من جنيف ينطلق بكم القطار في رحلةٍ ممتعةٍ تمرّون خلالها بغابات الصنوبر والقرى السويسرية الرائعة الشبيهة بتلك التي نراها على البطاقات البريدية، ومشاهد الجبال الشاهقة التي تستحقّ أن تشكّل لوحاتٍ زيتية فنيّة، تصلون في نهاية الرحلة إلى بلدة شتاد Gstaad المعروفة بالمشاهير الذين يزورونها من بريجيت باردو إلى ليز تايلور وروجر مور.
ولكن هنالك سبباً آخر يدفعكم إلى زيارة موقع التزلّج الجذّاب ذلك: إنها الجبنة، الكثير من الجبنة! إذ تعود صناعتها في المنطقة إلى ما يقارب الألف عام وما زالت شتاد تأخذ هذا الإرث التاريخي على محمل الجدّ بشكلٍ كبير مع تربية أعدادٍ ضخمة من القطعان التي تصل إلى 7000 رأس بقر وهو ما يتجاوز عدد سكانها.
وبينما نقف على سفح الجبل الذي تغطيه الأعشاب الكثيفة الخضراء الزمرّديّة والمطلّ على البلدة، يقع نظرنا على علمٍ سويسريّ ومجسّم وعاء جبنة "فوندو" ضخم وهو الرمز المميّز "للهيكل" الذي ينتج الجبنة المحليّة والواقع على عمق 25 متراً تحت الأرض.
نزولاً على الدرجات الشديدة الانحدار والتي تشبه السلالم نوعاً ما، يتكشّف أمامكم مخزناً سابقاً تحت الأرض يملكه مصنع الألبان المحلّي "شتاد مولكيري" الذي يضمّ حوالي 3120 قالب من الجبنة المعتّقة. تزن تلك الأجبان حوالي 30 طناً وإذا قمتم برصف القوالب أو العجلات (كما يسمونها هنا) الواحدة فوق الأخرى سيبلغ ارتفاعها 270 متراً أي أعلى من كلّ مبنى في سويسرا. سترون الكثير من الجبنة هنا وستبلغكم رائحتها قبل أن تقع أعينكم عليها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أمّا الجوّ داخل كهف الجبنة فليس شبيهاً بالمخزن بل أكثر منه بالكاتدرائية مع شموعٍ تضيء المكان على وقع موسيقى هادئة "كورالية".
"هل هي أغنية "أمايزينغ غرايس" (ما أعجب النعمة) سألت رينيه ريسر الذي يدير المصنع وعمل في صناعة الأجبان مدة أربعين عاماً فأجاب "نعم، لأنه أمر عجيب بالفعل".
لا تجدون هناك سوى نوع واحد من الجبنة: بيرنر هوبلكاس Berner hobelkäse وهي جبنة مالحة وتحظى بتسمية منشأ محمية من نوع ألب Alp المعتّقة التي تتمّ صناعتها في المنطقة منذ العام 1548 باستخدام الوصفة نفسها.
ويتم ترتيب قوالب الجبنة على رفوف ترتفع من الارض إلى السقف التي وتُصنّف بالأرقام لتشكّل مكتبة رائعة من الأجبان. ويجتمع مجلس مؤلّف من أربعة حكّام، بمن فيهم رينيه، في شهر ديسمبر (كانون الأول) من كلّ عام على مدار يومين لاتخاذ قرار بشأن الجبنة المحليّة الصنع التي تستحقّ أن تتأهّل لتوضع هنا على أساس المظهر والاتّساق والمذاق. "الأجبان هنا كلّها أجبان ذات جودة عالية" بحسب قول رينيه.
ويخبرنا رينيه الذي يتناول جبنة هوبلكاس يومياً كجزء من عمليّة "مراقبة الجودة" بأنّ طعمها يختلف اختلافاً بسيطا. ويضيف قائلاً: "لأنّها ليست من المكان نفسه ولا من مزرعة الأجبان نفسها ولا تأتي من المنطقة الجغرافية نفسها- ممّا يؤثّر على تكوين الأعشاب التي تؤثّر بدورها على المذاق".
المخزن الواقع تحت الأرض يقدم الظروف المناخية ودرجات الحرارة المثالية للتعتيق الأجبان. ولتحظى الجبنة بتسمية "هوبلكاس" يتوجّب أن تكون الجبنة معتّقة لثمانية عشر شهراً على الأقلّ، غير أنّ رينيه يقول أنّ أفضل الأنواع هي تلك التي يبلغ عمرها بين عامين وثلاثة أعوام.
البعض كانوا قد حذروني من أنني سأرى أقدم قالب جبنة موجودة في الكهف - وهي كناية عن قالبٍ جبنة ضخم عمره 150 عاماً عُثر عليه في قبو أحد المزارعين خلال أعمال البناء. وفي معرض حديثي مع فرانز فايح مدير قصر شتاد "سترين أبشع جبنة على الإطلاق- إنّها بنيّة اللون. تعود إلى الأعوام 1800 وهي أقدم جبنة موجودة حتى اليوم".
لا يُسمح لزوّار كهف الجبنة تذوّقها ولكن بما أنّ تناولها غير مضرّ، استخدم فرانز علاقاته مع الطهاة لنسخها. سألته "كيف يبدو مذاقها؟" فأجابني: "لا تودّين أن تعرفي ، ليس مذاقاً ممتعاً. إنّه شيء لا يمكن وصفه، إنّه غريب."
لحسن الحظ، فإنّ جبنة هوبلكاس المعتّقة بشكلٍ مناسب تتميّز بمذاقٍ لذيذ: متى أصبحت جاهزة، يتمّ تقطيع الجبنة الجامدة الطريّة إلى شرائح تُلفّ كالسيغار ويتذوّقها زوّار الكهف مع النبيذ الأبيض.
وفي حين أنّ جبنة هوبلكاس ليست نوعاً ملائماً لصنع الجبنة الذائبة "فوندو"، يأتي مصنع مولكيري بأجبان الغرويار والفاشرين الإضافية وبهذا، عندما تنتهي الجولة وتصعدون مجدداً إلى سطح الأرض، بوسعكم تسلّق وعاء الفوندو الضخم والجلوس هناك حاملين سيخاً والاستمتاع ببعض الجبنة الساخنة الذائبة أثناء استمتاعكم بالمشهد البانورامي لجبال الألب الرائعة المطلّة على بلدة شتاد الجذابة الوادعة في الأسفل.
إليكم بعض الأمور الضرورية لزيارة المكان
الوصول: شركة إيزي جيت توفر رحلات من مطار لندن لوتون إلى بيرن بدءاً من 43 جنيه استرليني أو ستين دولارا أميركيا تقريبا لرحلة الذهاب.
الإقامة هناك
يتميّز قصر شتاد الذي يعود تاريخه إلى قرنٍ مضى بأبراجٍ عالية وتحيط به أشجار الصنوبر الخضراء وهو يشبه إلى حدّ ما من الخارج الفندق في فيلم "غراند بودابست هوتيل" Grand Budapest Hotel للمخرج ويس أندرسون ولكن لونه أقلّ زهريّاً. من داخل غرف الفندق بوسعكم التمتّع بمناظر الجبال الخلابة الساحرة في ما يرسي توازناً صارخاً بين التفاصيل المترفة ورفاهية منطقة الألب (يمتزج الخشب بالرخام في الحمّامات وقماش الترتان بالشموع وشاشات التلفزيون الذكية بالأزهار المقطوفة يومياً). تبدأ أسعار الغرف المزدوجة من 535 جنيه استرليني مع فطور حوالي (600 مئة دولار أميركي).
معلومات إضافية
لا تنسوا تذوّق الجبنة في روسلي شتاد Rossli Gstaad وهو أقدم مطعم في البلدة ويتميّز بديكوره الذي يغلب عليه طابع جبال الألب. ويقدّم في هذا المطعم وجبة "جبن الفوندو" الشهيرة الذي بوسعكم إذابته بأنفسكم أثناء احتساء النبيذ الأحمر السويسري.
© The Independent