كيف غطت مؤسسات الإعلام العراقية التظاهرات؟
سؤال يطرحه المهتمون بالشأن الإعلامي والمراقبون أحداث الشارع العراقي منذ معاودة بدء حركة الاحتجاج المدني في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) 2019 احتجاجاً على الفساد والبطالة وسوء الخدمات.
فمنذ انتهاء الصراع العسكري مع "داعش" في العراق منذ حوالى سنتين، يقف العراقيون مجدداً في مواجهة الفساد الحكومي منذ العام 2011، إبان حكم نوري المالكي إذ خرجت الاحتجاجات وعاودت الكرة عام 2015، لتتجدد التظاهرات هذا العام في بغداد وتمتد إلى محافظات الوسط والجنوب وتشمل النجف والديوانية والبصرة والناصرية وميسان.
"إعلام متحزب" وفيسبوك أنجز المهمة
صور المتظاهرين رجالاً ونساء في ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد، غزت وسائل التواصل الاجتماعي خلال أول يومين للحركة الاحتجاجية مع أطلاق هاشتاك "#نازل_أخذ_حقي".
يقول الصحافي مهند الغزي، رئيس تحرير وكالة أخبار محلية "في اليومين الأولين للتظاهرات كانت تغطية القنوات التلفزيونية للأحداث ضعيفة، واكتفت ثلاث محطات فقط بنقل الأخبار العاجلة وبعض الصور لساحات التظاهر. في حين لم تهتم القنوات التابعة للسلطة مثل شبكة الإعلام العراقي وقنوات الأحزاب الدينية بالتغطية".
ويضيف "ما دفع بالمتلقي العراقي إلى الاعتماد بشكل كلي على متابعة الأحداث عبر فيسبوك من خلال ما نشره المتظاهرون أنفسهم، إضافة إلى الجهود الفردية لبعض الصحافيين المستقلين الذي كانوا في ساحات التظاهر".
إعلام المواطن والاستخدام الكبير لمواقع التواصل الاجتماعي لعبا دوراً واضحاً في نقل الأحداث والاعتراض على ممارسات الحكومة. ما جعل المتظاهر يؤدي مهام الإعلامي في التغطية المباشرة ونقل الصورة من أرض الحدث. وهذا ساعد بعض وسائل الإعلام العراقية والإقليمية على تجميع الصور الصغيرة المتقطعة التي نشرها المتظاهرون، ثم استخدامها في التحليل الإعلامي وبثها للمتلقي.
ولتشخيص أسباب اعتماد مواقع التواصل الاجتماعي في نقل الخبر، يقول الصحافي مشرق عباس "هذا النوع من الأحداث الكبرى تجاوز قدرة وسائل الإعلام العراقية على التغطية، وحركة الاحتجاج وضعت الإعلام العراقي أمام اختبار للهوية، خصوصاً تلك التي تجاهلت أعداد الضحايا والقتلى وأكتفت ببث المسلسلات والبرامج".
ويضيف "نحن نلوم قناة "العراقية" الأساسية، الممولة من أموال الشعب العراقي، التي تجاهلت ما يحدث وانحازت إلى السلطة على الرغم من أنها تمتلك الموافقات الرسمية للحركة، وحوالى 100 سيارة بث لكنها تقاعست عن مهامها الإعلامية."
وبيّن عدد من العراقيين امتعاضهم عبر صفحاتهم الشخصية في فيسبوك، وكتب الناشط باسم مردان "القنوات العراقية خذلتنا وتركتنا بالظلام مع انقطاع الإنترنت عن ملايين العراقيين، هذا الإعلام يجب أسقاطه مع النظام".
ويصف الكاتب الصحافي نوزت شمدين الإعلام العراقي بأنه "ببغاوي"، ويقول "إن المؤسسات الإعلامية عبارة عن دكاكين بقالة، غالبيتها تمول من إعلانات الانتخابات، لذا يتزامن فتحها وغلقها مع الدورات الانتخابية، هي وسائل ابتزاز ليس إلا".
ويرى كثير من المتابعين أن القنوات العراقية قامت بـشيطنة المتظاهرين، وتصوير الاحتجاجات على أنها تمرد وتخريب من خلال الصور والفواصل التي تم بثها، متضمنة الاعتداء على القوات الأمنية لكنها لم تظهر الجانب الآخر وهو العنف الذي طال المتظاهرين، وبهذا لم تكن "أمينة في نقل المعلومة وفقدت حياديتها".
ويقول الصحافي رضا الشمري "وسائل الإعلام وخصوصاً الدينية منها مثل "الاتجاه" و"العهد"، والتي تعتبر أذرعاً إعلامية لميليشيات مسلحة، مارست التحريض بشكل فج جداً ضد المتظاهرين ووصفتهم بامتلاك أجندات صهيونية وإسرائيلية تنوي التخريب".
يذكر أن شبكة الإعلام العراقي تأسست بعد عام 2003، وتم استبدال وزارة الإعلام بالشبكة لتكون ممولة من الدولة لكنها لا تعبر عن مزاج السلطة محاكاة لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.
وتصل الميزانية المالية للشبكة حوالى إلى "70 مليون دولار ويبلغ عدد العاملين فيها أكثر من 5000 موظف، بحسب العضو السابق في مجلس أمناء الشبكة الصحافي هيوا عثمان.
ويضيف "لو أنجزت الشبكة عملها بمهنية إعلامية جيدة، لما كانت هناك حاجة إلى قطع شبكات الإنترنت وحجب مواقع التواصل عن العراقيين".
قطع كامل للإنترنت "مخالفة للدستور"
ومع تصاعد وتيرة الاحتجاجات قامت السلطات العراقية بحجب مواقع التواصل الاجتماعي ثم قطع الإنترنت في اليوم الثالث للتظاهرات والقطع مستمر حتى الآن، مرصد "نتبلوكس" لمراقبة الإنترنت قال إن الخدمة انقطعت عن معظم أنحاء العراق بما في ذلك العاصمة بغداد وإن معدل الاتصال انخفض إلى ما دون 70 في المئة، وسط تجدد احتجاجات مناهضة للحكومة.
بعد قطع الإنترنت لجأ العراقيون إلى تطبيقات "في بي أن" إضافة إلى استخدامهم وسائل اتصال بالأقمار الاصطناعية، المرتفعة التكلفة من أجل التواصل مع العالم الخارجي.
وبدأ آخرون بنشر التفاصيل عن التظاهرات في قسم تعليقات شبكة "سينمانا"، وهو تطبيق بث برامج ومسلسلات له شعبية في العراق. لكن قامت الشبكة لاحقاً بغلق خانة التعليقات على الأفلام لتمنع تداول أخبار التظاهرات عبر شبكتها.
ويقول أحد المواطنين في بغداد "انقطاع خدمة الإنترنت جعلني أعيش فترة الإعلام الموجه في حرب 2003، تجبرنا الحكومة اليوم على متابعة القنوات الموجهة، التي تنقل معلومات غير موثوقة ومضللة لحقيقة ما يحدث في الشارع العراقي".
وفي سياق متصل، يقول النائب في البرلمان العراقي أحمد الجبوري "انقطاع الإنترنت وحجب التغطية الإعلامية خرق للدستور العراقي الذي يكفل حرية التعبير عن الرأي، وحريات الصحافة والإعلام والنشر والتظاهر السلمي بمادته المرقمة 38".
تحديات أمنية للصحافيين وهجمات مسلحة على المؤسسات
يقول مصطفى ناصر رئيس جمعية الدفاع عن حرية الصحافة "في بغداد تم احتجاز الكادر الإعلامي لقناة "الرشيد" واستهداف مصور قناة "الفرات" بقنبلة مسيلة للدموع، وضرب مراسلين لثلاث مؤسسات أخرى وتكسير معداتهم الصحافية"، ويكمل "وفي البصرة تم الاعتداء بالضرب على اثنين من المراسلين وتهديد آخر بالتصفية الجسدية، ووجد اسمه ضمن قائمة تصفيات جسدية للناشطين والصحافيين".
وتداول الناشطون في البصرة على مواقع التواصل الاجتماعي مقتل مصورة حرة تدعى (سارة) وزوجها، وعثر عليهما مقتولين داخل المنزل.
وكانت القوات الأمنية قد منعت المراسلين في الميدان من التصوير بهواتفهم النقالة، وأعاقت وصول سيارات النقل المباشر للقنوات التلفزيونية إلى ساحة الاعتصامات.
كما أقتحم مسلحون ملثمون يرتدون بدلات عسكرية سوداء، مكاتب مؤسسات إعلامية عراقية ودولية، مثل قناتي "العربية" و"الحدث"، و"دجلة"، و"الغد"، NRT وتم الاعتداء على كوادرها بالضرب وتكسير المعدات والأجهزة الإعلامية.
وكانت هيئة الإعلام العراقية قد أصدرت أمراً بإيقاف بث قناة دجلة الفضائية مدة شهر كامل.
الاعتداء الذي وقع بالجملة على المؤسسات، دفع البعض منها وخصوصاً التي تبنت نقل أحدات التظاهرات على مدى الأيام السابقة، إلى تغيير سياستها اليوم وبث مواد إعلامية تخص الحكومة وامتنعت عن نقل أخبار المتظاهرين وما يحدث في بغداد حتى الساعة، ومنها قناة الشرقية، سامراء وإذاعة دجلة.
ويقول بعض العاملين في هذه المؤسسات إن إداراتهم تعرضت إلى الضغط والتهديد بقطع البث، ما أضطرهم إلى إيقاف نشر أخبار التظاهرات وصورها.
تلاحم عراقي عبر واتساب لنقل الخبر
شحّ توافر المعلومة ونقلها دفع كثيرين من الصحافيين والمدونين داخل العراق وخارجه إلى إنشاء تجمعات كبيرة عبر وسائط فيسبوك وواتساب. هدفها تسلم المعلومة من المتظاهرين عبر رسائل SMS ثم نقلها إلى الجمهور العربي والعالمي بلغات مختلفة لتعريفهم بما يحدث في العراق.
ويصف الكاتب الصحافي نوزت شمدين الذي يعيش خارج العراق، التعاون بين العراقيين بأنه رائع ويقول "الثورة لم تكن في الشارع فقط، فيسبوك أيضاً كان ثائراً. وكان هناك حزن كبير لدى العراقيين في الخارج عندما انقطع الإنترنت، التظاهرة اختلفت هذه المرة عن سابقاتها".
لكن مع ذلك وصول المتلقي العراقي إلى معرفة ما يجري بات شاقاً، يقول أحد المواطنين "بت آخذ المعلومات من خلال الاتصالات بالأقارب والأصدقاء في بقية المناطق لمعرفة ما يدور حولي".
محمد (19) سنة يقف متظاهراً قرب ساحة التحرير، وتحدث عبر الهاتف "التعتيم والانعزال خلقا تضليلاً كبيراً عن الأعداد الصحيحة للقتلى والمصابين، ونتج منه بيئة سهلة للإشاعات وخلق العنف والفوضى".
وختم "قتل صديقي وهو يصور مقتل أحد المتظاهرين بعد ضربه على رأسه، أخذت هاتفه وسأقوم بنشر هذا الفيديو عندما أحصل على إنترنت، ليعلم العالم الصامت وحشية الحكومة هنا".