"إنهم مجرد مجموعة من الهيبيّين العاطلين من العمل"، قالها شخص كان يقف إلى جانبي في مجال اعتراضه على احتجاجات حركة Extinction Rebellion "التمرد على الانقراض" التي نصبت خيماً في "أكسفورد سيركس"، ما أدى إلى شل وسط العاصمة البريطانية. وفي الجهة المقابلة من الشارع، وجّهت امرأة من داخل سيارتها كلماتٍ تضمّنت المشاعر نفسها نحو قافلة من المتظاهرين كانوا على درّاجاتهم في طريقهم إلى المكان الرئيسي للاعتصام.
كنتُ في لندن في ذلك الأسبوع، وسمعتُ الإهانات نفسها تتكرّر مرة بعد أخرى. وكان أعضاء حركة الاحتجاج العالمية الذين يطالبون بإيجاد حلول فورية للتلوث وبإعلان حال طوارئ مناخية في العالم، يُوصفون بأنهم "مجموعات من جيل الألفية، هيبّيون وعديمو الجدوى"، يقومون بتعطيل الحركة في الشوارع ويهدرون وقت الشرطة بسلوكهم وهرائهم ومن خلال إشاعة الخوف.
هذا الأسبوع، وفي تتويجٍ شكّل النهاية القصوى لرفض النشاط البيئي، بدأت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إجراءاتها الرسمية للخروج من "اتفاقية باريس" وهي إحدى أبرز المبادرات العالمية الوحيدة لمكافحة تغيّر المناخ على مستوى الدول.
وتُوجد في الواقع أسباب عدة تدفع إلى الشك والغضب العارم. لكنني أعتقد أن السبب في استسهال الناس رفض المعركة الحيوية لمكافحة تغيّر المناخ هي مشكلة اللغة، وتحديداً عدم وجود لغة قانونية. ففي القانون الدولي لا يُوجد نص يكرّس الحق الأساسي للبشر في بيئة نظيفة وصحية، أو ما يحدّد بوضوح أن الضرر واسع النطاق الذي يلحق بالبيئة، هو جريمة.
وبات واضحاً أن تغير المناخ يؤثر في كل شيء في هذا العالم من صحة أطفالنا إلى الهجرات الجماعية. ففي هذه السنة وحدها، شاهدنا حرائق هائلة تجتاح غابات الأمازون، وأحسسنا بموجات حر غير مسبوقة في جميع أنحاء أوروبا، ورأينا أعاصير تحطّم أرقاماً قياسية في جميع المناطق الجنوبية للقارة الأفريقية، وحتى في المملكة المتحدة هذا الأسبوع سُجلت فيضانات "توراتية" بسبب تغير المناخ.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن خلال مراجعتي لسلسلة متعددة الأجزاء تُدعى Water Wars "الحروب على المياه"، بحثت في تفاصيل الأضرار البيئية، مع التركيز على دور المياه في الصراع. ورأيتُ كيف يؤثر النقص في المياه بشكل مباشر على النساء، ويمكن أن يهدد معاهدات السلام الدولية الكبرى، وفي وضع العراق، كيف أشعل ثوراتٍ وتسبّب بنزوح جماعي.
ويرى الدكتور ستيفن همفريز، وهو أستاذ مشارك خبير في القانون الدولي في "كلية لندن للاقتصاد"، أنه "على الرغم من أن كثيرين يطالبون بالحق في بيئة نظيفة وصحية، فقد تكون لمطالبتهم بعض الأسس في ما يُسمى قانون الأعراف الدولية. لكن في الوقت الراهن لا يوجد أساس قانوني لمعاهدة دولية ترعى هذا الجانب".
وأضاف "توجد في عدد من الدساتير والقوانين الوطنية نصوص عن البيئة، وتتم الإشارة إليها في بعض الوثائق الدولية مثل بروتوكول قرطاجنة الملحق واتفاقية التنوع البيولوجي، لكن ليست لدينا معاهدة تعترف بهذا الحق بطريقة محدّدة وواضحة، بحيث يمكن للبلدان الانضمام إليها".
ويضغط كثيرون على الأمم المتحدة وفي جنيف من أجل تغيير هذا الواقع. وقد بذل المقرر الخاص بالمنظمة الدولية المعني بحقوق الإنسان والبيئة، الذي استُحدث منصه قبل نحو 7 أعوام، كثيراً من الجهد في متابعة هذا الموضوع. لكن الجهود المبذولة حتى الآن اصطدمت بحائط مسدود.
لماذا الاهتمام إذن؟ القانون الدولي ليس بعصا سحرية، واستخدامه هو أبعد من طرح تشريع داخل قاعة محكمة دولية يتعذّر الوصول إليها. وإذا كان الحق في بيئة نظيفة وصحية منصوص عليه في القانون الدولي، فستكون جميع الدول "ملزمة صراحة باحترام هذا الحق وحمايته وتنفيذه". ويجب أن ينعكس ذلك في القوانين المحلية في جميع أنحاء العالم.
وإذا تم إدراج التدمير واسع النطاق أو المنهجي للبيئة أو "الإبادة الجماعية" على أنه جريمة ضد الإنسانية، فسيكون على المجتمع الدولي مسؤولية منع هذا النشاط والمعاقبة عليه".
ويمكن أيضاً في حال تصنيف الضرر بالبيئة على أنه جريمة، إحداث نقلة نوعية في المواقف العالمية. تخيلوا لثانية واحدة فقط، لو كان هناك شيء اسمه "إبادة جماعية" في ما يتعلق بالحفاظ على البيئة. وتخيلوا مدى القوة التي يمنحها هذا التصنيف للناشطين في مجال حقوق الإنسان والسياسيين والصحافيين والمحامين، وكذلك لأولئك المحتجين ضمن حركة "التمرد على الانقراض" في أكسفورد سيركس. هؤلاء سيصبح في إمكانهم (افتراضياً) اعتبار إزالة الأشجار من غابات الأمازون الاستوائية "جريمة ضد الإنسانية".
وفي السياق نفسه، تخيّلوا لو أن القانون الدولي وضع تحديداً للاجئ المناخي؟ في الوقت الراهن، لدينا فعلياً فئتان من الأفراد المتنقّلين: النازحون بسبب الحرب والمهاجرون بسبب ظروف اقتصادية. ويمكن للفئة الأولى أن يطالب أصحابها بالحق في اللجوء، ويُسمح لهم بإعادة التوطّن والتعليم والسكن والمساعدة، والوصول إلى المحاكم ووثائق الهوية والسفر والعمل، وكذلك الحق في عدم الطرد أو الإعادة إلى البلد الأصلي.
أما الفئة الثانية فلا توجد لدى أفرادها أي ضمانات، وعادة ما يتم التخلي عنهم أو إعادتهم قسراً إلى أوطانهم، هذا على الأقل ما لاحظته من خلال تجربتي ومتابعتي لانتقال المهاجرين عبر ليبيا. وفيما أرفض على المستوى الشخصي أي تمييز، أعتقد أن المهاجرين بحثاً عن لقمة العيش، لهم الحق في السعي إلى حياة أفضل، وهذا هو الواقع.
ويرى الدكتور همفريز أن الفرار من كارثة مناخية هو قضية "أكثر إلحاحاً من الناحية الأخلاقية" من هدف أولئك الذين يسعون إلى وضع اقتصادي أفضل. ويقول إن "هؤلاء هم الأشخاص الذين فقدوا مأواهم ومنازلهم وسبل عيشهم لأسباب هي من صنع الإنسان نفسه، وكان في إمكانه تحاشي وقوعها. إنهم ليسوا مهاجرين اقتصاديين وعلينا واجب مساعدتهم".
وذهب فيليب ألستون، المقرر الخاص بالأمم المتحدة المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان، خطوة أبعد إلى الأمام. ففي تقرير صدر في يونيو (حزيران)، وضع مصطلح "الفصل العنصري المناخي" الذي يعبّر عن الفجوة الشديدة بين الأثرياء الذين يمكنهم تحمّل نفقات الهروب من درجات الحرارة المرتفعة والجوع والصراع، والأكثر فقراً الذين يُتركون تحت وطأة المعاناة من إحدى أكثر الجرائم بشاعةً ضد الإنسانية.
وفي حين تبدو عبارة "الفصل العنصري المناخي" مجازية على الأرجح، فإنها تثير مرة أخرى تساؤلات حيال أوجه القصور الأخرى في القانون الدولي، لجهة تعامله مع أسباب التفاوت الهائلة في تغير المناخ. القانون الدولي لن ينقذ كوكبنا، فهو عبارة عن مجموعة من الكلمات التي تثير إشكالات كبيرة وتكون أكثر إثارة للقلق عند تطبيقها. وإنني كصحافي، أعاني مع شروطها وقيودها كل يوم.
وفيما يتمسّك ناشطو حملات الدفاع عن البيئة بفكرة أننا بحاجة إلى التحرك الآن لإنقاذ العالم، وليس الخوض في مماحكة حول التسميات القانونية، يتخوّف خبراء مثل الدكتور همفريز من تمميع أي تعبير يتم الاتفاق عليه، معتبراً أن ذلك لن يكون مفيداً.
لكنني ما زلت أعتقد أن تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية، ووصف جريمة ما بأنها جريمة، والأشخاص الضعفاء بأنهم كذلك، هو الخطوة الأولى والأداة الرئيسية التي نحتاج إليها للمساعدة في إنقاذ البشرية. وربما يغيّر تحديد الأمور بمسمياتها، وجهات النظر بما يكفي، لإحداث فرق.
© The Independent