أفضى إعلان دونالد ترمب عن تنحي القوات الأميركية في الشمال السوري جانبا، والسماح بالهجوم التركي الهادف إلى محو الكرد الحلفاء لأميركا منذ وقت طويل، إلى إحداث موجات صادمة تردّد صداها من واشنطن إلى الدول الحليفة في منطقة الشرق الأوسط.
ومن إسرائيل إلى دول الخليج، عبّر مسؤولون ودبلوماسيون ومعلقون عن مخاوفهم، سواء في جلساتهم الخاصة أو علنا، من أن إدارة ترمب ستعطي أسبقية للسياسة الانعزالية على الوفاء لكل حلفائها الإقليميين.
وعلى ضوء ذلك، لن يطاح بأولئك الحلفاء جانبا بطريقة عشوائية فحسب، بل سيتعرضون إلى المخادعة. ومثلاً، وافقت "قوات سوريا الديمقراطية" التي خاضت حرباً ضد "داعش" لمصلحة الولايات المتحدة، على مطالب واشنطن بتفكيك بعض مواقعها الدفاعية على الحدود مع تركيا، لكن الإدارة الأميركية تركتها مكشوفة في نهاية المطافـ حين سحبت جزءاً من قواتها العاملة في تلك المنطقة.
وفي نفسٍ مُشابه، تحدث حتى المحللون السعوديون الذين يكتبون بطريقة حذرة في صحيفة "الشرق الأوسط"، عن "حالة الارتباك والفراغ " في العلاقات الأميركية.
وتحت عنوان "خلل ما في الاستراتيجية الخارجية لأميركا"، كتب المعلّق السياسي يوسف الديني يوم الثلاثاء الماضي عن "عقيدة الأنا...المربكة" للرئيس ترمب الذي ينطلق ويأخذ على عاتقه صنع قراراته بنفسه. وحذر الديني من "حالة الفراغ واللايقين تحت حكم ترمب".
وفي نفسٍ مشابه في الكويت، كان النائب عبد الله الشايجي لاذعاً جداً. إذ كتب تدوينة على صفحته في موقع "تويتر" بأسلوب غاضب، وورد فيها "لقد رماهم تحت الحافلة... بهذه الطريقة تتخلى أميركا عن حلفائها الذين قاتلوا "داعش". إنّه درس قاس آخر لكل حلفاء أميركا!".
يمكن القول إن إسرائيل أكثر البلدان قلقاً. إذ تعتبر أهم حليف استراتيجي للولايات المتحدة في المنطقة، كما أن العلاقات الأميركية- الإسرائيلية أصبحت وثيقة جداً منذ تسلم ترمب الحكم واتخذ جملة قرارات مثيرة للجدل أبهجت إسرائيل كثيراً، بما فيها الاعتراف بالقدس عاصمة لها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وإذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد بقي هادئاً ودبلوماسياً تجاه تلك الخطوة، فإن عضو البرلمان الإسرائيلي ووزير التربية السابق، نفتالي بنيت، ذهب إلى حد ترديد دعاء للشعب الكردي على موقع "تويتر".
وفي تغريدته تلك، كتب بِنَيت أن "الدرس لإسرائيل بسيط. إسرائيل ستدافع دائماً عن نفسها بنفسها".
وقد انعكست تلك الرسالة التي تضمنتها تغريدة النائب الإسرائيلي، في كثير من عناوين المقالات والآراء السياسية التي صدرت في المنطقة.
ومثلاً، كتب الصحافي الإسرائيلي زفي بارئيل في مقالة مكتوبة بلغة صريحة نشرها في صحيفة "هآرتس" ذات الاتجاه اليساري، محاججاً بأن قرار ترمب (تجاه الكرد) قوى وجهة النظر التي ترى أنْ "ليس لواشنطن أصدقاء في الشرق الأوسط، وأن التحالفات التي ما زالت باقية قد يعاد النظر فيها في كل لحظة، ما يعني أنها تحت خطر الإلغاء من طرف واحد".
وفي السياق نفسه، كتب هيرب كينون في صحيفة "جيروزاليم بوست" اليمينية أن القرار لا يمكن أن يُنْظَر اليه "بصورة منعزلة... وبعد أن تخلى ترمب عن الكرد، تعرف إسرائيل أنها لا تستطيع الاعتماد على أي طرف".
وفي الإطار نفسه، ذكر آموس هاريل الخبير الإسرائيلي في شؤون الأمن والدفاع الذي تكلم مع عدد كبير من المسؤولين، إن "كل من تحدثت معهم، سواء أكانوا مستمرين في مناصبهم أو خارج الخدمة الحكومية، يوافقون على أن ذلك (القرار) خبر سيء لإسرائيل والمنطقة". وبدلاً عن ذلك، كانت الرسالة التي تضمنها قرار ترمب الأخير تتحدث عن المنحى الانعزالي الأميركي، وقد جرى تسلّمها بشكل واضح ومدوٍّ.
وأضاف هاريل، "إنّهم قلقون من سياسة ترمب عموماً، وعلى المستوى الشخصي. إذ لا يستمع إلى مستشاريه، ولا يقر بالحقائق والمعلومات الاستخباراتية، ويعمل وفق مزاجه وروحه الانعزالية... كيف يمكننا الاعتماد على ترمب على المدى البعيد؟".
وفي مصر، البلد الذي يتسلم مساعدات اقتصادية وعسكرية أميركية تقدر بملايين الدولارات سنويّاً، اكتفت الصحف بعرض ردود الأفعال داخل الولايات المتحدة نفسها.
وفي المقابل، كتب المحلل المصري تيموثي كلداس، الزميل غير المقيم في "معهد تحرير سياسات الشرق الأوسط"، إنه وراء الأبواب المغلقة سيتسبب هذا القرار في إقلاق عدد كبير من الأشخاص.
وأضاف في حديثه إلى "الاندبندنت"، أن ذلك القرار"عكس توجهاً واسعاً لترمب في عدم تثمين الحلفاء ونظرته لهم بأنهم، بشكل عام، لا يعتمد عليهم... وسيكون ذلك تذكيراً آخر لكل طرف متحالف مع الولايات المتحدة بأن يتشكك في نزاهة التزاماتها".
© The Independent