على استحياء كانت تدور المناقشات، البعض كان يعتبر الكشف المبكر عن المرض نوعاً من الرفاهية. قلة الوعي كان لها الصوت الأعلى، ولكن تدريجيا وعلى مدار السنوات الثلاث الأخيرة، حدثت طفرة بمصر في أهمية الفحص الدوري للكشف المبكر عن سرطان الثدي، وباتت النساء بمختلف طبقاتهن يولين اهتماما خاصا بالأمر، ويتبادلن المعلومات والتجارب لتتسع دائرة الوعي. المؤكد أن المؤسسات الرسمية والأهلية المعنية بصحة المرأة أسهمت كثيرا. عبر منصات واسعة الانتشار مثل الفضائيات الشهيرة وباقي وسائل الإعلام المنتشرة، استقى الجمهور الخبرات التي باتت تتردد ليل نهار، وهذا العام من المنتظر أن تتمكن 28 مليون سيدة مصرية من الاطمئنان على أنفسهن من خلال مبادرة خاصة بالتوعية وبالكشف المبكر عن المرض، والأهم أنها مبادرة مجانية.
كشف مجاني على 28 مليون مصريّة
في أكتوبر من كل عام تنطلق الحملات التوعوية بمرض سرطان الثدي في شتى أنحاء العالم، فمنذ انطلاق مبادرة "الشهر الوردي" عام 2006 ورقعة المستفيدين تزداد، وعلى مدى 13 عاما تضاعفت نسبة الوعي، ونسبة الشفاء أيضا، فيما يحظى النساء في مصر هذا العام باهتمام خاص في هذه الناحية من خلال مبادرة رئاسية استهدفت الكشف المبكر عن المرض في محافظات مصر الـ27 على مدار ثلاث مراحل، وبالفعل تم توقيع الكشف خلالها على ملايين السيدات، بدءا من عمر 18 عاما، وتم إحالة البعض لتلقي العلاج بالمجان أيضا في مراكز تابعة لوزارة الصحة، حيث شملت المرحلة الأولى تسع محافظات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
المبادرة الرئاسية تصاحبها حملات عدة تمتد بطول البلاد أيضا، وتستهدف استقطاب أعداد أخرى من النساء، بينها حملة "حرّك السكون"، التي أطلقتها المؤسسة المصرية لمكافحة سرطان الثدي، والتي انطلقت قبل ثلاثة أعوام ولا زالت تتوالى أنشطتها، وتستهدف مزيداً من التوعية حول سرطان الثدي الانتشاري والإسهام في العلاجات التكميلية للمريضات، وأيضا العلاج النفسي وتوفير مجموعات لدعم المتعافيات.
قصص الأمل أصبحت الأكثر رواجا
وهناك مبادرات أخرى من نوعية "دوس في الخير"، و"مصر بالوردي" و"شوفني صح"، والتي تجوب المناطق النائية للتوعية والكشف عن المرض من دون مقابل، بالتعاون مع مؤسسات رسمية ونقابات، حيث تمارس المؤسسة أنشطتها منذ 15 عاما، ومع توالي الوعي يزداد العبء عليها، وبالتالي هناك خطوط مفتوحة دوما للتبرعات، وبالطبع خطوط مفتوحة لتلقي الاتصالات الخاصة بالسيدات المستفيدات.
القصص التي تحمل الأمل باتت أكثر من تلك التي يغلفها الحزن، ولعل التوعية هي مفتاح النجاح ومفتاح إنقاذ حياة النساء المعرضات للإصابة، حيث إن واحدة من كل 8 نساء معرضة لخوض تجربة المرض.
"نورا.ع."، ربة منزل شابة "38 عاما"، أكملت طفلتها الأولى عامها الثالث لتوها، تقول "دون أن أدري أصبحت أحفظ عن ظهر قلب المعلومات الأولية المقلقة عن المرض، وتعلمت من خلال الحملات المتوالية على مواقع التواصل الاجتماعي وفي البرامج كيف أجري الفحص الذاتي بشكل دوري، أصبت بهلع حينما لاحظت كتلة صغيرة"، تتابع نورا أنها توجهت للفحص بأشعة "الماموغرام" على الفور حتى قبل أن تختار طبيبا، وهناك نصحتها اختصاصية الأشعة بطبيب معين، تؤكد نورا أن الأمر كان في بدايته تماما، وتعافت سريعا دون الخضوع لدورة علاج طويلة الأمد، وهي تقوم بالكشف الدوري لتحمي نفسها مستقبلا وباتت تعتبر نفسها حملة متنقلة للتوعية بالمرض بين القريبات والمعارف.
المتعافيات يشجعن المعارف
نورا لم تكن بحاجة لأن تأخذ مكان مريضة أخرى في قائمة العلاج المجاني بالمؤسسات الرسمية، لأن ظروفها المادية ساعدتها، وفضّلت أن تترك تلك الخدمة لغيرها تكون بحاجة ماسة أكبر منها، وقد تكون هي السيدة "خديجة محمد"، من صعيد مصر التي تم تشخيصها في إحدى الحملات التي قامت بها مؤسسة خيرية وخضعت للعلاج المجاني بالفعل، وبعد رحلة استمرت عاما تقريبا أصبحت خالية من المرض. تقول إنها سعيدة كونها تتابع دوما الكشف وتطمئن على صحتها، لافتة إلى أن لفظ المرض نفسه يقبض قلبها ورغم أنها خاضت تجربة قاسية مع شقيقتها التي أصيبت قبلها بأعوام طويلة، ولكنها صدمت حينما علمت بإصابتها ولم تتوقع أن تنجو ولكنها الآن تلهو مع أحفادها، وتشجع من حولها لإجراء الفحوصات باستمرار.
تعتبر كذلك "مؤسسة بهية" لعلاج سرطان الثدي من أشهر المستشفيات في هذا المجال، والتي نالت سمعة طيبة أخيرا، نظرا لأنها تقدم خدماتها بالمجان بمساهمة وتبرعات المؤمنين بالخدمة التي تهديها للسيدات، حيث أن المستشفى على مدار العام ينظم قوافل ومبادرات للتوعية والكشف والدعوة باستمرار لإجراء الفحوصات وأيضا العلاج والمتابعة النفسية والطبية بعد التعافي، ومن أبرز حملاتها التي أطلقتها أخيرا "خليكي في الصورة" بالتزامن مع "الشهر الوردي".
نجمات العالم العربي بدورهن أصبحن يشاركن بصفة دورية في توعية ملايين من متابعيهم على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يسهمن دوما في الحملات التي تهدف إلى ضرورة الفحص المبكر، وبينهن مايا دياب وميريام فارس ومنى زكي وإليسا، والأخيرة بالطبع كان لها تجربة مع المرض، حيث أصيبت به وسردت قصتها في كليبها الشهير "إلى كل اللي بيحبوني"، ومن يومها وهي من أكثر الوجوه التي تسهم في مبادرات التوعية وتشجع النساء على عدم إهمال الكشف أبدا.
فيما حوّل عدد من الأطباء صفحاتهم على السوشيال ميديا لحملة مساهمة أيضا في التوعية طوال شهر أكتوبر (تشرين الأول)، وقد تكون أبرزهم الدكتورة نجلاء عبد الرازق، أستاذ الأشعة التشخيصية بمستشفى القصر العيني بالقاهرة، وهي تنشر يوميا صورا توضيحية ومعلومات موثقة، تفيد النساء في كيفية الفحص الذاتي وتعريفهن بمراكز الرعاية المجانية وضرورة الفحص بالأشعة بشكل دوري كي يتم السيطرة على المرض في بدايته لتكون نسبة الشفاء أعلى، وتلقى منشوراتها تفاعلا كبيرا من قبل القارئات اللائي يشيدن بدورها في التوعية وبأسلوبها البسيط في العرض.