق حديث نور الدين إلى "اندبندنت عربية"، والمراكب المقبلة من السويس، التي يشرف عليها هيئة الثروة السمكية "لا تجد من يمنعها من الصيد بشواطئ البحر الأحمر، مما يمثل صعوبة في تنفيذ القرارات بسبب تعدد الجهات المعنية، بالتالي تستمر المخالفات".
أسباب أخرى يمكن أن تكون وراء الحادثة، وفقاً لمدير هيبكا، تتضمن أن الحادثة وقعت في منطقة عميقة قرب الفندق، إذ جرى بناء عدد من الفنادق في مرسى علم في مواقع غير مناسبة تطل مباشرة على المياه العميقة، موضحاً أن من بين الأسباب المحتملة للهجوم "أسلوب التنمية العشوائي، من دون دراسات كافية"، مضيفاً أن السائحين خرجا من المنطقة المحمية بالعوامات، مما جعلهما في منطقة خطر بعيدة من الأمان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف أن الجمعية ترصد الأنشطة بشواطئ البحر الأحمر بواسطة غواصين ومراكب خاصة، "لكن لا يمكن السيطرة على هذه الحوادث بصورة كاملة"، مشيراً إلى تسجيل 24 حادثة في مصر، 17 منها في السنوات الـ10 الأخيرة، في ظل الصيد المكثف، سواء التجاري أم التقليدي، إضافة إلى الصيد الترفيهي واستخدام الهاربين (بنادق صيد)، وهو نوع من الصيد يتم باستخدام رمح معدني طويل مزود برأس حاد لصيد الأسماك والكائنات البحرية.
على إثر الواقعة، تقدمت النائبة سحر العشري بطلب إحاطة، أشارت فيه إلى أزمة تعوق تنشيط السياحة في مدن البحر الأحمر بسبب كثرة هجمات القروش، آخرها مصرع سائح وإصابة آخر قرب منتجع مرسى علم، مطالبة بدراسة المناطق الأكثر عرضة للهجمات وإغلاقها مع إصدار تعليمات مشددة بمنع السباحة فيها، متسائلة عن استعداد وزارة البيئة لموسم السياحة الشتوية على شواطئ البحر الأحمر.
ونشرت فنادق مرسى علم بالبحر الأحمر تحذيراً في أعقاب الحادثة تعتذر فيها لنزلائها، وتعلن وقف الأنشطة البحرية ثلاثة أيام لأسباب خارجة عن إرادتها، وذلك وفقاً لقرار اللواء عمرو حنفي محافظ البحر الأحمر.
وجذب هجوم القرش أصواتاً غير مختصة للحديث عن أسباب الواقعة، ومنها رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس الذي قال عبر حسابه الرسمي على منصة "إكس" إن أسباب الحادثة هو مراكب الصيد التجارية التي تلقي بمخلفاتها في البحر، مشدداً على أنه لا بد من منع الصيد التجاري في هذه المنطقة السياحية، معتبراً أن العائد من السياحة أهم من المراكب التي تدمر الشعب وتصطاد بلا حساب للأسماك الصغيرة الزريعة.
كما وجهت الإعلامية إنجي علي، عبر صفحتها على "إنستغرام"، استغاثة للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي للتدخل لإنقاذ البحر الأحمر من ممارسات الصيد التجاري الجائر التي عادت على رغم قرارات منع مراكب الشنشولة والتجريف شمال خليج السويس.
واتخذت وزارة البيئة المصرية إجراءات دراسة أخطر ثلاثة أنواع من أسماك القرش، وهي "التايجر شرك والقرش الأبيض وقرش ماكو، المسؤولة عن جميع الحوادث المسجلة بالبحر الأحمر خلال السنوات الأخيرة، طبقاً للإحصاءات المحلية والدولية لتحديد معامل الخطورة والإجراءات الاحترازية المطلوبة خلال هذه الفترة من العام.
كيف وقع الهجوم؟
من جهته يقول أحد صيادي البحر الأحمر أحمد عباس، الذي استخدم مركبه لصيد سمكة قرش الغردقة التي وقعت العام قبل الماضي لـ"اندبندنت عربية"، إن المحافظة تعتقد أنه "كلما جرى منع الصيد ستتوقف حوادث القروش"، متسائلًا: كيف وقعت حادثة القرش على رغم قرارات الحظر؟
وأضاف عباس أن "قرارات حظر الصيد لم تمنع حوادث القروش، وهو أمر غريب لأننا كنا نصطاد على مدار عقود من دون حوادث، الصيد الجائر مستمر في المحافظة من صيادين من الفيوم والمطرية، وحظر الصيد طبق علينا فقط من أبريل (نيسان) إلى أغسطس (آب) بصورة كاملة، وجرى منع الصيد باستخدام (الشنشولة)، لكن صيادين من السويس يواصلون استخدام هذه الأساليب".
وتابع "مراكب السويس تستخدم (الشنشولة) الممنوعة، ووثقنا هذه الممارسات، إذ يذهبون إلى مناطق بعيدة من الأنظار وينزلون في ساعات الليل حتى الفجر، ولا تجرى دوريات لرصد هذه الممارسات ليلاً"، مشيراً إلى أن بناء القرى في مناطق قريبة من بيئة القروش "قد يدفع إلى حدوث مثل هذه الحوادث".
وقال مصدر بوزارة البيئة لـ"اندبندنت عربية" إن وزيرة البيئة ياسمين فؤاد، وجهت بأن حوادث القروش محظور الحديث عنها إطلاقاً.
فيما قال مصدر شارك في تشريح سمكة قرش الغردقة، التي التهمت سائحاً في واقعة كانت الأكثر ترويعاً بين جميع الحوادث التي وقعت على شواطئ البحر الأحمر، إن "مصر تحتاج في الأقل 10 سنوات لعودة المخزون السمكي للبحر الأحمر، وليس من المنطق أن تتوقف حوادث القروش بمجرد اتخاذ قرار الحظر، لكن حظر الصيد لم يطبق بصورة كاملة في البحر الأحمر".
وشدد المصدر على أن السبب الوحيد لحوادث القروش هو "الصيد الجائر، نظراً إلى أن البحر الأحمر فقير بمخزونه السمكي، مما أدى إلى انهيار المخزون، وعلى المستوى العلمي يجب وقف الصيد تماماً، والبحث عن بدائل رزق مستقبلية للعاملين بالصيد".