دعا الرئيس العراقي برهم صالح مساء الاثنين، إلى "وقف التصعيد" بعد أسبوع من الاحتجاجات وأعمال العنف الدامية التي أودت بأكثر من مئة شخص وأوقعت أكثر من ستة آلاف جريح، داعياً إلى حوار وطني من دون "تدخل أجنبي". وقال صالح في كلمة متلفزة متوجهاً إلى الشعب إن "المتربصين والمجرمين الذين واجهوا المتظاهرين والقوى الأمنية بالرصاص الحي... هم أعداء هذا الوطن، وهم أعداء الشعب". ودعا إلى اتخاذ إجراءات "لمواجهة هذا النوع من الاحتجاجات ومنع الاندفاع إلى استخدام القوة المفرطة" التي أقرت القوات الأمنية الاثنين باستخدامها.
وندّد الرئيس العراقي بالهجوم على المتظاهرين ووسائل الإعلام، وحضّ قوات الأمن على الحفاظ على حقوق جميع العراقيين. كما دعا إلى تعديل وزاري وحثّ البرلمان على تطبيق إصلاحات، بما في ذلك في مجال الانتخابات لتلبية مطالب المحتجين، مؤكّداً "ألا شرعيةَ لأي عملية سياسية أو نظام سياسي لا يعمل على تحقيق متطلبات" الشعب.
وقال صالح إنه "ينبغي منح تعويضات للمتضرّرين من العنف الذي شهدته البلاد هذا الأسبوع".
صدامات وقتلى
وبعد ليلة من الفوضى (الأحد – الإثنين) في مدينة الصدر في شرق بغداد، حيث قتل 13 شخصاً في الصدامات بين المحتجين وقوات الأمن بحسب مصادر طبية، أقرّت القوات العراقية الاثنين بـ "استخدام مفرط للقوة وخارج قواعد الاشتباك المحددة".
وقالت في بيان إنّها "بدأت إجراءات محاسبة الضباط والآمرين والمراتب الذين ارتكبوا هذه الأفعال الخاطئة".
وفي تسجيلات مصورة انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، كان ممكناً سماع أصوات إطلاق رصاص متواصل، وأحياناً بالسلاح الثقيل، في مدينة الصدر حيث تواجه القوات الأمنية ووسائل الإعلام صعوبات في الوصول إليها. وتعدّ هذه المنطقة معقلاً لأنصار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر الذي دعا الجمعة إلى استقالة الحكومة.
اتهام "مندسين"
وكانت السلطات العراقية، التي تتعرض لانتقادات من المدافعين عن حقوق الإنسان، أكدت أنها تتقيد "بالمعايير الدولية"، متهمة "مندسين" و"قناصين مجهولين" بإطلاق النار على المتظاهرين والقوات الأمنية على حد سواء.
وقالت منظمة العفو الدولية الإثنين إنّ اعتراف "القوات الأمنية باستخدام القوة المفرطة هو خطوة أولى يجب أن تترجم على أرض الواقع بهدف كبح تصرفات القوات الأمنية والجيش". وقالت إنّ الخطوة التالية يجب أن تتمثّل بـ "المحاسبة".
من جهتها، طالبت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالحفاظ على سبل وصول المسعفين إلى الجرحى.
وفي ظل هذه التطورات، أعلن رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض الاثنين أن فصائله، وغالبيتها شيعية بعضها مقرب من إيران، جاهزة للتدخل لمنع أي "انقلاب أو تمرد" في العراق، في حال طلبت الحكومة ذلك.
وقال الفياض خلال مؤتمر صحافي في بغداد إن "هنالك من أراد التآمر على استقرار العراق ووحدته"، مؤكداً أن الحشد الشعبي، الذي يعمل في إطار رسمي، يريد "إسقاط الفساد وليس إسقاط النظام"، في رد على شعارات المتظاهرين.
وتابع الفياض "نعرف من يقف وراء التظاهرات، ومخطط إسقاط النظام فشل"، مشدداً على أنه "سيكون هناك قصاص لمن أراد السوء بالعراق".
وللمرة الأولى منذ الثلاثاء الماضي، لم يتظاهر المحتجون المطالبون بالتوظيف والخدمات العامة وتغيير الطبقة السياسية، في ساحة التحرير في وسط بغداد.
وكانت الاحتجاجات محصورة فقط في مدينة الصدر ومحيطها، على أطراف العاصمة التي تعد تسعة ملايين نسمة، ولا تزال حتى اليوم من دون شبكة إنترنت. وانتشرت قوات من الشرطة الإثنين عند أطرافها ولم تسجل أعمال عنف.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عودة تدريجية
وفي أماكن أخرى من بغداد، عادت الحياة تدريجياً إلى طبيعتها لكن التوتر لم يهدأ.
وكررت السلطات من إعلاناتها عن تدابير اجتماعية في محاولة لتهدئة غضب المتظاهرين الذين يقولون إن "ليس لديهم ما يخسرونه" في بلد غني بالنفط، حيث يعيش أكثر من شخص من بين كل خمسة تحت خط الفقر.
وعلى الصعيد الدبلوماسي، أعلن رئيس الوزراء عادل عبد المهدي أنه ناقش التطورات الأخيرة هاتفياً مع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، والتقى في بغداد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وبحث معه اتفاقيات مشتركة بين البلدين.
وبحسب حصيلة رسمية، قُتل أكثر من مئة شخص، غالبيتهم من المتظاهرين، وجُرح أكثر من ستة آلاف آخرين، منذ انطلاق الاحتجاجات في بغداد ومدن جنوبية للمطالبة باستقالة الحكومة المتهمة بالفساد.