لم تكتفِ الإدارة الأميركية بتشديد العقوبات الاقتصادية على طهران، ورفع مستوى الحصار الاقتصادي الذي أدى إلى رزوح النظام الإيراني في أزمة مالية خانقة تأمل الولايات المتحدة في أن تحدَّ من التصرفات الطائشة التي تمارسها طهران تجاه حلفائها في منطقة الخليج.
وفي سياق الرسائل الواضحة التي يوجّهها المسؤولون الأميركيون إلى طهران للكف عن ممارساتها المزعزعة لاستقرار المنطقة، خرج وزير الطاقة الأميركي ريك بيري أمس السبت 26 أكتوبر (تشرين الأول) ليؤكد مضي بلاده قدما في إطار محادثات البرنامج النووي مع السعودية التي من المتوقع أن تسفر عن صفقات لبناء مفاعلات نووية بين الرياض وواشنطن تعيد تسليط الأضواء مجددا على سباق التسلح النووي بالمنطقة.
وزير الطاقة ريك بيري الذي باتت أيامه معدودة على رأس أحد أهم المحرّكات الرئيسة للاقتصاد الأميركي، أوضح بأن بلاده تبذل كل ما بوسعها لضمان توفر إمدادات النفط العالمية، مع عدم التدخل في سياسات منظمة الدول المصدرة للنفط، حسبما نقلته وكالة رويترز.
وكشف بيري في شهر مارس (آذار) الماضي بأنه وافق على ستة تراخيص سرية لشركات أميركية تسمح لها ببيع تكنولوجيا الطاقة النووية للسعودية، بعد جدل صاحب التحفظ الأميركي على الإفصاح عن سرية الموافقات التي حظيت بها "سبع" شركات محلية حسب توضيح وزارة التجارة الأمريكية لاحقا، لتقديم المساعدة للسعودية في قطاع الطاقة النووية.
موافقة بيري المعروفة باسم تفويضات الجزء 810 تسمح لهذه الشركات بالقيام بأعمال أولية بشأن الطاقة النووية، ولكن ليس شحن المعدات التي ستذهب إلى المصنع، وفقا لما ذكره مصدر مطلع لـ"ديلي بيست"على الاتفاقيات بشرط عدم الكشف عن هويته.
6% من اليورانيوم عالميا في السعودية
من جانبه، يعتقد الباحث في شؤون الطاقة عبدالعزيز المقبل، بأن مجهودات السعودية تعبّر عن عزمها على تنويع خليط الطاقة المحلية للمملكة باستخدام الموارد غير الهيدروكربونية، مشيرا إلى تميز الحكومة السعودية في مجال الملف النووي ونيتها في تطوير سلسلة القيمة الكاملة بدءًا بالاستكشاف والإنتاج للمواد المشعة التي تقف على رأسها اليورانيوم، ثم معالجة المواد المشعة وبناء، وتطوير المفاعلات النووية ثم ربطها بالحاجة للاستخدامات المتعددة.
وألمح المقبل إلى رغبة وزير الطاقة الأميركي في أن تحصل بلاده على نصيب من التطلعات المستقبلية السعودية لاسيما مع أسواق الطاقة المحلية الواعدة، والقابلة للنمو المتصاعد استهلاكيا وتصنيعي
السعودية التي تمتلك وفقا للإحصاءات الجيولوجية المبدئية 6 إلى 8 % من مخزونات اليورانيوم في العالم قد يتطلب توسعها في مجال الملف النووي أكثر من مجرد توفر المواد الأساسية، وبحسب المقبل فإن المملكة عازمة على المضي في تطوير هذا القطاع الحيوي الذي يفسح المجال لاستخدام الموارد الهيدروكربونية لاستخدامات أثمن من استخدامها في إنتاج الطاقة.
الرد بالمثل على النووي الإيراني
بدورها لا تتوقف السعودية عن الإيمان بأنه لا تفاوض على أمنها واستقرارها، ومن منطلق ذلك واصلت سعيها لتعزيز إمكاناتها النووية، إذ شددت التصريحات التي يطلقها كبار مسؤوليها على قطعية امتلاك السعودية سلاحا نوويا لو امتلكت إيران قنبلة نووية، وهذا ما أعلنه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي يعد الرجل الثاني في الحكومة السعودية مؤكدا في مقابلة مع شبكة قنوات CBS الأميركية العام الماضي أن المملكة ستقوم بشكل فوري بتطوير قنبلة نووية إذا فعلت إيران ذلك، في إرادة واضحة تفصح عن الجاهزية السعودية لصدّ الاعتداءات الإيرانية التي ينفذها وكلاء إيران في المنطقة، ومن المؤكد أن التأهب السعودي لردع العدوان الإيراني قد بلغ أعلى مستوياته مع استهداف منشأتها الحيوية في بقيق وخريص شرق البلاد التي تعرضت إلى أضرار بالغة بعد الهجوم بطائرات درونز وصواريخ كروز، كما أن الرغبة السعودية في تملّك قنبلة نووية ليست وليد الاعتداء الأخير أو عجز الاتفاق النووي عن ردع إيران، وإنما شدد عليه منذ سنوات كبار مسؤوليها في الخارج حيث أكد الأمير تركي الفيصل عام 2011، وهو الذي شغل منصب رئيس الاستخبارات العامة، وسفير بلاده لدى أميركا أن بلاده ستمتلك سلاحا نوويا في حال امتلكت طهران ذلك.
وتلا تراجع إيران عن نقل اليورانيوم لروسيا قبل أربعة وعشرين ساعة من انتهاء المهلة المحدّدة للإتفاق في 30 مارس(آذار) 2015، إعلان السفير السعودي لدى واشنطن عادل الجبير الذي يشغل حاليا وزير الدولة للشؤون الخارجية، في حوار على CNN الأميركية أن السعودية ستبني برنامجها النووي الخاص، وستصنع قنبلة نووية لمواجهة طموحات إيران النووية.
كما عبّر السفير السابق لدى بريطانيا الأمير محمد بن نواف عن استعداد المملكة لتطوير برنامجها النووي إذا لم تتوقف إيران عن تطوير قنبلتها النووية، مشيرا إلى أنه في حال عدم الحصول على التأكيدات التي تضمن عدم سعي إيران للحصول على هذا النوع من الأسلحة، فإن كل الخيارات مطروحة على الطاولة بالنسبة للسعودية.
الطاقة النووية... هاجس سعودي
وتولي السعودية التسلح العسكري أهمية استراتيجية ملحّة إلى جانب إبرام الاتفاقيات التي تتضمن تفاهمات في مجال الطاقة النووية، ومن ضمنها الصفقة السعودية الصينية في العام 1990 التي شملت بيع 60 صاروخ باليستي متوسطة المدى قادر على حمل رؤوس نووية، كما أشارت تقارير صحفية إلى أن الصين قدّمت للسعودية عرضا لشراء أنظمة صواريخ حديثة.
وتوّجت المباحثات البنّاءة التي قادها مسؤولو الطاقة السعوديون مع الجانب الكوري الجنوبي والتي استمرت لأربع سنوات تخللها توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم تمهيدية في مجال تطوير وتطبيق الطاقة النووية بالتعاون مع كوريا الجنوبية، اتفاقا مشتركا جعل للدولة الآسيوية نصيبا جيدا من الطموحات السعودية، حيث وقعا في الرياض عام 2015 اتفاقية لبناء مفاعلين نوويين تبلغ قيمتها ملياري دولار أميركي، ومدتها عشرون عاما، ويشمل الاتفاق أيضا التعاون في الأبحاث والتطوير والبناء والتدريب، على أن تمتلك السعودية بحلول 2030 تمتلك 16 مفاعل نووي.
وأثمرت زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى روسيا في العام نفسه اتفاقا مشتركا بحضور بوتين يضمن بناء 16 مفاعل نووي للأغراض السلمية وسيكون لروسيا الدور الأبرز في تشغيل تلك المفاعلات، بالاضافة الى اتفاقية تعاون في مجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية.
طموح الرياض يقابل بتلهّف أميركي
السعودية وقعت كذلك مع الولايات المتحدة الأميركية مذكرة تفاهم لبناء برنامج نووي مدني في عام 2008 يندرج تحت برنامج "الذرة من أجل السلام" ، ويبدو أن معظم الدول التي أحرزت تقدما ملحوظا في مجال الطاقة النووية تسعى إلى كسب الود السعودي، حيث إن التسهيلات الأخيرة التي قدمتها الإدارة الأميركية لشركاتها المحلية السبع عبر الموافقة على تراخيص سرية تخوّل الأخيرة بيع تكنولوجيا الطاقة النووية للسعودية، عكست سعي إدارة ترمب بهدوء إلى إبرام صفقة أوسع حول تقاسم تكنولوجيا الطاقة النووية الأميركية مع الحكومة السعودية الطامحة في تطوير إمكاناتها النووية، إذ تشمل الصفقة التي تنافس عليها عدة دول من بينها الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية وروسيا بناء محطتين للطاقة النووية على الأقل تطمع السعودية من خلالهما في تطوير قدراتها النووية لمواجهة برنامج إيران النووي إذا لم يُردع من قبل الدول العالمية.
وكانت الإدارة الوطنية للأمن النووي التابعة لوزارة الطاقة الأميركية أوضحت في الوثيقة أن الشركات "السبع" وفق توضيح لاحق من وزارة التجارة طلبت من إدارة ترمب الحفاظ على سرية الموافقات، وقالت الوكالة: "في هذه الحالة، قدمت لنا كل من الشركات التي حصلت على ترخيص محدد من أجل السعودية طلبًا كتابيًا لحجب الموافقة عن النشر العام".