ملخص
بعد عقود على أفول الاتحاد السوفياتي لا تزال أسرار جواسيس مزدوجي الولاء تتصدر الفضائح البريطانية
للمرة الأولى على الإطلاق، رفعت السرية عن أكثر من 100 ملف تابع لجهاز الاستخبارات العسكرية البريطانية "أم آي 5" MI5، وانكشفت تفاصيل عن حياة خمسة من أبرز الجواسيس البريطانيين الذين عملوا لصالح جهاز الاستخبارات السوفياتي (كي جي بي) KGB، فظهرت معلومات جديدة حول اعترافات كيم فيلبي وأنتوني بلانت، وهما عميلان بريطانيان في جهاز "أم آي 5" تجسسا لصالح الاتحاد السوفياتي.
إلى جانب غي بورغيس ودونالد ماكلين وجون كيرنكروس، أصبحت المجموعة تعرف باسم "خماسية كامبريدج"، نظراً إلى أن جميع أعضائها كانوا طلاباً سابقين في جامعة كامبريدج، وبدأوا بتمرير المعلومات إلى لـ"كي جي بي" في ثلاثينيات القرن الـ20، واستمروا في ذلك إلى خمسينياته على أقل تقدير.
والحال أن وثائق جهاز "أم آي 5" المذكورة، التي أصدرتها هيئة "الأرشيفات الوطنية" إلى العلن، فيها تفاصيل عن التحقيقات مع أعضاء المجموعة الذين بقوا يخترقون جهاز الاستخبارات البريطاني على مدار عقود. وأثارت روايتهم صدمة واسعة وشكلت مصدر إلهام في المملكة المتحدة وخارجها طوال سنوات، وتضاف إليها اليوم أسرار جديدة باتت مكشوفة للعموم.
وقد رأى الناس أنفسهم أمام حزمة أحداث ملؤها الاعترافات الدراماتيكية المثيرة، ومحاولات الهرب الجريئة، والأشخاص المشبوهين الذين لم يكن أحد سمع بهم يوماً، في سياق مدونات مأخوذة من كواليس جهاز "أم آي 5"، تعود لأولى سنواته قبل الحرب العالمية الأولى.
وفي ما يأتي النقاط الخمس الأبرز التي يمكن استخلاصها من ملفات "أم آي 5":
خشي العملاء أن يكون النجم السينمائي ديرك بوغاردي هدفاً لجهاز "كي جي بي"
قام جهاز "أم آي 5" بتحذير بوغاردي من أنه قد يشكل هدفاً في محاولة "نصب فخ" من تنظيم الـ"كي جي بي"، وذلك على خلفية إشاعات حول ميوله الجنسية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأظهرت الوثائق أن الممثل أبدى "انزعاجاً واضحاً" بعد أن علم بأن اسمه مدرج على قائمة بأسماء "ستة مثليين بريطانيين ممارسين"، قد تم تمريرها للروس.
والملفت أن بوغاردي الذي توفي في عام 1999 لم يعلن يوماً مثليته، مع أن علاقة طويلة الأمد جمعته بمديره أنتوني فوروود.
وبعد أن اشتهر اسمه في المسلسل الكوميدي الشعبي "دكتور"Doctor في خمسينيات القرن الماضي، عاد ليظهر في عدد من الأفلام الرائدة التي تناولت موضوع المثلية الجنسية، وأبرزها "الموت في البندقية" Death in Venice.
وبعد أن عمد جهاز "أم آي 5" إلى مقابلته في جنوب فرنسا، استنتج أنه رجل "جدي على مشارف التقاعد"، من المستبعد أن يكون علق في براثن الـ"كي جي بي"، وأن يكون وقع ضحية أية عملية غدر من تنظيم الاستخبارات السوفياتية.
الملكة إليزابيت بقيت غافلة عن وجود جاسوس في القصر
كشفت الوثائق عن أن الملكة إليزابيت لم تكن على علم بنطاق عمليات التجسس التي قام بها أحد كبار الموظفين في بلاطها.
وفي عام 1964، قرر أنتوني بلانت، الذي كان مشرفاً على أرشيف صور الملكة ومؤرخاً مرموقاً في مجال الفنون، أن يعترف أخيراً بأنه عميل سوفياتي منذ ثلاثينيات القرن الـ20، بعد أن جند عندما كان أستاذاً شاباً في جامعة كامبريدج.
ومن منصبه كمسؤول رفيع في جهاز "أم آي 5" خلال الحرب العالمية الثانية، مرر بلانت كماً كبيراً من المعلومات الاستخبارية السرية إلى المشرفين عليه في الـ"كي جي بي". ومع ذلك، فقد سمح له بالبقاء في منصبه ضمن المنظومة البريطانية، وسط مخاوف من فضيحة كبرى في حال تمت إقالته وظهرت الحقيقة في العلن.
وعندما علمت الملكة أخيراً بكامل مجرى الأحداث في سبعينيات القرن الماضي، قيل إنها حافظت على هدوئها التام – إذ استقبلت الرواية "بترو شديد ومن دون إظهار أية مفاجئة" - وفقاً لما ورد في المستندات التي رفعت عنها السرية.
أما القرار بإبلاغها بالحقيقة الكاملة، فقد جاء وسط مخاوف متزايدة، ضمن الجهاز الإداري الحكومي في وايتهول، من انكشاف الحقيقة بعد وفاة بلانت – الذي كان اشتد مرضه جراء إصابته بالسرطان. وكان الصحافيون ينظرون [وينبشون] في روايته، وشعروا بأنهم لن يعودوا مقيدين، بعد وفاته، بمخاوف من دعاوى تشهير.
وكانت رئيسة الوزراء مارغريت تاتشر هي التي كشفت أمره أخيراً في بيان وجهته إلى مجلس العموم في عام 1979، مع العلم بأنه توفي في عام 1983 عن عمر 75 سنة، بعد أن سحب منه لقب الفروسية.
جاسوس القصر خشي أن يعنفه المراقب المسؤول عنه في الـ"كي جي بي"
ورد أيضاً في الملفات أن بلانت كان يخشى صدور أي تصرف عنيف عن الشخص المشرف عليه في الـ"كي جي بي"، بخاصة بعد أن رفض أن ينضم إلى زميليه الجاسوسين غي بورغيس ودونالد ماكلين وأن يهرب معهما إلى روسيا.
ففي ظل مخاوف من الاعتقال ومن الافتضاح الوشيك لأمر شبكة التجسس، تلقى بلانت تعليمات من المسؤول عنه بتوضيب حقائبه والرحيل صباح اليوم التالي إلى باريس، ومن هناك إلى موسكو.
لكن بلانت الذي كان مسؤولاً في جهاز "أم آي 5" خلال الحرب، وأصبح لاحقاً مسؤولاً عن أرشيف الصور الملكية، اعتبر الخطة "متهورة تماماً" ورفض الانصياع.
وبعد اعترافه، استذكر تواصله مع مراقب الـ"كي جي بي" المسؤول عنه في لندن، يوري مودين، الذي كان يعرف باسمه الرمزي "بيتر".
وقال بلانت: "فوجئت إلى حد ما بأنه لم يتصرف بعنف أكبر"، وأضاف: "بالطبع، لم يكن بإمكانه إرغامي على الرحيل، لكنني كنت مندهشاً لأنه لم يكن أكثر عنفاً".
كيم فيلبي "اللغز" خدع عملاء "أم آي 5"
لقد كان الجاسوس السوفياتي كيم فيلبي بمثابة "لغز" بنظر كبير المحققين في جهاز "أم آي 5"، الذي اعترف بأنه تعذر عليه معرفة ما إذا كان العميل المزدوج يقول الحقيقة أم لا.
والحال أن جيم سكاردون، الذي كان تحرياً سابقاً في فرع العمليات الخاصة في شرطة العاصمة، ذاع صيته في أوساط جهاز "أم آي 5" بعد أن نجح في الحصول على اعتراف من كلاوس فوكس، الذي فضح للجانب الروسي سر مشروع مانهاتن الأميركي - البريطاني، الذي قضى بتطوير أول قنبلة ذرية في العالم.
بيد أن الملفات الصادرة حديثاً تظهر أن سكاردون لم يظهر ثقة كبيرة بنفسه في مواجهة فيلبي الذي افتضح أمره لاحقاً على أنه جاسوس، ففي خلاصة استجواباته له، اعترف بأنه تبين له أن فيلبي "يمثل لغزاً أكثر من أي وقت مضى".
وقال سكاردون: "عملياً، كانت ردود فعله على أمور كنت متأكداً من أنها ستثير قلقه، بعيدة كل البعد مما كنت أتوقعه".
وتابع قائلاً: "لقد بقي يحافظ على برودة أعصابه بأعظم الطرق الممكنة، ولعل ذلك ناتج من كونه بريئاً تماماً من الاتهامات".
وبالتالي، استنتج المحقق أن أية خلاصة للقضية ستكون "مرهونة باكتشاف أدلة جديدة".
فيلبي قال بعد الاعتراف إنه سيعيد الكرة حتماً
عندما اعترف فيلبي في نهاية المطاف، أكد على أنه غير نادم على السنوات التي أمضاها كعميل روسي.
وفي هذا الإطار، تكشف الملفات الجديدة تفاصيل عن لحظات دراماتيكية في يناير (كانون الثاني) 1963، أقر فيها [فيلبي] بأنه لجأ إلى الخداع، وذلك بعد أن واجهه أقدم أصدقائه وزميله في جهاز "أم آي 6" نيكولاس إيليوت.
وقال فيلبي: "هذه هي تحديداً اللحظات التي بقيت تراودني على امتداد 28 عاماً تقريباً، عندما كنت أقول إن الدليل الدامغ سيظهر في النهاية". وأضاف: "لدي الآن خيار بين الانتحار والخضوع للمحاكمة، ولا ألجأ هنا إلى الابتزاز أبداً، لكنني أفصح عن الخيارات المتاحة أمامي".
لكن مع أن فيلبي اعترف بأنه تعامل مع السوفيات منذ ثلاثينيات القرن الـ20، تخللت اعترافه أكاذيب كثيرة ولحظات تملق وتهرب – بما يشمل ادعاء كاذباً بأنه قطع علاقاته مع الـ"كي جي بي" في عام 1946، بعد الحرب العالمية الثانية، فواقع الحال يشير إلى أنه لم يكف يوماً عن العمل لمصلحة الروس.
وفي لقائهما الثاني، قال فيلبي لإليوت: "لقد راودني شعور كبير بالوفاء حيال جهاز "أم آي 6"، إذ عاملوني خير معاملة، واكتسبت أصدقاء رائعين هناك. لكنني اكتشفت أن أكثر ما يلهمني موجود عند الطرف الآخر".
وكذلك، زعم أن ما أحدث تبديلاً في عواطفه هو مجيء حكومة حزب العمال برئاسة كليمنت أتلي، الذي جاء بكثير من الأمور التي كان يؤمن بها، وأكد أن الاعتراف الذي قام به منحه "راحة هائلة".
© The Independent