اشتعلت الحركة الاحتجاجية في لبنان مجدداً بعد مقابلة تلفزيونية أجراها رئيس الجمهورية ميشال عون، مساء الثلاثاء، وطالب خلالها المحتجين بالعودة إلى منازلهم وقال إن مطالبهم قد سُمعت، محذراً من "نكبة" إذا ظلوا في الشوارع.
واستمرت عمليات قطع الطرقات، صباح الأربعاء، بينما لوحظت إشكالات متكررة بين المحتجين والجيش اللبناني، الذي يسعى إلى فتحها.
وقد هاجم مسلّح تردد أنه من أنصار عون المحتجين في بلدة جل الديب وأطلق الرصاص عليهم فأصاب عدداً منهم، فيما استطاع عدد من المواطنين السيطرة عليه وأبرحوه ضرباً وسلّموه إلى قوى الأمن.
وبدأ متظاهرون ظهر الأربعاء بالتجمع على الطريق المؤدي إلى القصر الرئاسي في بعبدا على مشارف بيروت، غداة مقتل متظاهر برصاص عسكري جنوب العاصمة، في حادثة أثارت غضباً واسعاً. وأفادت الوكالة الوطنية للإعلام، الرسمية، عن انتشار كثيف للجيش على طريق القصر بعد اتخاذ تدابير أمنية مشددة "تحسباً لأي طارئ".
وبالتزامن، يستكمل مدير دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية الفرنسية كريستوف فارنو جولته على القوى السياسية في لبنان، في مسعى فرنسي لإيجاد حل للأزمة، على الرغم من أن التطورات الأخيرة تشير إلى صعوبة هذه المهمة. فبعد لقائه مع رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط، الثلاثاء، التقى فارنو الأربعاء رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري، ووزير الخارجية جبران باسيل، الذي أبلغه بـ"وجوب عدم دخول أي طرف خارجي على خط الأزمة اللبنانية واستغلالها"، مؤكداً أن "مسألة تشكيل الحكومة هي مسألة داخلية، وقد وصلت إلى مراحل متقدمة وإيجابية".
وأضاف باسيل أن "لبنان ملتزم بمسار مؤتمر سيدر أيا تكن الحكومة المقبلة، وأن التحدي هو بالإسراع في تنفيذه وتطبيق الإصلاحات المنشودة، وهو ما يشكل استجابة لمطالب الناس".
والتقى فارنو رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي أكد أن "الأمن يجب أن يكون له الأولوية على كل شيء"، مجدداً المطالبة بـ"الإسراع في تشكيل حكومة جامعة قادرة على تحقيق امنيات اللبنانيين".
من جهة أخرى، دعا المنسق الخاص للأمم المتحد في لبنان يان كوبيش إلى إجراء تحقيق سريع في مقتل المواطن في منطقة خلدة الثلاثاء، مناشداً الأمن اللبناني تأمين الحماية للمحتجين السلميين والابتعاد عن استخدام القوة.
وقطع المتظاهرون طرقات حيوية منذ الصباح الباكر في وسط بيروت وعلى مداخلها، وفي نقاط عدة على الطريق المؤدي من بيروت إلى شمال لبنان، وفي طرابلس وعكار شمالاً والبقاع الغربي شرقاً. وأشعلوا الإطارات المطاطية احتجاجاً.
وفي محلة الشفروليه قرب بيروت، حصل تدافع بين متظاهرين قطعوا الطريق وعناصر من الجيش حاولوا فتحها بالقوة. ونقلت المؤسسة اللبنانية للإرسال مشاهد مباشرة تظهر عسكريين يضربون شاباً بأعقاب بنادقهم، قبل أن يتدخل متظاهرون لتهدئة الوضع.
وليلاً، بدأ محتجون بناء جدار على أوتوستراد نهر الكلب شمال بيروت، ضمن قطع الطرق احتجاجاً، لكن المحتجين أزالوه "رفضاً لبناء جدران بين اللبنانيين". فيما واصل آخرون تشييد جدار في طريق الناعمة جنوب بيروت.
وعاد المتظاهرون إلى أسلوب قطع الطرقات بعدما كانوا اتبعوا منذ الأسبوع الماضي أسلوب التجمع أمام المرافق العامة والمصارف ومنع موظفيها من الالتحاق بمراكز عملهم.
وأبقت المدارس والمصارف ومؤسسات عدة أبوابها مغلقة الأربعاء.
في الأثناء، أعلن اتحاد نقابات موظفي المصارف اللبنانية أن أعضاءه سيواصلون الإضراب حتى الخميس، ليمددوا التحرك الذي تسبب في إغلاق البنوك في جميع أنحاء البلاد.
ودعا الاتحاد إلى الإضراب بسبب مخاوف على سلامة موظفي البنوك، في الوقت الذي تجتاح فيه الاحتجاجات البلاد ويطالب العملاء بالحصول على أموالهم بعدما فرضت البنوك قيوداً جديدة.
أول ضحية للانتفاضة
وبدأ قطع الطرقات، الثلاثاء، من جسر الرينغ في وسط بيروت ثم تمدد إلى جل الديب ونهر الكلب والذوق وجبيل شمال بيروت وطرابلس عاصمة محافظة الشمال ومنطقة تعلبايا، إضافة إلى منطقتَي حاصبيا وكفرمان في الجنوب. تزامناً، حصل إطلاق نار في منطقة خلدة أدى إلى وفاة شخص قالت وسائل إعلام محلية أنه يُدعى علاء أبو فخر وهو عضو في بلدية منطقة الشويفات وينتمي إلى الحزب التقدمي الاشتراكي. وذكرت معلومات أن مُطلق النار عسكري كان يقود سيارة مدنية.
وفي حين ذكرت معلومات أن مطلق النار سلم نفسه للسلطات المختصة، أعلنت قيادة الجيش اللبناني في بيان أنه "أثناء مرور آلية عسكرية تابعة للجيش في محلة خلدة، صادفت مجموعة من المتظاهرين تقوم بقطع الطريق فحصل تلاسن وتدافع مع العسكريين مما اضطر أحد العناصر إلى إطلاق النار لتفريقهم ما أدى إلى إصابة أحد الأشخاص. وقد باشرت قيادة الجيش تحقيقا بالموضوع بعد توقيف العسكري مطلق النار، بإشارة القضاء المختص".
رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط، وبعدما شارك في العزاء بالقتيل علاء أبو فخر في منطقة الشويفات، دعا إلى "التهدئة والتحقيق الجدّي والفعّال" لتبيان ملابسات الحادث، مشيراً إلى أنه اتصل بقائد الجيش ورئيس الأركان. وطالب بالاحتكام لصوت العقل.
وليل الأربعاء، وصل جثمان أبو فخر إلى ساحتي الشهداء ورياض الصلح القريبتين من مجلس النواب في وسط العاصمة بيروت، وودعه المحتجون بتظاهرة حاشدة، على أن يُشيّع الخميس في بلدته الشويفات جنوب بيروت.
كلمة عون
الرئيس عون الذي حاوره الصحافيان سامي كليب ونقولا ناصيف قال من قصر بعبدا "لم أصل الى الموقع الرئاسي إلا لبناء الدولة، وفي عمري مستقبلي أصبح ورائي، ولا أريد تحصيل أمور مادية وتاريخي كان نضاليا وكلّفني 15 عاما من عمري خارج مجتمعي من أجل الحرية والسيادة والاستقلال"، ورأى أن "اليوم حان موعد بناء الدولة والاقتصاد، لكن لم يكن هناك تجاوب معي من مجمل الشعب اللبناني، وأنا مكبّل بتناقضات الحكم والمجتمع والشعب أصبح مرتكزاً لفرض الإصلاحات".
وأشار رئيس الجمهورية الى أنّ "شعار "كلّن يعني كلّن" خطأ استعمله الجمهور، وهذا يعني انه "ما في أوادم" وهناك أشخاص كفوئين يستطيعون النهوض في المجتمع، ويجب محاربة الفساد ومعالجة الوضع الاقتصادي والعمل لمجتمع مدنيّ، وهذه النقاط توصل الى بناء الدولة إلا أنها مفقودة حالياً"، مضيفاً "يجب تأليف حكومة تحارب الفساد وتملك الجرأة في ذلك وتعتمد خطة اقتصادية وتحضّر لمجتمع مدني بشكل أوسع".
وعن موعد الاستشارات، قال: "تحديد موعد الاستشارات النيابية يرتكز على بعض الأجوبة التي ننتظرها من المعنيين، وإذا لم تصلنا الإجابات سننتظر أياما قليلة أخرى"، وتابع في سياق منفصل: "عند انتخابي رئيساً قمنا بتثبيت الأمن والاستقرار لأن من دونهما لا يمكن بناء أي شيء في البلد، بعدها بدأنا ببناء التشكيلات العامة والمؤسسات التي كانت مخلّعة، واليوم نريد تحسين الموجود".
وأوضح الرئيس عون: "استدعيت مجلس الأعلى للقضاء في السابق وقلت له: "منكن سياسيين لتحلوا المشاكل مع السياسيين انتو قضاة بتشكلوا بحسب الكفاءة وبترفعوا التشكيلة للوزير"، والتدخّل السّياسيّ هو السبب الأول لفساد القضاء".
وردّاً على سؤال حول إذا كان ثمة من حاول "الانقلاب على العهد"، أجاب: "كلا فالمواطنون تعذّبوا و"أنا أفتّش عليهم".
حزب الله لم يطلق رصاصة
ودافع رئيس الجمهورية عن حزب عندما اعتبر أن "حزب الله لم يطلق أي رصاصة على اسرائيل منذ عام 2006 وملتزم القرار 1701، وهو لا يتدخل على الأرض اللبنانية بأي أحد وهو مواطن كأي مواطن لبنانيّ، والحصار الماليّ على حزب الله كما على كل اللبنانيين"، مؤكدا "لن تكون هناك حرب أهلية في عهدي على الأقل، فأنا لن أقبل بذلك أبداً".
وشدّد الرئيس عون على أنّ "استقلال وسيادة وحرية اللبنانيين أولوية بالنسبة لي، ولا يمكن لأحد أن يفرض عليّ التخلص من حزب يشكّل على الأقل ثلث اللبنانيين، و"محتار ضدّ مين بدّي أعمل الاستراتيجية الدفاعية".
وأضاف "أطمئن الجميع وأقول لهم لا تركضوا الى البنوك و"ما تكبّروا المشكلة" فالأموال مضمونة وستصل الى الجميع وسنعالج الأزمة"، مشيرا الى أنّ "إستمرار تطويق المراكز الرسمية يقضي على البلد، ومستعدّون لإصلاح الأخطاء لكن لا تقضوا على لبنان".
وفي سياق آخر، قال الرئيس عون: "أنا أطلب عودة النازحين السوريين الى بلادهم، وجواب المجتمع الدولي هو بشكرنا لاستقبالهم وبالقول ان لا حل لهذا الملف الا بحصول حل سياسي، ولسنا في عداوة مع الشعب السوري، ولا تواصل مباشر مع الرئيس السوري بشار الأسد"، مؤكداً "لست خائفاً على العهد بل على لبنان".
هاجِروا
وعن الوضع الاقتصادي والمالي، رأى أن "حاكم مصرف لبنان يعبّر عن نفسه "هوّي عم بيقلّي هيك أنا عم صدّق هيك"، وإجتمعت مع المصارف واتخذنا تدابير للأزمة، لكن نحن بحاجة الى مساعدة اللبنانيين". وتوجه اليهم بالقول: "ما تهجموا على المصارف إذا مش عايزين (تحتاجون)".
وشدّد الرئيس عون على أنّ "الدولار غير مفقود من لبنان، إنما تمّ سحبه من المصارف وحفظه في المنازل وهذا الأمر لا يساعد الاقتصاد اللبناني".
وأكد الرئيس عون: "سنواجه كل من لا يريد العمل، وقطع الطرقات خروج عن العهد الدولي، وكان يمكن استعمال القوة والعنف إلا اننا عالجنا الأمر بهدوء".
وتوجه الرئيس عون الى المتظاهرين بالقول "فهمنا مطالبكم وهواجسكم لكن لا تخربوا لبنان وتستمروا بتطويق السلطات الرسمية. وإذا لم يعجبهم أحداً آدمياً في السلطة، يروحوا يهاجروا. وليراجعوا تاريخي وليبقوا معي إذا أعجبهم، وإذا لا سأرحل أنا"، وتابع: "أطلب منكم لا سيما أولئك الذين في الحراك ألا يتصرفوا دائماً بطريقة سلبية لأن السلبية تولد السلبية وهذا يولّد صداماً داخلياً و"إذا بتكمّلوا هيك بتضربوا لبنان ومصالحكن، ما سيؤدي الى نكبة".
الأمم المتحدة
وكان المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيش دعا بعد لقائه عون الثلاثاء، إلى اختيار رئيس جديد للوزراء على وجه السرعة، وتشكيل حكومة جديدة سريعاً تضم شخصيات معروفة بالكفاءة والنزاهة. واعتبر المسؤول الدولي في بيان صدر بعد اللقاء أن مثل هذه الحكومة ستكون في وضع أفضل لطلب المساعدات الدولية.
وحضّ كوبيش السلطات على منح الأولوية للاستقرار النقدي والمالي بما في ذلك اتخاذ إجراءات لإعطاء الشعب اللبناني الثقة وحماية مدخراته.