الأحد 6 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، موعد المحطة الانتخابية البرلمانية الثالثة في تونس منذ ثورة 2011.
ويتنافس في هذا الاستحقاق نحو 15 ألف مرشح على 217 مقعداً، وتخيّم عليه احتمالات المفاجأة مثلما جرى في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي تأهل فيها أكاديمي هو قيس سعيد، لم يقم بحملة دعائية، ورجل أعمال مسجون بتهم تبييض أموال هو نبيل القروي.
وتعدّ الانتخابات الحاليّة مفصلية في تاريخ البلاد التي تمرّ بأزمات اقتصاديّة واجتماعيّة خانقة منذ ثورة 2011.
وأمام البرلمان الجديد ملفّات حسّاسة ومشاريع قوانين أثارت جدلاً طويلاً في السابق وأخرى مستعجلة وأهمّها احداث المحكمة الدستورية وقانون الماليّة للسنة المقبلة.
ولم تتمكّن البلاد من التوفيق بين مسار الانتقال السياسي الذي تقدّم بخطوات كبيرة منذ الثورة، وبين الانتقال الاقتصادي والاجتماعي الذي لا يزال يُعاني مشاكل لم تستطع الحكومات المتعاقبة إيجاد حلول لها.
وتجري الانتخابات فيما تعيش تونس تهديدات أمنيّة متواصلة، ولا تزال حال الطوارئ سارية إثر عمليّات إرهابيّة شنّها جهاديّون في السنوات الفائتة وألحقت ضرراً كبيراً بقطاع السّياحة الذي يُعدّ أحد ركائز الاقتصاد التونسي.
تصويت العقاب والمستقلون
ويُقدّر مراقبون أن يصبح المشهد السياسي في البلاد مشتّتاً، مع تركيبة برلمانيّة مؤلّفة من كُتل صغيرة. ما من شأنه تعقيد عمليّة التوافق على تشكيلة الحكومة المقبلة، وذلك استناداً إلى نتائج الدورة الرئاسيّة الأولى.
وأظهرت توجّهات التصويت للدورة الرئاسيّة الأولى أنّ الناخبين التونسيّين اختاروا اللجوء إلى "تصويت العقاب" ضدّ رموز المنظومة الحاكمة التي عجزت عن إيجاد حلول اقتصاديّة واجتماعيّة وبخاصّة في ما يتعلّق بالبطالة وارتفاع الأسعار والتضخّم.
ويدخل الانتخابات متنافسون جدد الى جانب الأحزاب، على غرار المستقلّين الذي يمثّلون ثلثي القائمات المشاركة، ومن المنتظر أن يُحدِثوا مفاجأة وأن يحصلوا على عدد مهمّ من المقاعد.
وأثار ظهورهم بقوّة تخوّفاً لدى بعض الأحزاب، فقد دعا رئيس "حركة النهضة" راشد الغنوشي إلى عدم التصويت لهم، معتبراً أنّ "التصويت للمستقلّين تصويت للفوضى".
ويجعل تعدد الأحزاب واختلافها من إنجاز بقيَّة مراحل المسار الانتخابي أمراً صعباً، خصوصاً أنّ تشكيل الحكومة يتطلّب توافقاً واسعاً وغالبيّة 109 أصوات. وتظهر في الأفق بوادر نقاشات محتدمة من أجل التوصّل إلى توافقات.
حملات باهتة
ولم تكُن حملات الانتخابات النيابيّة لافتةً، بل كانت باهتةً أحياناً، بسبب تغيير روزنامة الانتخابات بتقديم موعد الرئاسية على التشريعية جرّاء وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي، إضافة إلى "صدمة" الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسيّة.
ونظّم التلفزيون الحكومي ثلاث مناظرات تلفزيونيّة لمرشّحين للانتخابات التشريعيّة، إلا أنّها لم تلق نجاحاً ومتابعة من التونسيّين كما كان عليه الحال في الدورة الرئاسيّة الأولى.
وسجّلت انتخابات الدورة الرئاسيّة الأولى نسبة مشاركة ناهزت 50 في المئة.
وتحضّ الهيئة العليا للانتخابات المسجّلين على التوجّه الأحد بكثافة للتصويت.
وأعلن قيس سعيّد أنه "لن يقوم شخصيّاً بحملة انتخابيّة للانتخابات الرئاسيّة التونسيّة، ويعود ذلك لدواع أخلاقيّة، وضماناً لتجنُّب الغموض حول تكافؤ الفرص بين المرشّحين".
تكافؤ الفرص
ووصف الرئيس التونسي بالنيابة محمد الناصر الوضع بأنّه "غير عادي، وفيه ربما مسّ بصدقية الانتخابات".
ودعت الأمم المتّحدة في بيان الجمعة "جميع الأطراف المعنيّة إلى ضمان أرضيّة متكافئة لجميع المترشّحين، بما في ذلك تكافؤ الفرص مع الاحترام الكامل للقانون التونسي ولصلاحيّات السلطة القضائيّة".
وأثار نشر السلطات الأميركيّة نسخةً من عقد يُظهر تلقّي وكالة متخصصة في ترتيب لقاءات مع شخصيات سياسية دولية واسعة النفوذ أو ما يعرف بـ"اللوبيينغ" مبلغاً مالياً كبيراً مقابل أداء خدمات للقروي جدلاً واسعاً في البلاد، وقد نفتها حملته لاحقاً.
متنافسون
وتمكّن حزب "قلب تونس" لمؤسّسه نبيل القروي من تكوين قاعدة شعبيّة، وذلك من خلال حملات التبرّع والزيارات الميدانيّة التي كان يقوم بها القروي للمناطق الداخليّة منذ ثلاث سنوات ووزّع خلالها مساعدات وسدّ فراغاً تركته السلطات في هذه المناطق المهمّشة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويُشير بعض استطلاعات الرأي غير الرسميّة الى أنّ "قلب تونس" سيتمكّن من نيل المرتبة الأولى أو الثانية.
تستفيد حملة "قلب تونس" من تلفزيون "نسمة" الذي أسّسه القروي وكان يبثّ الزيارات الميدانيّة التي كان يقوم بها الأخير.
منافسه في الدورة الرئاسيّة الثانية قيس سعيّد (18,4 في المئة من الأصوات) لا تعنيه الانتخابات التشريعيّة. وأعلن عدد من الأحزاب والشخصيّات السياسيّة دعمه في الدورة الثانية، منها "حركة النهضة" التي دعت قواعدها إلى انتخاب سعيّد قائلةً إنّ فوزه بالانتخابات الرئاسيّة سيذلّل الصعوبات مستقبلاً.
وأعلن "قلب تونس"، في المقابل، أنه لن يخوض في أيّ توافقات وتحالفات مع "النهضة" واتّهمها "بالوقوف وراء سجن القروي" وبأنّها المستفيدة من ذلك.
ويظهر حزب "ائتلاف الكرامة" كمنافس قوي على مقاعد البرلمان بعدما نال رئيسه المحامي سيف الدين مخلوف ترتيباً متقدّماً في الدورة الرئاسيّة الأولى وحصد 4,3 في المئة من الأصوات.
وتضمّ قائمات "ائتلاف الكرامة" مرشّحين محافظين، وكانوا عبروا عن دعمهم لسعيّد.