إذا كان هناك أمر يتفق عليه جميع الناس، بمن فيهم السياسيون والخبراء والمحللون والإعلاميون، فهو أن العالم سيستمر بإنتاج المزيد من القمامة والنفايات. وقد يغيب عن البعض أن التخلص من النفايات مكلف للغاية، لدرجة أنه أحد التكاليف الأساسية لأي بيت أو منشأة في الدول الغربية وغيرها.
إنتاج الطاقة من النفايات هو أحد الحلول الناجعة للتخلص منها، وتخفيف التلوث البيئي والتقليل من انبعاثاث غازات الاحتباس الحراري، وإنتاج الطاقة محليا.
وهناك طريقتان لإنتاج الطاقة من النفايات: الحرق المباشر، وإنتاج الميثان من مكبات النفايات، بالإضافة إلى إنتاج الميثان من روث الحيوانات.
الحرق المباشر
أنشأ العديد من الدول والمدن محطات لتوليد الكهرباء أو الحرارة عن طريق الحرق المباشر للنفايات الصلبة.
ففي فيينا، أصبحت محطة "سباتيلو" معلما من معالم المدينة بسبب مدخنتها الشاهقة، التي تبدو كمنارة جميلة، أو برج شاهق ذي لونين: الفضي والذهبي، حيث تم تحويل المحطة كلها إلى قطعة فنية، تتناسب مع سمعة فيينا. وتقوم هذه المحطة بحرق 250 ألف طن من نفايات القطاع السكني كل سنة، التي ينتج عنها 120 ألف ميغاواط-ساعة من الكهرباء، و500 ألف ميغاواط-ساعة على شكل تدفئة مركزية، و6 آلاف طن من الحديد الذي يمكن إعادة تدويره، ويستفيد منه 60 ألف بيت في فيينا في التدفئة.
أما في أوساكا باليابان، فتبدو محطة "مياشيما" لتوليد الطاقة من النفايات وكأنها إحدى مدن ملاهي الأطفال، ويأتي السياح من أنحاء العالم لرؤيتها. المحطة تحرق 330 ألف طن من النفايات الصلبة سنوياً، وقدرة إنتاجية تقدر بـ32 ألف كيلوواط من الكهرباء. وهناك العشرات من المحطات المماثلة في اليابان، إلا أنها لا تقارن بجمال محطة "مياشيما".
أما محطة فانكوفر في كندا فتحرق 260 ألف طن من النفايات سنويا، وتولد كهرباء تكفي لـ16 ألف بيت. وتحقق البلدية إيرادات قدرها 8 ملايين دولار كندي سنويا من مبيعات الكهرباء و300 ألف دولار من بيع الحديد والمعادن الأخرى.
ومحطة "لوجانج زن" في شنغهاي في الصين من أكبر المحطات في العالم التي تحول النفايات الصلبة إلى طاقة حيث تحرق مليون طن من النفايات في السنة، بطاقة قدرها 60 ألف كيلوواط من الكهرباء.
وهناك عشرات المدن العالمية التي لديها محطات مماثلة في العديد من الدول الصناعية.
والآن نأتي إلى الشارقة، حيث يتم حالياً بناء محطة لجمع النفايات الصلبة وتحويلها إلى طاقة في محطتها لتحويل النفايات إلى طاقة بقدرة 30 ميجاواط تكفي لتزويد 28 ألف بيت بالكهرباء. وسيتم معالجة 300 ألف طن من النفايات سنويا، حيث يسهم المشروع في تفادي الشارقة إرسال أي نفايات صلبة إلى المكبات بحلول 2021 .
والمشروع هو ثمرة تعاون بين شركتي "مصدر" و"بيئة". ولعل من أهم فوائده أنه سيوفر 45 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، وهي كميات كانت ستحرق لتوليد الكهرباء إذا لم يتم بناء هذا المشروع. وسيتم تحويل هذه الكميات إلى القطاع الصناعي لاستخدامه كلقيم يخلق قيمة مضافة أكثر بكثير من حرقه في محطات الكهرباء. كما أن المشروع سيخفف من انبعاث غازات الاحتباس الحراري بشكل كبير.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فوائد مشروعات تحويل النفايات الصلبة إلى طاقة
منافع اقتصادية: النفايات تحتاج إلى أراضٍ كبيرة، وتجهيز مكبات النفايات مكلف حيث تصل تكاليف تحضير مكبات النفايات الكبيرة إلى أكثر من 500 مليون دولار. كما أن شحن النفايات برا وبحرا إلى مناطق أو دول بعيدة للتخلص منها مكلف أيضا. فإذا تم مقارنة هذه التكاليف بتكاليف بناء محطة لحرق النفايات وتوليد الطاقة منها، نجد أن هناك وفورات كبيرة.
ومن ضمن الفوائد الاقتصادية عوائد بيع الكهرباء والمياه الساخنة والمعادن (السكراب أو الخردة). وفي حالة البلاد المنتجة للنفط والغاز، فإن استخدام النفايات في توليد الكهرباء يعني توفير كميات من النفط والغاز للتصدير بدون أي تكاليف إضافية، أو استخدامها في مجالات تدر قيمة مضافة أكبر مما لو تم حرق النفط والغاز لتوليد الكهرباء.
منافع بيئية: لا شك أن حرق النفايات يولد غاز ثاني أكسيد الكربون وبعض الغازات الأخرى، إلا أنه لو نظرنا إلى صافي الغازات المنبعثة من البداية للنهاية لوجدنا أن مشروعات تحويل النفايات إلى طاقة صديقة للبئية. مثلا، من أهم الغازات المنبعثة من النفايات غاز الميثان، الذي يعد أخطر من غاز ثاني أكسيد الكربون بكثير. كما أن غاز ثاني أكيد الكربون الناتج عن الاحتراق أقل من حالة نقل النفايات إلى دول أخرى برا وبحرا، حيث إن الغازات المنبثقة عن عودام الشاحنات والسفن أكبر بكثير. ومن المنافع البيئة أن كمية الغازات الناتجة عن الاحتراق أقل من كمية الغازات الناتجة عن حرق الفحم أو النفط لتوليد كمية الكهرباء نفسها.
منافع سياحية: في بعض الأماكن، مثل محطة "مياشيما" في أوسكا في اليابان، إذ حولت المحطة إلى قطعة فنية ومعلم سياحي يؤمه السواح من كافة أنحاء العالم، الأمر الذي نشط المنطقة التي فيها المحطة اقتصادياً، مع أنها في الأصل أبعد ما تكون عن كونها قبلة للسياح.
إنتاج الميثان
تنتج النفايات التي توضع في مكبات النفايات كميات كبيرة من الميثان نتيجة تحللها. والميثان من أخطر غازات الاحتباس الحراري. لذلك يتم التخلص منه بأحد طريقتين، الأولى: وضع أنابيب عمودية من قلب المكب إلى سطحه وحرق الميثان. لهذا نرى في بعض الدول والولايات الأميركية شعلات نار متعددة تنير بعض الهضاب ليلا. هذه الهضاب ليست إلا مكبات نفايات. أما الثانية، بدلا من حرق الغاز، يتم تمديد أنابيب إلى محطة كهرباء مجاورة للاستفادة من الغاز، أو إلى مصنع مجاور لتسخين الماء أو أي أشياء أخرى. مثلا، أحد أكبر مكبات النفايات في ولاية جورجيا الأميركية يبيع غاز الميثان إلى مصنع مجاور ينتج أطعمة للكلاب والقطط، حيث يستخدم الغاز من مكب النفايات في طبخ طعام الحيوانات.
إن عدم التعامل بشكل صحيح مع غاز الميثان في مكبات النفايات لا يؤدي إلى كارثة بيئية فقط، وإنما قد يؤدي إلى كارثة كبيرة بسبب الانفجارات والحرائق والانهيارات، وهو أمر حدث في عدة مدن عربية، وغير عربية. من هنا نجد أن الموضوع ليس عوائد مالية فقط، وإنما تجنب كوارث كبيرة، قد تؤدي إلى خسائر في الأرواح والممتلكات.
روث الحيوانات
روث الحيوانات فرصة استثمارية ضائعة في عدد من الدول العربية. ففي مزارع الأبقار والخنازير الأميركية، وعدد من الدول الأوروبية، يتم تجميع روث الحيوانات في حفرة كبيرة، ويتم خلطه بالماء وبعض المواد المحفزة على التخمر، وينتج عن ذلك غاز الميثان، الذي يجمع ويباع لمحطة الكهرباء القريبة، أو يتسخدم في المزرعة نفسها إما لتوليد الكهرباء محليا أو لتسخين الماء.
خلاصة القول، مشروعات استخدام الطاقة من النفايات تحقق أهدافا اقتصادية وبيئية عدة، إضافة إلى خدمة المجتمع. وهناك القليل من المشروعات التي تحقق مثل هذه الأهداف مجتمعة.