أكّد علماء فلك أنّ أحد المذنبات الهائمة بين النجوم أو "البين نجمية" كما تُسمى، يمرّ في مجموعتنا الشمسيّة. ولاحظوا أنّنا لم نشهد مثله على الإطلاق، لكنّه على الرغم من ذلك يبدو مألوفاً بطريقة غريبة، بمعنى أنّه شديد الشبه بالمذنبات التي يحتويها نظامنا الشمسيّ.
ودرس الباحثون ذلك الجسم المُسمى "21/ بوريسوف" 2I/Borisov، ويقولون إنّه سيغيِّر فهمنا للكون. ولطالما اعتقد العلماء أنّ الفجوات بين النجوم يمكنها أن تشكِّل موطناً لمختلف المذنبات والكويكبات التي أُخرجت من أنظمتها الكوكبيَّة الأصلية. وأثناء ترحالها بين النجوم، قد يحدث أن يعبر بعضها نظامنا الشمسيّ ما يمنحنا فرصة اكتشافها، وفقاً لعلماء الفلك.
في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أنّ أول تلك الأجسام شوهد قبل عامين، عندما رصده العلماء مذنّباً سمّوه "أمواموا"، وشكّل دليلاً على وجود مثل تلك الأجسام الـ"بين نجمية". منذ ذلك الحين، يواصل العلماء مراقبة الفضاء على أمل رؤية زائر آخر من ذلك النوع أثناء ترحاله بين النجوم.
في الوقت الحاضر، يعتبر "21/ بوريسوف" ثاني زائر فضائيّ تمكن العلماء من مشاهدته وينتمي إلى ذلك النوع الفريد من المذنّبات، لكنه يعتبر الأول من بينها لأنه دخل إلى نظامنا الشمسيّ آتياً من مكان كوني مختلف تماماً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من أجل العمل على تحديد موقعه، أنشأ الباحثون برنامجاً حاسوبياً خاصاً يحلِّل المعلومات حول المذنبات الجديدة، على أمل أن يكتشفوا بصورة تلقائية كل زائر آتٍ من نظام كوكبيّ آخر.
لحسن الحظ، تحقّق ذلك في أيلول (سبتمبر) الفائت. فقد أصدر البرنامج الحاسوبيّ تنبيهاً يشير إلى العثور على زائر آخر عابر بين النجوم. وجاء في كلام بيوتر غوزيك من جامعة "ياغيلونيا" في بولندا الذي قاد الدراسة الجديدة عن ذلك الجسم الغريب، إنّ "شيفرة ذلك البرنامج صيغت خصيصاً كي تؤدي ذلك الغرض (= اكتشاف المذنبات المرتحلة بين النجوم)، وكنا نأمل حقاً في أن نتلقى تلك الرسالة يوماً ما. ولكن لم نكن نعرف الزمن المحدَّد".
في غضون يومين، تمكّن الباحثون من التقاط صور للجسم ما منحهم نظرة مهمة إليه، ومكّنتهم من التثبّت من كونه أوّل مذنّب يزور مجموعتنا الشمسيّة آتياً من نظام نجمي آخر.
في سياق متصل، لاحظ ميهال دراهوس من جامعة "ياغيلونيا" الذي شارك غوزيك في قيادة الدراسة، أن العلماء لاحظوا "فوراً ذيل المذنب والغطاء الضبابي الشكل الذي يحيط بالنواة الصخرية فيه، وهما مكوّنان مألوفان في المذنّبات لكنهما لم يُشاهدا حول المذنب النجمي "أمواموا"... إنه أمر رائع حقاً لأنّه يعني أنّ زائرنا الجديد واحد من تلك المذنبات "البين نجمية" الأسطورية التي لم نرَ مثيلاً لها سابقاً"، بحسب وصفه.
لكنّ الباحثين ذهبوا أبعد من ذلك. إذ وجدوا عبر مزيد من البحث أنّ المذنب "21/بوريسوف" كان مألوفاً بشكل مدهش، لا سيما بالنسبة إلى مذنب قطع رحلة طويلة. كذلك لاحظوا أنّه يبدو أحمر اللون وله نواة صلبة يبلغ طولها حوالى كيلومتر.
ووافق غوزيك على الملاحظة الآنفة الذكر، وأضاف "بامكانك أن تختار الاستنتاج الذي تراه ملائماً لك... لكن، بناءً على الخصائص الأوليّة للمذنب، يبدو أنّ من الصعب تمييزه عن المذنّبات المنتمية إلى نظامنا الشمسي".
وكخلاصة، يواصل الباحثون حاضراً عملية مراقبة المذنب "21/بوريسوف" والتعمّق في معرفته، خصوصاً أنه أصبح أكثر وضوحاً. وبحسب الباحث واكلو وانياك من جامعة "ياغيلونيا" الذي شارك في الدراسة، "ما زال المذنب يلمع مع وهج شمس الصباح ويزداد سطوعه. سيكون مرئياً لأشهر عدة، لذا نعتقد أنّ الأفضل لم يأتِ بعد".
© The Independent