احتفت فئات واسعة من المجتمع السوداني بانطلاق أول دوري لكرة القدم النسائية، السبت 28 سبتمبر (أيلول) 2019. وكثيرون نظروا إلى ذلك باعتباره نقلة نوعية في الرياضية النسائية، وخطوة تعكس الانفتاح نحو العالم، وتأكيداً على مشاركة المرأة السودانية في ممارسة دورها في المجتمع كأولوية للحكومة الانتقالية. لكن، سرعان ما أشعل تحريمُ عدد من المتشددين كرة القدم النسائية مواقع التواصل الاجتماعي. وانقسم السودانيون بين مؤيد ومعارض. ما اعتبره البعض بادرة فتنة قد تعيد الهوس الديني الذي كان يمارس في فترة نظام الرئيس السابق عمر البشير.
دعوى قضائية
لكن محامين سودانيين دعوا وزيرة الشباب والرياضة، ولاء البوشي، إلى اللجوء للقضاء ضد هؤلاء المتشددين، الذين اتهموها بالكفر والخروج عن الدين والملة دون سند قانوني. وهو ما يوقعهم تحت طائلة المساءلة القانونية والقانون الجنائي تحت باب الجرائم الموجهة ضد الدولة وإثارة الفتن.
ويعتبر هؤلاء أن التحرك القضائي رادع أمام نمو حالات التطرف والغلو والشطط التي ستفتح البلاد على سيناريوهات خطيرة.
وطالب ناشطون المجلس السيادي، باعتباره الجهة المسؤولة الأولى في السودان عن حفظ الأمن والأمان، باتخاذ الإجراءات اللازمة تجاه المتشددين من أنصار النظام السابق، والعمل على تحمل الأمانة التي وضعت على عاتقه من الثوار للحفاظ على الفترة الانتقالية، من خلال وقف الأنشطة التكفيرية في المساجد والمنابر العامة.
هدم الدين
وتمثلت الآراء المتشددة في قول الداعية الإسلامي عبد الحي يوسف إنّ "الحكومة الجديدة لم تفلح في معالجة أزمات الناس الذين خرجوا من أجلّها إلى الشوارع، مطالبين بإصلاح الاقتصاد المنهار"، مشيراً إلى أنّها تولّت أمر البلاد في غفلة من الزمان، وأنّ كلّ أفعالها تؤكّد أنّها أتت لهدم الدين. وأضاف "هذه الحكومة الجديدة لم تفلح حتى اللحظة إلاّ في إثارة الفتن وشغل الناس بالفارغ، بدعوة اليهود والمذاهب الأربعة وثقافة الخمر ودوري السيدات". واتهم عبد الحي جهاتٍ تعمل على تطبيق العلمانية في السودان، وذلك بترويج الباطل بصبغة التنوّع الديني في البلاد، كي لا تكون شريعة الإسلام هي الحاكم.
وأوضح أن "المسلمين هم الغالبية، ولا يمكن الحكم بهوى الأقلية". فيما وجه انتقاداتٍ إلى وزيرة الشباب والرياضة بالحكومة الجديدة، لافتاً إلى أنّها لا تتبّع الدين الإسلامي، وتؤمن بأفكار حزبها الجمهوري الذي حكم على قائده بالردة وأعدم قبل 35 عاماً. وأضاف "أستغرب من إقامة دوري السيدات، وكأنّ رجالنا الذين يلعبون الكرة قد رفعوا اسم البلاد ونالوا الكؤوس، وفرغنا من أمرهم وذهبنا للنساء". وأكّد أنّ الحكومة السابقة طلبت من هيئة علماء السودان فتوى بشأن إقامة دوري كرة قدم نسائي، غير أنّ الرد كان بالمنع سداً للذرائع.
ستر العورة
وفيما اعتبر رئيس هيئة علماء السودان، محمد عثمان صالح، أن "قوى الحرية والتغيير تعمل على برنامج واضح يسعى إلى علمنة الدولة السودانية عبر تغيير سلوك المجتمع السوداني في عاداته ولبسه وصولا إلى المعتقدات الدينية بالبلاد"، رأى أن "توجه العلمنة لدى قوى الحرية والتغيير ظهر جلياً من خلال تصريحات وزراء الحكومة الحالية وآخرهم وزير العدل". وفسّر انطلاق دوري كرة القدم النسائية بالبلاد بأنه دليل قاطع على علمانية الدولة، مشيراً إلى أنه "على الرغم من جواز ممارسة المرأة الرياضة في الدين الإسلامي، إلا أنها مقيدة بشروط تتعلق بالصحة وستر العورة". وزاد "أن مشاهدة الرجال النساء وهن يمارسن كرة القدم. أمر لا يجوز"، و"إذا كانت المرأة تمارس الكرة وهي في حيز مستور دون وجود أجنبي فهذا جائز في الإسلام". وختم أن كرة القدم تديرها الماسونية العالمية التي لها توجه علماني.
صراع مستمر
وفي سياق متصل، توقعت الناشطة الحقوقية ويني عمر أن يتجاوز الصراع كرة القدم. فالصراع، في اعتقادها، "بين نمطين من الحياة الذكورية والنسوية". و"التحدي القانوني والثقافي هو مواجهة الممارسات التي تكبح حركة المرأة في السودان". وتلفت إلى أن "انطلاق مثل هذا النشاط النسوي هو بمثابة الانتصار للمدنية وما كان ليتحقق لولا نجاح الثورة السودانية في إطاحة الرئيس البشير".
قرارات جديدة
وسط هذه الانتقادات تعد مسؤولة كرة القدم النسائية في اتحاد كرة القدم السوداني ميرفت حسين الصادق، بقرارات جديدة في دوري السيدات. وتوضح أن الدوري لن يُبث تلفزيونياً ولن يسمح بمشاهدة الرجال المباريات داخل الملعب، مؤكدة أن ما حدث في الاحتفال كان تدشيناً، لكن الأمر في المباريات المقبلة فسيكون غير ذلك، ولكن لاقت هذه القرارات استهجاناً في الوسط الرياضي باعتبار أن المبررات لم تكن موضوعية وفيها تسرع يضر بمصلحة هذه الرياضة.
النشأة والاهتمام
علاقة المرأة السودانية بكرة القدم ليست طارئة، ففي مجال التحكيم برزت منيرة رمضان باعتبارها الحكم الأول في أواسط السبعينيات، وأدارت عدداً من المباريات في دوري الخرطوم قبل أن تعتزل.
وفي مجال التدريب كانت سلمى الماجدي السودانية والعربية والأفريقية الأولى التي تقود أندية كرة قدم بعد نيلها عدداً من الشهادات الاحترافية، وأصبحت هدفاً لعدد من الأندية تنوي التعاقد معها.
وبدأت فكرة كرة السيدات في السودان في مطلع عام 2002، حيث شهد الاهتمام بكرة القدم النسائية تزايداً ملحوظاً، وأنشأت الشابة سارة إدوارد فريقاً. وفي ذلك الوقت لم يكن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) يلزم الاتحادات الوطنية بإنشاء فرق نسائية بهدف تشجيع هذه الرياضة.