فيما كانت صواريخ غزة تُشعل بلدات جنوب إسرائيل، وسكانها ينزحون نحو الشمال أو يختبئون في بيوتهم وبالقرب من الملاجئ، كانت القيادة السياسية تبحث في كيفية تشكيل حكومة وحدة. ما يرى فيه البعض، دوافع أساسية لاغتيال القيادي في حركة الجهاد الإسلامي بهاء أبو العطا. وهي دوافع أمنية وفي مقدمها تشكيل حكومة وحدة واسعة تشمل الحزبين الكبيرين "الليكود" برئاسة بنيامين نتنياهو، و"أبيض أزرق" برئاسة بيني غانتس، وأحزاب اليمين إضافة إلى الأصوليين الذين شكلوا عقبة أساسية أمام تشكيل الوحدة منذ نحو شهرين.
جاءت التصفية قبل أسبوع فحسب من انتهاء مدة تكليف بيني غانتس تشكيل حكومة، ليعلن غانتس والقياديان في حزبه، موشيه يعلون وغابي أشكنازي، أنهم يوافقون على تشكيل حكومة وحدة، في ظل الأوضاع الأمنية التي تشهدها إسرائيل وخطر اندلاع حرب في الجنوب، قد تمتد إلى الشمال، وفق ادعاء الإسرائيليين. وبذلك، أزال حزب "أبيض أزرق"، إمكانية حكومة الأقلية بدعم النواب العرب عن جدول الأعمال والسعي إلى حكومة وحدة مع نتنياهو. والتقديرات هي أن يكون غانتس ويعلون وأشكنازي قد وافقوا على مخطط نتنياهو في أن يكون الأخير الأول في التداول وأن لا مانع من أن يجلب معه كتلة الأصوليين إلى الحكومة.
والتقى نتنياهو مع غانتس وأطلعه على قرار الكابينت والتطورات الأمنية، ويقدر سياسيون أنه على الرغم من أنهما تحدثا عن الموضوع الأمني فحسب، فإن انعقاد اللقاء، مؤشر إلى علاقات ثقة بين الرجلين، مما هو كفيل بأن يؤدي إلى ارتباط سياسي لاحق.
مؤشر آخر يشهد على ما سيأتي، هو التأييد غير المتحفظ من جانب غانتس للعملية العسكرية فور علمه بالتصفية. ووفق غانتس، فإن "بهاء أبو العطا كان ابن موت. بالضبط مثل أحمد الجبري رئيس أركان حماس، بالضبط مثل كل إرهابي ينفذ العمليات الإجرامية ضد مواطني إسرائيل. من أجل أمن إسرائيل، على القيادة السياسية والأمنية أن تتخذ أحياناً قرارات صعبة، في ظل تقدير الثمن الذي سيكون لها. هكذا، كان القرار بالحملة التي شملت أبو العطا، وهو قرار صحيح عملياتياً وسياسياً"، قال غانتس.
نتنياهو يمهد الطريق قبل الاغتيال
قبل أربع ساعات من الاغتيال، حرص نتنياهو على نشر التغريدة التالية "حكومة أقلية بدعم الأحزاب العربية= خطر على الدولة". إلى هذا، أضاف أقوال عضو الكنيست أحمد الطيبي عن ياسر عرفات "ستبقى في قلوبنا دائماً".
الرائحة العنصرية التي انبعثت من تغريدة نتنياهو حظيت بنقاش واسع ومن يدرك حقيقة نتنياهو علم أنه يمهد لما هو خطير، فالإسرائيليون الذين ناموا على هذه التغريدة استيقظوا على جنوب إسرائيل يحترق بالصواريخ الغزية. ما أثار غضباً عارماً ضد نتنياهو اضطره إلى الخروج عن طوره ليقنع بأن توقيت عملية التصفية غير مرتبط بالمعضلة السياسية.
رئيس الأركان أفيف كوخافي ورئيس الشاباك نداف أرغمان، كما قال الخبير السياسي، يوسي فيرتر، تطوعا أو تم تطويعهما لمساعدته. "كل النجوم تدبرت"، هكذا برر أرغمان الحاجة التي دعت إلى تنفيذ الاغتيال. وأثنى على موقفه كوخافي. "لا يوجد أي سبب لعدم تصديق كوخافي أرغمان، حتى لو كانت الاعتبارات التي دفعت للقيام بعملية أمنية خالصة، إلا أنها جاءت من واقع بعيد جداً عن أن يكون طاهراً وموضوعياً"، أضاف فيرتر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المؤتمر الصحافي الذي شارك فيه كوخافي وأرغمان إلى جانب نتنياهو قال رئيس الحكومة "كل من يعتقد أنه يمكن أن يضرب مواطنين ويفلت من يدنا الطويلة، مخطئ". حتى لو تجاهلنا حقيقة أن في غزة تم تصفية زوجة بهاء أبو العطا أيضاً، وفي دمشق تم تصفية ابن الهدف، فإن الأمور الوحيدة التي ثبتت هي أن الضمانة الوحيدة لأمن مواطني إسرائيل هي القبة الحديدية، وأنه لا يوجد أي شيء مركز في الإحباطات المركزة التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي، إذ إنه تأتي بعدها هجمات صاروخية على إسرائيل وتعطيل جارف للدولة بأسرها، قال نتنياهو.
الهرب إلى الشمال
ما شهدته إسرائيل من نقاش داخلي حول العملية وأهدافها وتوقيتها، والحاجة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، لم يقنع الإسرائيليين بما ادعاه نتنياهو والقيادة الأمنية بأنهم حريصون على ضمان أمنهم، فمع أول إطلاق صفارة إنذار، وقبل معرفة التفاصيل وإذا الوضع يتجه نحو تدهور أمني خطير، قررت عشرات العائلات الهرب إلى منطقة الشمال، علماً أن هذه المنطقة مهددة بتدهور أمني مفاجئ، في حال إسرائيل واصلت عملياتها في سوريا.
وخرج السكان ضد القادة السياسيين والأمنيين والعسكريين، إذ دخلت منطقة الجنوب في حالة طوارئ قصوى في أعقاب وابل الصواريخ التي أطلقت من غزة، في وقت لم تستكمل الأجهزة الأمنية الاستعدادات لحالة حرب وغالبية الملاجئ غير صالحة للاستخدام والأبنية غير معدة للوقاية من الصواريخ، وإلى جانب هذا كله لم يطمئن الإسرائيليين من أن المنطقة الحدودية مع غزة باتت خالية من الخنادق، التي يمكن التسلل عبرها وتنفيذ عمليات، ما جعل شوارع بلدات الجنوب وغلاف غزة والمحال التجارية خالية من السكان.
إزاء هذا التدهور السريع وغضب سكان الجنوب على قيادتهم أسرع نتنياهو إلى إجراء اتصالات هاتفية، الأربعاء 13 نوفمبر (تشرين الثاني)، مع رؤساء السلطات المحلية في غلاف غزة، في محاولة لتهدئة الوضع وتأكيد صحة قرار الاغتيال توقيته.
وقال نتنياهو "نحن نغير المعادلة، قلت لكم إننا سنختار الوقت المناسب، وجاء الوقت المناسب وكما قال رئيس الشاباك، الظروف كانت مناسبة". قادة التنظيمات الإرهابية وعناصرها يعلمون أنهم في مرمانا وأننا نستطيع أن نعمل ضدهم في كل مكان وهم يفهمون هذه الرسالة جيداً"، قال نتنياهو مهدداً. وأضاف "قررنا تعزيز قوة الردع الخاصة بنا بوسائل جديدة لم يتخيلها العدو. نفذنا عملية بدقة جراحية"، وفق تعبير نتنياهو.
في هذه الأثناء تسعى إسرائيل إلى عدم إقحام حركة حماس في هذه الجولة، وفي تقديرات جهاز الأمن فإن حركة حماس لن تشارك في إطلاق النار نحو إسرائيل، لكن إسرائيل لم تسقط من حساباتها احتمالات مفاجئة، بما في ذلك دخول حماس إلى مرمى التدهور الأمني.
في إسرائيل يتخذون جانب الحذر الشديد في إصدار التقديرات إلى أين ستتدحرج جولة التصعيد الحالية، والمسألة الأساس هي إذا ما كانت حماس ستنضم أم لا. ووفق تقديرات جهات أمنية فإن جولة التصعيد لن تستغرق إلا بضعة أيام. مع ذلك، فإن انضمام حماس إلى المعركة كفيل بأن يغير صورة الوضع.