إثر هربهما من "حركة الشباب" في الصومال، اختبأ الرجلان طوال شهر في غابات لاكتا على الحدود مع كينيا. ويقيم هناك منشقون آخرون، بعضهم يعتاش من الأرض، وبعض آخر يستخدم السلاح في سرقة البلدات والمسافرين. وجميعهم يخشى، على حد سواء، انتقام مقاتلي "حركة الشباب" بعد أن غادروا صفوفهم، وملاحقة القوى الحكومية لهم. وكلا الرجلين يتحدر من الصومال. وأولهما، ياسر، شبّ في ألمانيا وعاش لوقت قصير في بريطانيا. وثانيهما، توفيق وُلد وشبّ في كينيا. وكلاهما قصد الصومال، إثرالدعوة إلى الجهاد، وكلاهما يزعم أنه أصيب بخيبة أمل، وأنه يسعى إلى حياة جديدة في منأى من العنف. وفي لقاء في بلدة صغيرة في كينيا، يتناقض ما يرويانه عن تجربة كل منهما تارةً، وتارة أخرى يراوغان. ولكن كثيراً مما يقولانه يبدو، عند مراجعته ومقاطعته بمصادر أخرى، حقيقياً، شأن قلقهما العميق مما ينتظرهما من غموض ومخاطر. ويخشى الرجلان من تعقب "حركة الشباب" لهما وتحديد مكانهما، على نحو ما فعل التنظيم مرات كثيرة في الماضي مع غيرهما من المنشقين. وهم يخشون كذلك من قوات الأمن الكينية: بعض العائدين قتلوا رمياً بالرصاص، وبعض آخر اختفى وتبدد أثره. ويخشى ياسر من دخول السجن وقتاً طويلاً حين عودته إلى أوروبا. ويواجه الجهاديون الغربيون هذا الاحتمال. ويحذر ياسر شارحاً: "هم غاضبون، وخائبون، ولا مكان يتوجهون إليه، وهذه طريقة للرد". فحين ينكر عليهم خطرُ الملاحقة القضائية العودةَ إلى عائلاتهم في الغرب، قد يسعى هؤلاء الرجال إلى نقل الجهاد الى مسقط رأسهم، أي إلى العودة بصفتهم مفجرين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وهذا اللقاء بالرجلين نُظم من خلال وسيط، إثر مفاوضات مطولة على ألـ "تيليغرام" وهو خدمة الرسائل المشفرة. وجه ياسر مستدير وعيناه زائغتان، ولهجته تحمل آثار لهجة إنجليزية مدينية سريعة النبرة. أما توفيق، فهو أطول منه، وأنحف وأكثر خجلاً، وأكثر توتراً، ويلمس لحيته الخفيفة، ونظراته الهائمة تتنقل مراراً حيث الزبائن القليلين في الطرف الآخر من الغرفة. وقميصاهما نظيفان على الرغم من أنهما مهترئان، ويحمل قميص توفيق صورة غروب في مومباسا، وقميص ياسر صورة بوب مارلي، وكل منهما يرتدي سروال جينزملطخاً بوحل الطريق الأحمر اللون. وأنزلهما الرجل الذي نقلهما بالسيارة بعيداً من المكان. فهو يزور الصومال، ويبدو أنه شعر بالقلق من أن تُلتقط صورته خفيةً. وعُقد اللقاء قبل أيام قليلة من الهجوم على مجمع دوسيت جي2 الفندقي في العاصمة الكينية حيث قُتل 21 شخصاً، في أكثر الأعمال إرهاباً في المدينة منذ حصار المجمع التجاري ويست غايت قبل خمس سنوات ونصف السنة.
وليس هناك ما يشير إلى أن الرجلين مرتبطان بالهجوم اللاحق. فهما غادرا الصومال قبل سبعة أشهر، وكانا يبتعدان قدر الإمكان عن الإسلاميين في كينيا، على نحو ما أكدا أكثر من مرة. وهما يقولان إنهما غادرا مخبأهما في لاكتا، إثر تقارير عن تسلل وحدات من "حركة الشباب" إلى المنطقة لملاحقة المرتدين.
"الأمور بالغة السوء في الصومال. وكثير من الناس قصدوا هذا البلد للقتال واليوم يريدون الخروج. والأمور على هذه الحال منذ بعض الوقت، أناس يخرجون، وآخرون يحاولون الخروج. ولا نعرف مصيرنا. الأمور خطيرة"، يقول ياسر.
قابلتُ ياسر وتوفيق قبل أيام من اعتقال الحكومة الصومالية مختار روبو، النائب السابق لزعيم "حركة الشباب" وواحد من مؤسسي هذا التنظيم الإسلامي، وهو غيّر ولاءه قبل 18 شهراً وكان مرشحاً لرئاسة ولاية في الصومال. وطردت الحكومة الصومالية المبعوث الأممي إلى الصومال، نيكولاس هايسوم، نتيجة اعتراضه على اعتقال روبو. فألغى وزير الدفاع البريطاني، غافين وليامسون، زيارته الصومال، واعتذر عن لقاء الرئيس محمد عبدالله محمد.
واعتبر مسؤولون غربيون أن اعتقال روبو هو ضربة تثني غيره من القيادات الإسلامية عن تغيير ولائها وعن الانضمام إلى العملية السياسية في بلد يتواصل فيه الصراع ويعيش على المساعدات الدولية. ولكن كثيراً من الصوماليين غير مستعدين للمسامحة والنسيان. وكنتُ في مقديشو حين الخلاف على مسألة روبو. وبدا جلياً أن كثيرين يشعرون بأن العفو عن إسلاميين عنيفين أراقوا الدماء، خاطئ.
وعبدالرحمن محمد حسن، وهو رجل أعمال قُتل ولده ابن السابعة عشرة عاماً في انفجار في الصومال قبل ثلاثة أعوام، صارم في موقفه: "هذا الرجل لم يعتذر ولم يبدِ أسفاً، ولم يدن يوماً العنف. لماذا يُسمح لمثل هذا الرجل بالعمل في مجال السياسة. الأميركيون والبريطانيون يحاربون حركة الشباب، فلماذا يريدون السماح لأمثاله بالبقاء؟ هذا سيؤدي إلى مشاكل أكبر في المستقبل".
مواصلة القتال هو مصدر أخطار كبيرة على جنود إسلاميين عاديين من أمثال ياسر وتوفيق. وقال الجيش الأميركي أخيراً إنه "تخلص" في ضربة جوية من 52 مقاتلاً. وأُعلن مقتل 26 إسلامياً في ضربتين قبل ستة أسابيع: ويُقدر عدد القتلى في الضربات الأميركية بحوالي 560 شخصاً منذ مطلع 2017. ويقلق توفيق وياسر من مخاطر البقاء في كينيا، وهو بلد كابد مراراً فظاعات ارتكبها متسللون من الصومال. يُقال إن القوات الأمنية هنا كانت انتقمت انتقاماً عنيفاً بلغ القتل أحياناً، في التعامل مع الجهادين العائدين. ويزعم توفيق، وهو في الثلاثين من العمر، أنه على وشك المشاركة في برنامج إعادة تأهيل يديره مركز مكافحة الإرهاب الوطني في كينيا. وهو مدرك أن آخرين فُقدوا إثر اعتقال القوات الأمنية لهم، أو أنهم فقدوا إثر اعتقال مسلحين مقنعين مجهولين لهم."لا نعرف ما جرى، يُفقد أثر الناس ثم يموتون"، يقول. "في بعض الأحوال تتسلم الأسر الجثامين من مقرات الشرطة حيث يُقال لهم إنه، قُتل لأنه كان يحاول الفرار أو لأنه هاجمنا. ولا يستطيع المرء أن يفعل شيئاً حيال ذلك".
وزعمت منظمات حقوق إنسان مثل "هاكي أفريقا" أكثر من مرة أن القوات الأمنية ارتكبت عمليات قتل خارج نطاق القضاء. وتنفي السلطات الكينية نفياً قاطعاً هذه الاتهامات. وفي وسع جهاديين متحدرين من الغرب الهرب من كينيا والعودة إلى بلدهم، ولكنهم لن يكونوا طليقين. فاحتمالات إدانتهم كبيرة بموجب قوانين مكافحة الإرهاب وهم يواجهون احتمال السجن.
"يجعلون عودتنا إلى ناسنا وعائلاتنا مستحيلة"، يقول ياسر. "يحملون الناس على مواصلة القتال لأنهم يعلمون أن الأمر سينتهي بهم في السجن إذا ما عادوا الى بلدانهم. وهم لا يعتقدون أن الناس تتغير. والنتيجة؟ إذا لم يسمحوا لهم بالعودة قانونياً، سيعودون إلى بلدانهم للتفجير. والصوماليون يستطيعون تسليم أنفسهم إلى حكومتهم، ولكن هذا متعذر على الأجانب. الأميركيون والبريطانيون والعرب والأتراك كلهم في الصومال. المقاتل الأجنبي يوضع في طائرة، ويُرحَّل إلى السجن في أوروبا أو أميركا".
ويقول ياسر إنه نجح في الوصول إلى الصومال في المحاولة الثانية له، بعد سفره من برلين حيث كان يعيش في ذلك الوقت. ولكنه أمضى شطراً من حياته مع عمته في جنوب شرق إنجلترا. وهو لا يريد أن يُنشر اسم المحلة حيث عاش ويقول " لا صلة لها بقرار السفر، وهذا سيسبب لها مشاكل. قررتُ الذهاب الى الصومال. وقابلتُ أشخاصاً شعروا مثلي، ولكنني حسمتُ أمري بمفردي".
ولكن لماذا سعى إلى الجهاد؟ في جوابه أصداء كلمات غيره ممَن سلكوا هذا الدرب: الاستياء من الحياة في أوروبا، والغضب على القوى الغربية في بلدان إسلامية، الرغبة في العيش حيث "الإسلام النقي". وتحليل توفيق هو كذلك ديني. فهو أراد كذلك قتال القوات الإثيوبية التي نُشرت في الصومال لمكافحة الإسلاميين. ويشعر المرء بأن التحاق آخرين من معارفه بـ"حركة الشباب" هو عامل جذب رئيس. فياسر التقى بمجموعة من الشبان في لندن قبل عقد من الزمن، وكانوا يجمعون الأموال ويبثون بروبابغندا تنظيم "حركة الشباب" ويروجون لها. وبعضهم نعرف أنهم تدربوا في الصومال قبل سنوات في 2006. ومنهم، مثل بلال البرجاوي المولود في لبنان، قُتل في ضربات جوية. وبعض آخر أخفق في الوصول إلى الصومال، على الرغم من المحاولة. ومنهم محمد حمزاوي المولود في اليمن الذي اعتقل في تنزانيا وأعيد إلى المملكة المتحدة. ثم ذاع صيته لاحقاً على المستوى الدولي وعُرف بـالجهادي جون، الداعشي المُقنّع قاطع رؤوس الرهائن العاجزين في سورية. ويشدد ياسر على أنه لا يعرف الحمزاوي، ويقول إنه لا يوافق على قتل الأسرى الأبرياء. ويزعم أن عنف "حركة الشباب" هو من أسباب رغبته في المغادرة. ويوافقه توفيق القول. "ارتكبوا أفعالاً سيئة كثيراً. وكانوا يخيفون الناس هناك. وبعضهم أراد أن نفعل مثلهم ونقطع الرؤوس، وكانوا يتكلمون على الدوام عن الأمر. وبعضهم أقدم بالفعل على ذلك"، يقول توفيق.
ويروي ياسر أن مسار طفولته اضطرب حين أرسلته عائلته إلى معارفها في ألمانيا ثم إلى إنجلترا حيث زار عدداً من المساجد في الشمال الغربي وفي جنوب لندن، منها مسجد في غرينتش. ويُقال إن الحمزاوي ومايكل أديبولاجو، وهو أحد المشاركين في قتل الرهينة البريطاني "لي ريغبي"، ارتادوا مسجد غرينتش. ولا يذكر ياسر أنه التقى بأديبولاجو، ولكنه يتذكر عبدالقادر مؤمن، وهو داعية من أصول صومالية كان له أتباع في أوساط الشباب في غرينتش وغيره من الجوامع في ليستر. وفرّ عبدالقادر مؤمن إلى الصومال في 2010، وكانت الشرطة والقوى الأمنية في المملكة المتحدة تحقق بأمره، والتحق بـ"حركة الشباب". وبعد خمس سنوات، أطلق "داعش الصومال" وبايع "الخليفة"، أبوبكر البغدادي. وهذه الخطوة أشعلت حرباً داخلية في أوساط الإسلاميين. فـتنظيم "حركة الشباب" شن حملة على التنظيم الجديد، ودفعه إلى منطقة قصية في شمال شرق الصومال. وعُثر على جثمان مهد معلم، نائب زعيم داعش في الصومال، على شاطئ مقديشو العام الماضي. وألقت عائلته مسؤولية اغتياله على خلايا "حركة الشباب" السرية. وقتل تنظيم "الشباب" كذلك المصري أبو أنس المصري، وهو جهادي أجنبي التحق بداعش. وأدت الضربات الجوية الأميركية وعمليات القوات الخاصة الغربية وعمليات القوات الصومالية وقوات الاتحاد الأفريقي، إلى تزايد عدد القتلى في صفوف مقاتلي "حركة الشباب". ومع ارتفاع نسبة الوفيات، تعاظم الارتياب في الأجانب.
"فمن جهة، طائرات الدرون، والأميركيون في الصومال، وفي جيبوتي، ثمة صواريخ تقتل كثيرين, كثير من الناس "، يقول توفيق. ويلي الخسائر تحقيقات تطلقها القيادات الإسلامية واتهامات غاضبة بالخيانة. "تلقى اللائمة على الأجانب كثيراً. وإذا غادروا الصومال اعتبرت مغادرتهم هذه دليلاً على أنهم لطالما تقاضوا الأموال من الكفار". ولا شك في أن هذا رأي المتحدث الرسمي باسم "الشباب"، عبد العزيز أبومصعب. "فمن يسمى المرتدين، كانوا في معظمهم جواسيس للأنظمة الكافرة. وحين انكشف أمرهم، فرّوا مخافة الإعدام. واعتقلنا آخرين منهم قبل فرارهم وحاكمناهم"، قال أبو مصعب مؤخرًا.
وتشير أدلة كثيرة إلى متطوعين أجانب يحقق تنظيم "الشباب" بأمرهم أكثر من أي مجموعة جهادية. فـتنظيم "القاعدة"، وهو تنظيم مرتبط بـ"الشباب" وجبهة النصرة وداعش في سورية والعراق وليبيا، - يرتاب أقل في الجهاديين الأجانب.ويقال إن الارتياب يعود جزئياً إلى بنية القبائل والعشائر المعقدة في الصومال، وشبكات الولاء المنبثقة منها هي عوائق ثقافية تحول دون قبول الأجانب. ويقول توفيق: "حالفني الحظ. فعائلتي صومالية. ولكن غالباً ما يواجه غيري، وليس الأوروبيون فحسب، بل كذلك الأفارقة والكينيون والتنزانيون، المشاكل.
غالباً ما يتوسل "الشباب" بالأجانب في وحدة المتفجرات، "استشهادي"، وقادة مشاتها، "الجبهة"، لشنّ أكثر العمليات خطورة، ومنها التفجيرات الانتحارية.وقلما يصل أحدهم إلى سدة التنظيم أو جهاز "أمنيات"، الجهاز الأمني الداخلي المرهوب الجانب.وأدى رُهاب الجواسيس الأجانب إلى عمليات تطهير عنيفة. وأُعدم عشرة منهم في أكتوبر (تشرين الأول). ووقع خمسة قتلى في يوم واحد في البلدة الصومالية الجنوبية، جليب. وبين القتلى عوالي أحمد محمد، وهو مواطن بريطاني في الثانية والثلاثية من العمر غادر إنجلترا إلى الصومال في 2013.
عند الغسق، توجه ياسر وتوفيق إلى لقاء مرافقهم في السيارة، وحثوا الخطى، والغبار يتناثر حول أحذيتهم، وأكتافهم منحنية تحسباً لمصادفة أي خصم، وهما يلتفتان من جانب إلى آخر.
والتهمة الموجهة إلى العوالي هي تزويد جهاز "أم آي 6" البريطاني وجهاز الاستخبارات الأميركية المركزية، "سي آي أي"، بالمعلومات. ووقع في اليوم نفسه، ثلاثة قتلى آخرين، منهم عبد العزيز عبد السلام شيخ حسن، ابن الاثنين والعشرين عاماً، ومحمد عبد الله عويل، 35 سنة، وابن السادسة والثلاثين جيلاني عبد الله نور (ويعتقد أنهم كلهم يتحدرون من دول شرق أفريقيا)، اتُهموا بأنهم عملاء أميركيون. وأُعدم خمسة آخرون في ديسمبر (كانون الأول) بعد اتهامهم بالتجسس للحكومتين الكينية والإثيوبية. وكان عوالي أحمد محمد يخضع لإجراءات استباقية في مكافحة الإرهاب والتحقيقات لتقييد حركته في بريطانيا حين اختفى في 2013 من جامع أم النور في "أكتون"، غرب لندن، إثر قطعه السوار الإلكتروني وارتدائه برقعاً.
ولكن هل كان ياسر أو توفيق يعرفان محمد؟ "ليس عدد الأجانب كبيراً في الصومال مثلما هو في أماكن مثل سوريا. لذا، من اليسير تعارف الناس على بعضهم بعضاً. ويستسيغ أشخاص من أوروبا لقاء بعضهم ببعض. وكان جميلاً اللقاء بصوماليين من أمكنة مختلفة، مثل السودان وكندا..."، يقول ياسر. وتوقف عن الكلام حين أدرك أن التفوه بأي شيء إيجابي عن الإسلاميين ليس في صالحه. "طبعاً، ثمة جوانب كثيرة سيئة... ولكنني لا أعلم شيئاً عن موت هذا الشخص. فأنا غادرتُ قبل وقت طويل من مقتله". وقال إنه كذلك لا يعلم شيئاًعن علاقة محمد المزعومة بالأجهزة الغربية. "يقولون أشياء كثيرة، وحين يبدأ الناس بالكلام عنك، من العسير أن تبقى في مأمن. وعمليات القتل هذه بدأت قبل وقت طويل".
ولكن هل ثمة جوانب من الحياة استساغها مع "الشباب؟ يجيب قائلاً "نعم، كانوا يؤمنون بما يفعلون. ولم يكونوا رجعيين كما قيل عنهم. كانوا يملكون نظام محاكم، وكانوا متشددين مع المجرمين. واختارت النساء الالتحاق برجالهن هناك..."
وفي 2011، قُتل بالرصاص محمد هارون فاضل، مقاتل مرتبط بـ"القاعدة" متحدر من أرخبيل جزر القمر مقابل أفريقيا. ثم وقعت سلسلة عمليات قتل بناء على أوامر زعيم التنظيم، أحمد عبدي غودان، ابن السادسة والثلاثين المعروف بمختار ابن زبير.
وبين أولئك المطاردين الذين قتلوا بالرصاص حبيب غاني، المعروف كذلك بأسامة البريطاني، وهو بريطاني من أصل باكستاني من غرب لندن كان مقرباً من سامنتا لوثويت، "الأرملة البيضاء" من مفجري لندن في يوليو(تموز) 2005. وتقول بعض التقارير أنهما كانا زوجين. وقُتل كذلك عمر الهمام، وهو مواطن أميركي من ولاية ألاباما، ووضع مكتب التحقيقات الفيديرالي الأميركي، الـ"أف بي آي"، جائزة قيمتها 5 ملايين دولار مقابل رأسه. وتقول آخر تغريدات نشرها قبل إطباق مقاتلي الشباب عليه إن "أبو زبير جنّ جنونه، وبدأ حرباً أهلية".
وليس الاشتباه بتقديم معلومات تُوجِّه الضربات الجوية، ما أجّج ارتياب أوساط الإسلاميين الصوماليين من المتطوعين الأجانب. ومختار روبو، وهو قاتل مع طالبان في أفغانستان، هو أرفع أعضاء التنظيم ممن غيّروا ولاءهم، وهو الحلقة الأخيرة من مشروع "تحويل" المتطرفين، وبريطانيا لعبت دوراً بارزاً فيه.
في 2006، التقيتُ بالشيخ شريف أحمد، وهو إسلامي بارز في اتحاد المحاكم الإسلامية في مقديشو بعد أيام على سيطرة الإسلاميين على العاصمة الصومالية.وهو شغل لاحقاً منصبَ رئاسة الحكومة الصومالية. وقابلتُ كذلك الشيخ حسن ضاهر أويس (عويس)، وكان يومها على لائحة الحكومة الأميركية للإرهابيين.وهو انشق عن الشيخ شريف، وصار المرشد الروحي "للشباب". وهو اليوم كذلك في مقديشو ويعمل في السياسة. وأخذ الشيخ شريف عدن هاشي آيرو تحت جناحه، وهو شاب حضوره مقلق. وزعم الأميركيون أنه ملازم أسامة بن لادن في القرن الأفريقي وقتلوه في ضربة جوية قبل عامين. يومها، كانت ثمة مؤشرات إلى انقسام مستقبلي في صفوف الإسلاميين. فالشيخ أويس دعم روبو في وجه القاتل أحمد عبدي غودان. وإثر الخلاف المرير، لجأ روبو إلى عشيرته، الرحنوين. وبعدها اتصلت به الاستخبارات الغربية وأقنعته بالانشقاق في 2017. وروى أحد المطلعين، وهو ضابط بريطاني سابق، على عملية إخراج القوات الأميركية الخاصة روبو أثناء تطويق "الشباب" له. وفي وقت لاحق، شنت عملية ثانية سريعة لإخراج زوجاته وأسرته. "إذا كان مصير شخص عالي المرتبة مثله هو الاعتقال، فماذا سيكون مصير أمثالنا؟"، يسأل توفيق. "نأمل في أن تهدأ الأمور، ربما حينها يمكن القبول بعودة أمثالنا".
في الأسبوع التالي، وقع الهجوم على مجمع الفندق في نيروبي شُنت خلاله عمليات انتحارية وقنابل وإطلاق نار، وشن الهجوم جهاديون مرتبطون بـ"حركة الشباب". وتلا العملية هذه ضربات جوية أميركية في الصومال، وأردت هذه العمليات 52 مقاتلاً. وفي دوامة الموت هذه، فرص السلام ضعيفة. فالجهاد قد يعلن في أي وقت. ويبدو أن مصير ياسر وتوفيق وأمثالهم مجهول وقاتم.
© The Independent