"يظنني البعض غير فلسطينية، ربما إسرائيلية أو من أوروبا أو أي دولة أخرى، إذ يبدو الأمر للبعض مستهجناً وغريباً، فيبدأون بالتحدث معي بكلمات أجنبية، وعندما يعرفون أني عربية ينظرون لي بتساؤل: كيف أهلك بيسمحولك؟ ولكني بعد مدة اعتدت"، تروي ولاء، وهي فتاة تستخدم دراجتها الهوائية كوسيلة للعب الرياضة بالقرب من منزلها في إحدى قرى محافظة نابلس، التي يتسم سكانها بالمحافظة، واتباع العادات والتقاليد التي تتحكم ببعض ظروف حياة الناس بخاصة الفتيات.
في المقابل، هناك العديد من الفتيات اللواتي كسرن الحاجز المجتمعي، وبدأن باستخدام الدراجات الهوائية كوسيلة للتنقل من العمل وإليه، أو مكان الدراسة أو حتى للتجول والتعرف على المناطق السياحية والبيئية المختلفة في فلسطين. واستكمالاً لهذه المبادرات الفردية، انطلقت مجموعة شبابية قبل أربعة أعوام في مدينة رام الله بعنوان "فلسطين ع البسكليت"، بهدف تنظيم جولات داخلية وخارجية لمختلف الأعمار والفئات ذكوراً وإناثاً.
من هواية إلى مجموعة منظمة
يقول صهيب سمارة، مؤسس المجموعة، إنها بدأت بهواية فقط وكانت تضم خمسة شبان وفتاتين، بهدف ممارسة الرياضة والتعرف على المناطق المحيطة كنوع من التسلية، ومن ثم استمرت أعداد المشاركين بالتزايد، ما دفع صهيب إلى العمل على توفير دراجات هوائية بالأجرة، إضافة إلى توسيع نطاق المسارات، فأصبحت خارج رام الله، وما بين المدن وفي مناطق الأغوار والقرى البعيدة، وكانت طريق رام الله- أريحا بطول 65 كيلومتراً أولاها، بمشاركة ثلاث فتيات فقط.
لكن العدد سرعان ما ازداد لاحقاً. إذ يشير سمارة إلى أن نسبة الفتيات المشاركات وصلت إلى أكثر من النصف في إحدى المرات بمشاركة فلسطينيات وأجنبيات من محافظات الضفة الغربية والقدس كافة.
برامج تدريبية للفتيات
بعد ازدياد أعداد المشاركات وتوسع نطاق وجود "فلسطين ع البسكليت"، أسست المجموعة برنامجاً تدريبياً للفتيات اللواتي يردن تعلم قيادة الدراجات الهوائية، لمساعدتهنّ على كسر حاجز الخوف من ركوبها، ومن المجتمع المحيط أيضاً. وتوضح المدربة نعمه حسن أن هذا البرنامج عمل على تدريب ما يقارب 30 أنثى من مختلف الأعمار بدءاً من المراهقات وحتى 75 سنة، خلال ثلاثة أشهر، ويتم تطبيقه داخل حديقة عامة في رام الله، لأن وجود الناس فيها أقل، إضافة إلى غياب حركة السيارات التي قد تربك المتدربة.
وعن كيفية التدريب تقول نعمه إنه يتم استخدام معدات خاصة للتدريب، وملابس توضح للناس أن أمامهم مدربة ومتدربة، حتى يأخذوا حذرهم، إضافة إلى أنه يتم تعلم أبسط المهارات كاستخدام الفرامل وغيرها في البداية، ومن ثم الانتقال تدريجاً إلى التقنيات الأصعب نحو الاحتراف. وفي المراحل المتقدمة، تبدأ الفتاة بقيادة الدراجة في شوارع المدينة، بواقع جولتين أو ثلاثاً في الأسبوع، ولاحقاً تنضم إلى الفريق في الجولات الطويلة ذات الصعوبة الأعلى، خارج المدن التي تقام بشكل دوري في كل عطلة أسبوعية.
تقول دانا جعبري، وهي إحدى المشاركات، إن ثقافة استخدام الدراجات الهوائية أمر غائب في فلسطين ويكاد يكون الأمر مشابهاً في كل الدول العربية، هذا عدا عن اعتباره أمراً محتكراً للرجال لا يجوز للمرأة فعله، موضحة أنه يمكن تغيير هذه الصور إذا ما تم العمل بشكل مكثف على نشر الوعي المجتمعي بأهمية هذه الرياضة، وتأسيس مزيد من المبادرات والحملات التي تشجع على استخدام الدراجات الهوائية، إضافة إلى ضرورة التدخل الحكومي عبر تهيئة البنية التحتية لتكون صالحة للدراجات.
جولات تعريفية في المناطق المهمشة
أحد الأهداف الرئيسية لهذه المجموعة هو التعرف على فلسطين والمناطق المهمشة فيها وكسر نمط الحياة الروتينية اليومية، لذلك يتم تكرار الزيارة لها مرات عدة خلال العام. وخلال هذه الزيارات، كما أوضح الفريق، كان هناك تغير في نظرة سكان تلك المنطقة لممارسة هذه الرياضة، حتى أنه في بعض الأحيان باتوا يتصلون لدعوتهم مجدداً، إضافة إلى توثيق هذه المناطق ونشر المشكلات التي تعاني منها على وسائل التواصل الاجتماعي في محاولة لتوفير بعض متطلبات الحياة لهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما بالحديث عن التعليقات داخل المجتمع ومدى تقبله لقيادة الفتيات الدراجات الهوائية، فالأمر يعتمد على المكان ونمط الحياة فيه. ففي بعض المدن تطال التعليقات الفتيات المحجبات وغير المحجبات، وفي بعض المناطق يصل الأمر لسكب مياه استخدمت في الغسيل على أحد الدراجين كما حصل مع شاب كان مارّاً على دراجته الهوائية في إحدى القرى، ولكن في بعض الأحيان هناك هامش جيد من الحرية للفتيات والشبان معاً.
تعتبر سمر عبده بالي، وهي مقدسية تتوجه كل أسبوع تقريباً إلى رام الله للمشاركة في الجولات، أن هذه فرصة لها للتعرف على فلسطين، واستغلال الإجازة لممارسة الرياضة في الهواء الطلق، ولكن المشكلة التي تواجهها هي غياب قانون للدراجات الهوائية والمسارات والإشارات الخاصة، مما يشكل لهم عائقاً أثناء القيادة ما بين السيارات، خصوصاً في المسارات بين المدن.
أنشطة مجتمعية تطوعية
الدراجون في فلسطين لا تقتصر نشاطاتهم على تنظيم الجولات الرياضية والتعارفية، بل أيضاً تتضمن المشاركة في الفعاليات المجتمعية مثل التوعية بأمراض معينة، وسباقات الجري الخاصة بالأطفال والكبار، ومناسبات معينة، وفي بعض الأحيان "زفة العريس"، إضافة إلى أن جولاتهم تتضمن أموراً مختلفة مثل الطبخ على النار في الجبال، والبندورة المقلية، وتمارين لليوغا بالضحك.