أكد رئيس لجنة مكافحة الإرهاب في تونس مختار بن نصر لـ"اندبندنت عربية" أن عدد التونسيين الذين التحقوا بتنظيمات إرهابية في الخارج بعد عام 2011، وهو العدد المتعارف عليه الذي أعلنت عنه الداخلية التونسية سابقاً، هو 2229 ارهابياً تونسياً في بؤر التوتر عام 2016 معظمهم من الذكور، وإن وجدت نساء، فغالبيتهنّ استُقطبْن من جانب أزواجهن أو بطرق أخرى كالاستمالة قصد المشاركة في الجانب الإعلامي، ومعظمهن بين عمر 18 و35 سنة.
وتابع أنه بعد انهيار "داعش" في سوريا والعراق، وبعد انهيار هذه المجموعات وضرب قياداته، قُتل كثيرون منهم، وسُجن آخرون، وتحوّل الناجون منهم إلى مناطق أخرى في سيناء وليبيا ومالي وأفريقيا جنوب الصحراء، وغيرها من المناطق. بالتالي، فإن الاحصاءات الجديدة غير دقيقة ومن الصعب معرفتها في ظل كل هذه التغيرات.
ورداً على سؤال حول الوجهات التي قصدها هؤلاء، قال بن نصر إن معظمهم توجه منذ البداية إلى سوريا، وبنسب أقل إلى العراق، ولدينا مجموعات متطرفة صُنّفت مجموعات إرهابية على مستوى وطني ودولي، على غرار تنظيم أنصار الشريعة الذي تحوّل العدد الأكبر من قياداته إلى ليبيا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ما هي دول العبور التي مرّ منها الإرهابيون التونسيون قبل الوصول إلى مقاصدهم؟
أجاب رئيس لجنة مكافحة الإرهاب في تونس أنه في وقت من الأوقات، انهارت المنظومة الأمنية في البلاد بعد عام 2011 وكانت فرصة لعدد من العناصر الذين هربوا من السجون، وكانت تلاحقهم تهم مختلفة كحق عام أو تهم إرهابية للتوجه إلى ليبيا، وبعدها توزع هؤلاء إلى وجهات أخرى كتركيا وأوروبا، وهناك من ذهب عن طريق الهجرة غير النظامية عبر البحر، إلى وجهات مختلفة.
لماذا خرج عدد كبير نسبياً من التونسيين مقارنة بعدد السكان نحو بؤر التوتّر؟
اعتبر مختار بن نصر أن هناك أسباباً دافعة وأخرى جاذبة، والفقر ليس السبب الأول، نظراً إلى أن تونس منذ الستينيات إلى الثمانينيات كانت أكثر فقراً، وعلى الرغم من ذلك، لم يتوجه التونسيون بأعداد كبيرة إلى الجهاد في أفغانستان في الثمانينيات وبداية التسعينيات. وهناك أسباب أخرى، منها انتشار الفكر المتطرف عبر شبكات التواصل الاجتماعي وأيضاً في الجوامع التي لعبت دوراً كبيراً في استقطاب الشباب، ثم انتشار بعض الكتب التي تروج لهذا الفكر ولو بنسب قليلة.
وأضاف أن الأسباب الأساسية هي الإحساس بالمظلومية والغبن في الداخل أو على المستوى الدولي عن طريق الفكر السائد بأن العرب والمسلمين مضطهدون، مع التركيز على القضية الفلسطينية بوجود هجمة شرسة من الغرب على الثروات، وبالتالي يجب التصدي لهم والأخذ بالثأر، إلى جانب التركيز أيضاً على أن نظم البلدان العربية والإسلامية عموماً غير قادرة على الدفاع عن نفسها، وبالتالي تقدم هذه المجموعات نفسها للشباب على أنها الحل، وأن لديها نظام الخلافة الذي يعتبرونه الأرقى والأفضل لمحاربة الغرب "الكافر" ومحاربة النظم العربية التابعة له، حسب ما يعتقدونه.
على الرغم من تشكيل لجنة في البرلمان المنتهية ولايته من أجل التحقيق في شبكات التسفير، إلاّ أنّها لم تفض إلى أي نتيجة. لماذا حسب رأيكم؟
أوضح بن نصر أن لجنة برلمانية شُكلت في تونس تبحث في هذا الموضوع، لكن للأسف لم تتوصل إلى أي نتيجة، ولم تكشف عن النتائج التي توصلت إليها. بالتالي، لا نملك أي معلومات دقيقة عن شبكات تسفير الشباب إلى بؤر التوتر وربما في المستقبل، يُكشف عن هذا اللغز، وربّما يعود فشل عمل اللجنة إلى تعطيلات من نوع ما. وفي اعتقادي على أعضاء هذه اللجنة أن يعلنوا عن أسباب تعطيل أشغالها حتى نستطيع التقدم في هذا الموضوع وفك شفرات هذه الشبكات، للقضاء عليها نهائياً.
وعن الإجراءات التي اتخذتها السلطات التونسية لوقف هذا النزيف، قال مختار بن نصر إننا مررنا بمرحلتين للتصدي لظاهرة الإرهاب والتطرف العنيف في تونس، المرحلة الأولى كانت بين عام 2011 إلى حدود عام 2015 وهي رد فعل أمني وعسكري ويقظة اجتماعية لضرب هذه الظاهرة التي استفحلت في تلك الفترة، ووصلت إلى ذروتها عام 2015. وفي تلك الفترة، كنا نفتقد إلى استراتيجية وكنا بصدد مراجعة قانون الإرهاب لعام 2003.
وأضاف أن المرحلة الأولى كانت تصدياً أمنياً وعسكرياً، وبعد ذلك، أصبح تصدياً متعدد الأبعاد بإيجاد استراتيجية وطنية لمكافحة التطرف والإرهاب في شكلها الجديد، وتقوم هذه الاستراتيجية على أربعة عناصر، هي الوقاية والحماية والتتبع والرد.
كم عدد التونسيين الذين كانوا في بؤر التوتر وعادوا إلى تونس وكيف تعاملت الدولة مع هؤلاء؟
ردّ مختار بن نصر على هذا السؤال، قائلاً "في الحقيقة، لا يمكن وصف كل العائدين بالإرهابيين. وهذا الموضوع يحدده عدد من الأطراف، ولا سيما مجلس الأمن القومي ووزارة الداخلية ووزارة الخارجية ووزارة العدل".
هل هناك برامج لإزالة "التطرّف العنيف" لدى الإرهابيين العائدين؟ وهل هناك تعاون دولي في هذا الإطار؟
أجاب رئيس لجنة مكافحة الإرهاب في تونس أنّ "هناك عملاً كبيراً يُنجز على مستوى الإدارة العامة للسجون والإصلاح من خلال تأهيل هؤلاء ودمجهم في المجتمع، وهو عمل طويل المدى بالتعاون مع المجتمع الدولي في إطار احترام حقوق الإنسان، إضافةً إلى احترام المواصفات الدولية للسجون. وتسعى البلاد في ظل اكتظاظ السجون إلى تركيز العقاب البديل على العناية بالعناصر الأكثر خطورة، ولا سيما على مستوى معالجة التطرف العنيف. وتابع أن الأمر يتم بالتعاون بين وزارات التربية والشؤون الثقافية والشؤون الاجتماعية والمرأة والرياضة، من خلال برامج مدروسة للشباب".
في السّجون، هل يتم الاحتفاظ بالإرهابيين العائدين من الخارج في زنزانات انفرادية أم مع بقية المساجين؟ وكم عدد مساجين الإرهاب في تونس اليوم؟
قال بن نصر "هؤلاء مصنفون إلى ثلاثة أصناف حسب الخطورة، والأشد خطورة يُحتجزون في سجون معينة، وعلى الرغم من أن سجن "المرناقية" يتمتع بمواصفات عالمية، إلاّ أنّ تونس لا تملك سجوناً عالية التأمين".
هناك مخاوف لدى بعض النخب من أن يتكرر السيناريو الجزائري في تونس بسبب عودة الإرهابيين من الخارج. حسب رأيكم، هذه المخاوف في محلّها أم مبالغ فيها؟
لفت بن نصر إلى أن "هناك مبالغة كبيرة، إذ إنّ العائدين في السنوات الأخيرة من بؤر التوتر، مختلفون عن العائدين في التسعينيات من أفغانستان الذين رجعوا منتصرين بدعم من المجتمع الدولي لأنهم هزموا روسيا آنذاك، والغرب تبناهم إلى أن تغيرت الرؤية وأصبحت القاعدة في صراع مباشر مع الولايات المتحدة الأميركية، وبعدما كانوا مقاومين وجهاديين، أصبحوا إرهابيين وعدد كبير منهم شارك في أحداث الإرهاب في الجزائر".
هل تونس معنية بقرار تركيا إعادة الإرهابيين في السجون التركية إلى بلدانهم؟
قال رئيس لجنة مكافحة الإرهاب في تونس "البلاد اليوم لديها موقف واضح هو عدم تسلّم هذه المجموعات إلاّ بتصور معين، وتسلّمت تونس أربعة منهم من دول أجنبية، وهم الآن في السجن، وما زلنا نتفاوض بالنسبة إلى عناصر آخرين. بالتالي، تونس تعالج هذا الأمر برويّة".
هل تعتقد أن نهاية "داعش" قريبة مع انهزامه في سوريا؟
ردّ بن نصر "في اعتقادي الشخصي داعش لن ينتهي، لأنه في الأصل فكر متطرف يغزو المجتمعات وإن اختلفت أسماء هذه المجموعات الإرهابية، إلاّ أنّ فكرها واحد وهدفها واحد. بالتالي، أهم إجراء اتخذناه خلال الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الإرهاب يتمثل في الوقاية من التطرف العنيف، وهو عمل طويل المدى بمشاركة كل الأطراف".