كشفت شركات سبر الآراء في تونس عند الخروج من مراكز الاقتراع مساء اليوم الأحد 13 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، عن تقدّم ساحق للمرشح الرئاسي قيس سعيّد بحوالى 70 في المئة من أصوات الناخبين التونسيين، في مقابل حوالي 20 في المئة لصالح منافسه نبيل القروي.
وكانت هذه النتيجة في الواقع منتظرة، لأن المرشح سعيّد حظي بدعم أكبر الأحزاب الحاصلة على أكبر عدد من المقاعد في مجلس نواب الشعب في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وهي حركة "النهضة" الإسلامية (52 مقعداً) و"التيار الديمقراطي" (22 مقعداً) و"حركة الشعب" (16 مقعداً) وأحزاب أخرى. وتُعدّ هذه أسبقية واضحة، دخل بها سعيّد السباق الانتخابي في الدور الثاني ضد القروي.
وكشفت المناظرة التلفزيونية الأخيرة عن تفوق واضح لسعيّد على القروي. وظهرت الأسبقية الأكاديمية والعلمية لسعيّد وسيرته وبلاغته وفصاحته، فوضعته على طريق مفتوح للفوز بالسباق إلى قصر قرطاج على حساب نبيل القروي الذي خرج من السّجن قبل 48 ساعة من يوم الاقتراع، من دون أن يكون حضوره مقنعاً في المناظرة، إضافةً إلى اتهامه بالفساد والتورط بقضايا منشورة بتهم التهرّب الضريبي وتبييض الأموال.
قيس سعيّد "الظاهرة"
ولقراءة هذا الفوز السّاحق والبحث في أسبابه، التقت "اندبندنت عربية" المحلل السياسي كمال الشارني الذي أشار إلى أن "الناخب التونسي يتوق إلى رجل من خارج المنظومة بعد فشل كل السياسيين إثر الثورة في الاستجابة لمطالبهم بتأمين فرص العمل والكرامة".
وأوضح أنّ "سعيّد يمثل ظاهرة سياسية فريدة، فهو لا يملك حزباً سياسياً ولم يكن ذا حضور لافت في الإعلام خلال السنوات الماضية، وهو شخص نظيف في نظر التونسيين في محيط ملوث، لذلك كسب ثقة الناخبين وبفارق كبير".
وأكد الشارني من جهة أخرى أن "قيس سعيّد الآتي من مدارج الجامعة، مشحون برصيد شبابي كبير من خريجي الجامعات التونسية، يدعمه ويروّج لبرنامجه الذي لم يكن واضحاً بما فيه الكفاية بالنسبة إلى الناخب التونسي، إلاّ أنّه انتخبه لأنه من خارج المنظومة التي حكمت تونس بعد الثورة.
كما قدّم سعيّد أفكاراً جديدة في الحكم والحوكمة وهي من الملفات المطروحة بإلحاح في المشهد السياسي في تونس التي تغوّلت فيها لوبيات (مجموعات ضغط) الفساد ولم يعد خافياً على الناخب التونسي حجم الفساد الذي استشرى في البلاد، بخاصة بعد الثورة، نظراً إلى ضعف القوانين ولتحصّن الفاسدين بمجموعات منتشرة في مفاصل الدولة التونسية. واستثمر قيس سعيّد في هذا الملف وراهن عليه الناخب التونسي، لأن هذا الأخير يعتبر منافسه نبيل القروي جزءًا من منظومة الفساد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وردّاً على سؤال حول أسباب مرور نبيل القروي إلى الدور الثاني وهو قابع في السجن، قال الشارني إنّ "القروي راهن على قاعدة الفقراء والمحتاجين وهي للأسف قاعدة رخوة لا يمكن التأسيس عليها"، مشيراً إلى أن "القروي نتاج لمزيج هجين بين العمل الخيري والإعلامي والنشاط السياسي، وهي تركيبة مشبوهة، فَطِن إليها الناخب التونسي في الدور الثاني".
وشدّد على أن "أمام الرئيس الجديد قيس سعيّد مسؤولية مضاعفة تتمثّل في أن يُثبت للتونسيين أنه رئيس جامع لهم بمختلف أطيافهم"، داعياً إياه إلى أن يكون حارساً للدستور وضامناً لتطبيق القانون "وهو رجل قانون وعليه في خطوة أولى، أن يسرّع في إنشاء المحكمة الدستورية وأن يلعب الدور المحوري في تشكيل الحكومة المقبلة، ضماناً للاستقرار السياسي المطلوب داخلياً وخارجياً".
يحق للتونسيين اليوم أن يفخروا برئيسهم المنتخَب بشرعية الصندوق وبأسبقية واضحة على منافسه وهي مسؤولية كبيرة، على الرئيس الجديد لتونس أن يعيها، نظراً إلى رمزية المنصب في الذهنية التونسية. فرئيس الدولة في العقل الباطني للتونسي، هو أب التونسيين ورمزهم وعليه أن يكون ضامناً للتوازن والاستقرار السياسيَّيْن وأن يرسل إشارات إيجابية من أجل رسو البلاد على برّ الأمان في محيط إقليمي مضطرب، نظراً إلى المخاض الذي تعيشه الجزائر والوضع المتفجر في ليبيا.
ولا تزال تونس تصنع الحدث في محيطها والأنظار تتجه إلى مآل هذا الانتقال الديمقراطي. لذلك، يجب أن تكون نموذجاً في الاستقرار، لا عنواناً للتشتت والانقسام، ما يمثّل مسؤولية ثقيلة ملقاة على عاتق رئيس الجمهورية السابع في تاريخ البلاد.