من المنتظر أن تعرف الحملات الانتخابية للمرشحين الخمسة للانتخابات الرئاسية في الجزائر، تفاوتاً في طريقة الإدارة وكثافة اللقاءات الشعبية، وفق الوضعية المالية لكل منهم، غير أنهم سيجدون أنفسهم تحت مطرقة المساءلة في حال تسجيل أرقام مالية مبالغ فيها.
أموال تحت المراقبة
طالبت السلطة المستقلة للانتخابات المتنافسين على كرسي الرئاسة بتقديم تبريرات والكشف عن مصادر تمويل حملاتهم الانتخابية، في حال رُصدت مصاريف مبالغ فيها، تفوق الحد المنصوص عليه في القانون، الذي يعاقب على التمويل غير الشرعي للانتخابات، وفق ما جاء في ميثاق الشرف الانتخابي، والمقدر بعشرة ملايين سنتيم، أي حوالى 83 ألف دولار أميركي.
ونظراً إلى صعوبة عملية مراقبة مصادر تمويل الحملات الانتخابية، التي تحصل بشكل سري، فإن سلطة مراقبة الانتخابات عيّنت مراقبين ماليين متمثلين في محافظي حسابات، "يطالبون المرشحين بتقديم تبريرات مقنعة والكشف عن مصادر تمويل حملتهم الانتخابية في حال كانت المصاريف مبالغاً فيها".
إجراء شعبوي
ويعتبر المحلل كمال موساوي في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن "مراقبة مصادر تمويل الحملات الانتخابية للمرشحين إجراء شكلي، على اعتبار أن المحاسبة لم تحدث يوماً في الجزائر". وقال "من غير الممكن محاسبة الرئيس المقبل حتى ولو صرف مال قارون في حملته، لسبب بسيط يتمثل في عدم استقلالية القضاء وغياب سياسة العقاب"، موضحاً أن "أي مرشح سيقف إلى جانبه بعض رجال الأعمال الذين سيدعمونه بالأموال لتسهيل مهمته في الوصول إلى الرئاسة، وهو المتعارف عليه في كل دول العالم. ولهذا، التبرير سهل في هذه الحالات".
ويرى موساوي أنه "كان من الأجدر تغيير قانون الانتخابات بشكل واسع ومعمق، قبل التفكير في إطلاق تصريحات عشوائية وشعبوية"، متسائلاً "كيف يمكن مراقبة مصادر تمويل حملات المرشحين في حين عجزت السلطات عن مراقبة تهريب الأموال والسلع عبر المطارات والموانئ والمعابر البرية، ولم تتمكن من مراقبة تجاوزات أسعار المواد الاستهلاكية إلى الغش في المعاملات وإبرام الصفقات". ويشدّد على أن "أول ورشة يجب فتحها في الجزائر بعد 12 ديسمبر (كانون الأول) هي العدالة من أجل تحقيق دولة القانون، قبل الحديث عن المراقبة أو المعاقبة".
رحلة البحث عن "المال النظيف"
في المقابل، ترافق تهمة التمويل الخفي للحملة الانتخابية، التي وُجّهت لوزراء ورجال أعمال ومسؤولين سابقين من نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، المرشحين الخمسة، بعدما وجدوا أنفسهم مجبرين على عدم تجاوز القيمة المحددة، ما أدخلهم في دوامة البحث عن "المال النظيف" لتسيير الحملة المقرر انطلاقها في 17 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.
وأثبتت التحريات التي أجرتها الضبطية القضائية في إطار معالجة ملفات فساد، تورّط رجال أعمال في تمويل أحزاب وجمعيات مجتمع مدني، وضخ أكثر من 700 مليار سنتيم لصالح العهدة الخامسة لبوتفليقة.
وعلى الرغم من ضخ أموال ضخمة في أرصدة الأحزاب، فإنه لم يجرِ تسجيل عمليات مراقبة لأوجه صرفها من قبل المصالح المعنية، على الرغم ممّا نص عليه قانون الأحزاب في الفقرة 58، أنه يمكن أن تكون المساعدات التي تمنحها الدولة للحزب محل مراقبة لوجهة استعمالاتها.
وسجّل مجلس المحاسبة أن الأموال التي حصلت عليها التشكيلات السياسية لم تخضع لأية رقابة، كما أن الأحزاب لم تقدم أي عرض لإدارة الميزانية تبرر استعمال الإعانات، مشيراً إلى أن الأحزاب تلقت 178.4 مليار سنوياً في الفترة الممتدة بين عام 2009 وعام 2011.
مرشحون في ورطة
من جهته، حمّل الحقوقي عبد الغاني بادي، قيادات التشكيلات السياسية مسؤولية تورط رجال الأعمال في تمويل الأحزاب بطريقة غير قانونية، داعياً إلى مساءلة زعماء الأحزاب إلى جانب رجال الأعمال. وتابع "القضاء هو الوحيد المخول في بت هذا الملف، فإن ثبُت حصول الأحزاب السياسية على أموال من قبل رجال الأعمال بطريقة مخالفة للقانون، فستكون العقوبة قاسية على اعتبار أن قانون الأحزاب السياسية واضح ويحدد نسبة تمويل رجال الأعمال".
في السياق ذاته، علمت "اندبندنت عربية" أن حكومة نور الدين بدوي تتجه لإلغاء تمويل الأحزاب، وأن التشكيلات السياسية الممثلة في البرلمان الحالي لم تتلقَ أية إعانة من الدولة، وهي بواقع 40 مليون سنتيم عن كل برلماني، و50 مليون سنتيم للبرلمانيات، وهي الإعانات المنصوص عليها في قانون الأحزاب، فالمادة 58 تنص على استفادة الحزب السياسي المعتمد من إعانة مالية من الدولة بحسب عدد مقاعده البرلمانية وعدد منتخبيه في المجالس، ما عقّد وضع قادة الأحزاب المرشحين للرئاسيات في مجال تمويل حملاتهم الانتخابية.