تظن السلطات الإيرانية وأتباعها في العراق أن البطش الشديد بالشباب المتظاهرين سلمياً لنيل حقوقهم وتحقيق سيادة وطنهم، هو السبيل لإخماد جذوتهم وإطفاء شعلتهم، ليستتب الأمر ويستقر الوضع لمواصلة مشروعهم السياسي العنصري المُغلف سطحياً بالإسلام.
بيد أن حكام إيران يعلمون ويدركون خطورة ما فعلوا من قمع وقتل واعتقال، فسقوط آلاف الشباب العراقي بين قتيل وجريح، هم شيعة ليسوا سنَّة لتوجه إليهم التُهم الجاهزة كدواعش أو بعثيين أو عملاء السعودية. لذلك تحت ذريعة حماية الزوار الإيرانيين لأربعينية الإمام الحسين، التي تصادف في 19 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي في مدينة كربلاء، أرسلت قواتها الشرطيَّة والعسكريَّة.
إذ أعلن قائد القوات الخاصة لقوى الأمن الداخلي الإيراني العميد حسن كرمي، في مقابلة مع وكالة "مهر" الحكومية بتاريخ 7 أكتوبر 2019، إن "أكثر من 10 آلاف من أفراد القوات الخاصة يتولون مسؤولية حماية مراسم الأربعينية بشكل مباشر". وكشف أيضًا، إن 30 ألف شرطي يشاركون في حماية المسيرات الممتدة من إيران إلى داخل العراق. واعترف كرمي قائلاً، "نقوم بعمل استخباراتي قوي للغاية، ولدينا عناصر في الحشود للسيطرة على الوضع".
وقبل ذلك، أعلن المتحدث باسم الحرس الثوري الإيراني، العميد رمضان شريف، في حديث لإذاعة الأربعين الإيرانية "إن قوات فيلق القدس، التابع للحرس الثوري والحشد تتوليان الحفاظ على سلامة زوار مراسم الأربعينية في العراق".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بلا ريب، وجود القوات الإيرانية داخل الأراضي العراقية لأسباب عديدة منها:
أولاً: إخماد انتفاضة الشباب العراقي الذي ندد في تظاهراته واحتجاجاته بالوجود الإيراني المهيمن على البلاد. والخطورة التي يخشاها نظام المُلالي، إن الشباب الغاضب هم من الشيعة، وإنهم انتقلوا من المطالب إلى الأهداف، أي من مشكلات البطالة والفساد والخدمات... إلخ، إلى تحقيق السيادة الوطنية والوجود العراقي والمستقبل للشعب والبلاد.
ثانياً: إن تظاهرات اليوم هي امتداد لتظاهرات الأمس بمعناها الشمولي للعراقيين، فما جرى سابقاً في المحافظات ذات الأغلبية السُّنية، تجري حالياً في المحافظات ذات الأغلبيَّة الشيعيَّة، والأهداف الوطنيَّة والاجتماعيَّة واحدة.
ثالثاً: إن تأكيدات الشباب المتكررة، إنهم ليسوا تابعين لأي جهة سياسيَّة أو دينيَّة أو غيرها، ولم يُعلن من داخلهم عن أي قيادة معينة، وهذا يعني عفويَّة وطبيعيَّة الحراك الشبابي، التي هي عُرضة للانفجار الاحتجاجي المتوالي، طالما مسبباتها كانت موجودة.
رابعاً: تُبين إيران لدول الإقليم وللعالم، أنها القوة المسيطرة على زمام الأمور في العراق، سواء أكان بشكل مباشر أو غير مباشر. فما لا يستطيع تنفيذه أتباعها تقوم هي بتأديته، وكالعادة، تحت مسميات وذرائع تخص المذهب الشيعي، التي نصبت نسفها حامية عليه في العالم.
إن انتفاضة الشباب الغاضب لن تنطفئ، فدماء الضحايا التي سالت وسقت تربة الآباء والأجداد، لا تذهب سدىً بل تبقى نبراساً ينير الدرب حتى يتحقق على أرض الرافدين الأهداف، التي زُهقت الأرواح في سبيلها. فالعراق يشهد فصلاً جديداً من فصول كفاحه ونضاله ضد الغزاة الدخلاء والعملاء.
إرسال بعض القوات من الوحدات الخاصة التابعة لقوى الأمن الداخلي الإيراني إلى العراق كونها متخصصة في مواجهة الاحتجاجات، التي تعاملت مع التظاهرات والاحتجاجات التي عمت معظم المُدن الإيرانية بين أواخر 2017 وأوائل 2018، واستطاعت تفتيتها وإنهائها. لن يجدي نفعا، وعلى الحكام أن يعوا حقائق التاريخ عموماً، وما يتعلق بالعراق خصوصاً، وإن حرب الثماني سنوات (1980-1988) التي تجرع فيها الخميني السّم ليست ببعيدة.
عندما ينتفض شباب العراق ويكسر القيد وينتفض بوجه إيران، وما يترتب على ذلك من أبعاد خلقتها مرجعيَّاتها الدينيَّة من قدسيَّة تفرض بها وجودها الروحي على الواقع الزمني، لكي تتحكم أو تؤثر فيه وفق مصالحها وغاياتها الخاصة على العامة، فإن الجيل الصاعد أبدى تحرره من هذه الوضعيَّة، التي تمنعه من الخروج والتحدي بحجج تثبط عزيمته وتبعثر إرادته، من أهمها: الحفاظ على وحدة المذهب، وديمومة الحُكم الشيعي، وعدم المساس بالرموز الدينية.
وبناءً على المنطق الشبابي الجديد الذي لم يهب الموت، وجابهوا بأجسادهم المجرّدة زخات رصاص الرشاشات، وطلقات القناصات، ودهس السيارات، وسقوط القنابل والقذائف، فإن دخول القوات الإيرانيَّة يعني حدوث مجازر قادمة في العرب الشيعة، كما جرى في الماضي القريب بحق العرب السُّنة، فالحكام الإيرانيون يستهدفون العراق أرضاً وشعباً.
لكن مهما عملت وحاول المسؤولون الإيرانيون استقدام قوات لقتل الشباب العراقي، فإنّما يسارعون أكثر بتأجيج المواجهة والتحدي التاريخي، التي تنتهي لصالح العراقيين، كونهم جزءاً من أمة عربية لها القدرة على الاستجابة لتحديات المخاطر وتجاوزها بالتغلب عليها.