لم يعد الحديث عن تطوّر قدرات حركة "حماس" في مجال السلاح أمراً سرياً، خصوصاً بعدما كشف رئيس الحركة في قطاع غزة يحيى السنوار، أن حوالى 70 ألف شاب من سكان غزة مستعدون لمواجهة أية عملية عسكرية إسرائيلية، ولديهم آلاف الكمائن والخطط التي ستوجع جيش تل أبيب.
وكان هذا الحديث الأول من نوعه، الذي تطرق إلى عدد مقاتلي الفصائل المسلحة في قطاع غزة، وبالعادة فإن أي خطاب لقيادات الحركة يحمل في طياته رسائل مختلفة تأخذها إسرائيل في الحسبان، وتجري عليها دراسات لتعد من خلالها خططها العسكرية.
وجاء حديث السنوار خلال لقاءٍ مع مجموعة من النخب الشبابية، نظمته "حماس" في إطار انفتاحها على سكان القطاع، بعد وثيقتها الجديدة التي أطلقتها عام 2017. وربط السنوار خطابه بالجانب العسكري ومدى تطوّر الحركة، وكانت نبرة حديثه حادة، وتحمل في طياتها رسائل عدة.
حلول إنسانية وعملية عسكرية
وباشرت "اندبندنت عربية" في تحليل خطاب السنوار، وفي عملية الاستعراض، ربط زعيم "حماس" الحلول الإنسانية ودعم فئة الشباب في قطاع غزة، بالجانب العسكري، ومدى تطوّر الفصائل المسلحة في هذا الاتجاه.
وقال حسن عبدو الباحث السياسي المتخصص في قضايا الشرق الأوسط، إن "ارتفاع وتيرة حديث السنوار يأتي رداً على التهديدات المتلاحقة من الجانب الإسرائيلي، بالاستعداد لشن ضربة عسكرية موجعة، وربما يكون رداً علنياً على الرسالة التي حملها مندوب الأمم المتحدة نيكولاي ملادينوف من إسرائيل، بأن "غزة جاهزة لصد أي عدوان جديد".
وقد يكون ذلك صحيحاً، خصوصاً أن بيني غانتس بعد تكليفه بتشكيل الحكومة الإسرائيلية، شرع في تهديد القطاع بضربة عسكرية كبيرة قد تصل إلى حد الاجتياح البري، وأنّه سينهي الخطر المحدق من غزة صوب مستوطنات الغلاف، وبدأ بتوجيه تعليماته بزيادة الحشد العسكري على الحدود وتشديد الحصار على غزة.
قدرات عسكرية
وتحدث السنوار في خطابه باسم كل الفصائل المسلحة، كاشفاً أن "عدد المقاتلين في القطاع يقدر بحوالى 70 ألفاً من الشباب، سيخرجون من باطن الأرض بمضادات دروع، وسيطلقون صواريخ ستحيل مدن إسرائيل إلى مدن أشباح"، وأنّهم يملكون مئات الكيلومترات من الأنفاق تحت الأرض، وآلاف الكمائن، وجميعها صنعت في غزة.
وفي تحليل ذلك، يوضح عبدو أن "الحديث باسم كل الفصائل المسلحة على ساحة غزة، يدل على كمية التوافق بين الأحزاب السياسية العسكرية"، وأن "قرار الذهاب لمواجهة عسكرية سيكون بمشاركة الجميع. أما الحديث عن حجم المقاتلين ومدى تطور السلاح، يكبح جماح الإسرائيلي ويجعله يعيد التقديرات بشأن أي عدوان جديد".
"حماس" الأكثر اعتدالاً
وبحسب مسؤولين ميدانيين، فإن حركة "حماس" باتت الأكثر اعتدالاً بين الفصائل المسلحة في وجهة نظرها المتعلقة بالاشتباك مع إسرائيل. وفي هذا الشأن، يؤكد عبدو أن "حماس عملت على ضبط الميدان وعدم السماح بالانجرار لتصعيد يرمي إلى الاحتواء للموقف السياسي، والدفع وراء حلول إنسانية لإنقاذ القطاع، وقرارها الذهاب إلى العدوان يعد أخر خياراتها المتاحة".
وفي سياق الحديث، قدم السنوار معلومات دقيقة حول مدى التطوّر الذي وصلت إليه الفصائل المسلحة، وفي مقدمه إعداد عشرات آلاف الكمائن لجنود الجيش الإسرائيلي، وتجهيز مضادات للدروع. وأوضح عبدو أن "هذه المعلومات لها أثمان كثيرة، ولا يمكن تقديمها مجاناً".
وبحسب عبدو فإنها تحمل ثلاث رسائل، الأولى "إشعار الإسرائيلي بوجود سلاح رادع قادر على الرد وتكبيد الخسائر"، والثانية تأكيد أن "هذا السلاح موجود يقيناً وليس مجرد حديث إعلامي"، أما الرسالة الثالثة فهي "ألا أثماناً ولا كوابح ولا حسابات في استخدام هذا السلاح، في حال تعرضت غزة لأي عدوان جديد".
"المعركة باتت قريبة"
وبالفعل، هدّد السنوار إسرائيل، بقدرته على ضرب تل أبيب مدة ستة أشهر متواصلة، برشقات صاروخية متتالية، تفوق أعدادها عشرات المرات، لما تعرضت له من قصف خلال عام 2014.
وتعليقاً على هذا الأمر، قال عبدو إن "أية عملية عسكرية مقبلة قد تكون طويلة، وعلى الرغم من تطور قدرات الفصائل المسلحة، إلا أن إسرائيل لديها قدرات عسكرية تستطيع أن تكبح قدرات فصائل غزة، كما أن لديها وسائل مختلفة في عملية مواجهة القطاع، ومن غير المتوقع أن يستمر أي عدوان على القطاع مدة ستة شهور، إلا إذا كان هناك اجتياح بري كامل".
وبناء على التقديرات العسكرية، ودراسة الميدان وتجهيزات الفصائل وتحركاتها، توقع محللون عسكريون أن تكون "المعركة قريبة، خصوصاً مع تشكيل حكومة جديدة بزعامة غانتس واستمرار تحريض نتنياهو". وبحسب المحللين، فإن إسرائيل هذه المرة جدية في تهديداتها لقطاع غزة.
"عدوان بمشاركة فصائلية"
وفي إطار ذلك، توقع عبدو أن تذهب الفصائل المسلحة إلى عدوان جديد بإجماع من كل الأطياف، لحل مشكلة استمرار الحصار، وهي المشكلة الأساسية التي ستفجر الوضع في غزة. وقد يكون الانفجار غير محدود الأفق، وسيؤدي إلى زعزعة الاستقرار ليس في غزة فحسب، وإنما المنقطة بأكملها".
وحول إمكانية القيام بعملية صفقة تبادل أسرى جديدة، نفى عبدو ذلك، كون "المؤشرات الميدانية كافة، لا توحي بأن هناك صفقة ناضجة"، مشيراً إلى وجود اتفاق داخلي، ولكن من دون تحديد معالمه.
واستعراض السنوار المعلومات في لقاء أمام فئة الشباب، يحمل رسالة مفادها بأن "هذه الفئة هي التي ستتحمل العبء الأكبر في المواجهة مع إسرائيل، على الرغم من انعدام الفرص أمامها"، وأن جيشه في القطاع من هذه الفئة التي ستقاتل إسرائيل.