صوّت مجلس النواب الأميركي على جعل التحقيق الخاص بعزل دونالد ترمب رسمياً، وهي الخطوة التي تمهد لعقد جلسات استماع علنية للمسؤولين بعد أسابيع من إجراءات تمت خلف أبواب مغلقة وأسفرت عن تقديم شهادة دامغة ضد الرئيس.
وفي كلمة ألقتها قبيل التصويت التاريخي، وصفت نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب القضية التي تواجه الكونغرس بعبارات قاسية، قائلة إن "تأكيد الرئيس على أن الدستور يوفر له هامشاً للقيام بما يريد، يشكّل تهديداً وجودياً للجمهورية." وأضافت وهي تقف قرب علم الولايات المتحدة إن "هذه المناسبة جليلة. أشك في أن أحداً في هذا المكان أو أي شخص تعرفونه قد يأتي إلى الكونغرس لعزل رئيس الولايات المتحدة، ما لم تكن أفعال الرئيس تهدّد ما أقسمنا عليه عندما انتُخبنا."
وفيما كان التصويت جارياً في الكونغرس، صادف أن أحد كبار خبراء الرئيس ترمب في الشأن الروسي، كان يدلي بشهادته خلف أبواب مغلقة أمام إحدى اللجان التي تقود التحقيق المتعلق بالعزل. وتردد أن تيم موريسون، وهو موظف في مجلس الأمن القومي، كرّر ما قاله وليَم تايلور كبير الديبلوماسيين الأميركيين في أوكرانيا، بأن ترمب بدا أنه يسعى إلى الحصول على مقايضة، من خلال مطالبة الحكومة الأوكرانية في كييف بالإعلان عن التحقيق في أعمال جو بايدن أحد أبرز المرشحين لمواجهته في الانتخابات الرئاسية السنة المقبلة في الولايات المتحدة. لكنه أخبر المحققين أيضاً أنه لا يعتبر هذا الجهد غير قانوني أو غير لائق، إنما مجرد سياسة خارجية سيئة.
وتأتي موافقة مجلس النواب الأميركي على القرار بعد أسابيع من شكاوى قدّمها "الجمهوريون" الذين اعتبروا أن "الطبيعة السرية لجلسات الاستماع الأولية كانت غير منصفة لترمب." وجادلوا أن الرئيس الأميركي لم يٌعامل قانونياً حسب الأصول في خريطة الطريق الإجرائية التي وضعها "الديمقراطيون." وذكّروا بأن تحقيقات العزل السابقة ولا سيما منها تلك التي أجريت مع الرئيسين السابقين الديموقراطي بيل كلينتون والجمهوري ريتشارد نيكسون، أتاحت لهما فرصاً أكبر للدفاع عن نفسيهما.
وأُقرت الإجراءات بفارق حوالي أربعين صوتاً إذ كانت نتائج الاقتراع 232-196. وإذ لم يخرق أي نائب جمهوري وحدة الصف ويصوت لصالح مواصلة الإجراءات، فقد انضم اثنان من الديمقراطيين إلى الكتلة الجمهورية المتراصة كسور واقي.
وجادل الديموقراطيون بأن التحقيق المتعلق بالعزل، مع التصويت أو من دونه، يقع ضمن صلاحياتهم الدستورية. وأكدوا أن جلسات الاستماع الأولية هي مجرد بداية لما سيليها. وقالت بيلوسي الخميس الماضي إن عمل محققي مجلس النواب قد شجّعهم على فتح تحقيق رسمي في مسألة العزل، واستبعدت ما قيل عن أن ضغط الجمهوريين هو الذي دفع بها إلى المضي في إجراءات العزل.
وذكرت بيلوسي "كان علينا أن نجمع الكثير من المعلومات التي من شأنها أن تنقلنا إلى الخطوة التالية،". وجاء ذلك في معرض تعليقها على القرار الذي تعتبر أنه يحدّد مسار إدخال مواد المساءلة وجلسات الاستماع المفتوحة والإجراءات التي يمكن من خلالها للرئيس ومحاميه الرد على الأدلة المقدّمة.
وأضافت في وقت لاحق أنه "يجب على كل عضو دعم مبدأ السماح للشعب الأميركي بالاستماع إلى الحقائق بنفسه. وهذا هو حقا جوهر التصويت. إنه يتعلق بالحقيقة. وما لذي على المحك؟ لتجيب " إن ديموقراطيتنا نفسها على المحك في كل ما يجري."
وبعد تصويت المجلس، غرّد الرئيس ترمب غرّد على "تويتر" قائلاً "هذا الأمر هو أكبر مطاردة للساحرات في التاريخ الأميركي." أما البيت الأبيض فسارع إلى الردّ مباشرة بعد التصويت على الإقالة، برسالة تشير إلى أن مسؤوليه لا يعتقدون أن "المضي رسمياً في التحقيق يجعل الإجراءات عادلة، كما يزعم الديموقراطيون."
واعتبر بيان البيت الأبيض أن "الرئيس لم يرتكب خطأ، وأن الديموقراطيين يعرفون ذلك." وقال إن "الهوس المشوّش من جانب نانسي بيلوسي والديموقراطيين بإجراء مساءلة غير شرعية، لا يلحق الأذى بالرئيس ترمب، بل بالشعب الأميركي".
وأضاف "بتصويت اليوم، لم تفعل رئيسة مجلس النواب بيلوسي والديموقراطيون سوى اعتماد انتهاكات غير مقبولة للإجراءات القانونية كجزء لا يتجزأ من قواعد مجلس النواب. عقدت رئيسة المجلس والرئيس آدم شيف والديموقراطيين اجتماعات سرية خلف الأبواب المغلقة، مان دون أن يسمحوا للإدارة بالمشاركة. والآن صوتوا على المضي في جولة ثانية من جلسات استماع ما زالت غير قادرة على توفير أي معاملة قانونية حسب الأصول للإدارة. ما يريده الديموقراطيون هو إصدار حكم من دون إعطاء الإدارة فرصة لتقديم دفاعها. هذا غير عادل وغير دستوري وغير أميركي أساسا."
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في وقت سابق، لم يتمكن البيت الأبيض من الوصول إلى جلسات الاستماع المغلقة، إلا من خلال ملخّصات وإحاطات قدمها الجمهوريون المشاركون في اللجان التي كانت تعقد جلسات الاستماع.
وكان مجلس النواب قد بدأ التحقيق في قضية العزل بعد ممارسة الرئيس ضغوطاً واضحة على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في سبتمبر (أيلول) الماضي، بعدما كشف أحد المخبرين عن تلك المخالفات معرباً عن القلق من أن ترمب استخدم صلاحياته بشكل غير لائق من موقعه رئيساً من أجل الدفع في اتجاه إجراء تحقيق مع جو بايدن منافسه المحتمل في الانتخابات الرئاسية في 2020.
ورداً على الاتهام، أفرج البيت الأبيض عن نسخة تقريبية للمكالمة الهاتفية التي أجراها الرئيسان في يوليو (تموز) الماضي، ويبدو فيها أن ترمب يشير إلى أن المساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا مشروطة بإجراء مثل هذا التحقيق. وادّعى البيت الأبيض أنه لم تكن هناك في المكالمة مقايضة واضحة وصريحة في هذا المعنى.
لكن جلسات الاستماع المغلقة كشفت، شيئاً فشيئاً وبوتيرة ثابتة، عن معلومات مؤذية تشير إلى أن ترمب سعى في الواقع إلى تحقيق مصلحة سياسية شخصية باستخدام الموارد المالية الأميركية. وأظهرت شهادات قدّمها ديبلوماسيون أميركيون رفيعو المستوى، أن القنوات الديبلوماسية العادية قد همُّشت في جهد منسّق قاده المحامي الشخصي للرئيس الأميركي، رودي جولياني، بغية إجبار الرئيس الأوكراني زيلينسكي على فتح التحقيق المطلوب.
وشمل هذا الجهد مؤامرة واضحة لطرد الديبلوماسية ذات الباع الطويل ماري يوفانوفيتش ، سفيرة الولايات المتحدة لدى أوكرانيا ، ومحادثات واضحة في ما يبدو بين تايلور وآخرين مفادها أن ترمب كان يطالب أوكرانيا بالإعلان عن تحقيق علني إذا كانت تريد فعلاً الحصول على مساعدات عسكرية أميركية.
© The Independent