تستمر الضغوط على القطاع الصناعي البريطاني خلال العام 2019، حيث عانت المصانع البريطانية من تراجع وضعف الطلبات الجديدة لستة أشهر حتى أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وتراجع مؤشر مشتريات المدراء "PMI" للقطاع الصناعي إلى 48.9 في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، متراجعاً من 49.6 قراءة شهر أكتوبر، وهذه إشارة انكماش في القطاع الصناعي، حيث إن مستوى 50 هو الحد الفاصل بين الانكماش (أقل من 50) والتوسع (أعلى من 50)، لهذا المؤشر الهام "PMI"، وأظهر التقرير انكماش سوق العمل في القطاع الصناعي للشهر الثامن على التوالي في نوفمبر 2019، وهذه أسرع وتيرة فقد وظائف في القطاع الصناعي البريطاني منذ عام 2012.
وهذا القطاع شديد الحساسية بشأن الحواجز والقيود، وأصبح عالمياً من القطاعات التي تأثرت بشدة جراء استمرار الحرب التجارية بين واشنطن وبكين واتساع دائرتها أخيراً، وإضافة إلى ذلك يعاني القطاع الصناعي البريطاني من حالة الضبابية التي تكتنف مسار فك الارتباط بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، وعليه فإن التأثير في بريطانيا على هذا القطاع مزدوج، بحيث يتأثر سلباً من تباطؤ الاقتصاد العالمي ومن مآلات العلاقة التجارية بين لندن وبروكسل مستقبلاً.
تراجع قطاع صناعة السيارات في بريطانيا
8 من كل 10 سيارات تُصنَّع في بريطانيا، هي بفرض الصادر، وحسب أرقام عام 2018 بلغت عائدات هذا القطاع 106 مليارات دولار. وتشكل صادرات السيارات 14% من إجمالي الصادرات البريطانية، وأوضح تقرير بحثي لجمعية مصنعي وتجار السيارات في بريطانيا أن قطاع السيارات ستبلغ خسارته 55 مليار دولار بحلول 2024، في حال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق.
قطاع السيارات من القطاعات الصناعية المهمة في بريطانيا، ويبلغ إسهامه في نمو الناتج المحلي الإجمالي الـ(GDP) نحو 24 مليار دولار (2018)، ويعمل فيه 823.000 شخص، فيما بلغت صادرات السيارات البريطانية 1.2 مليون سيارة عام 2018، وعند مقارنتها مع أرقام ما قبل الاستفتاء في يونيو (حزيران) 2016 نجد أن بريطانيا كانت تصنِّع 1.7 مليون سيارة، وكانت تستهدف تصنيع مليوني سيارة بحلول 2020، وبعد ارتفاع مخاطر البريكست يُتوقع أن يتراجع التصنيع إلى مليون سيارة بنهاية هذا العام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
شركة هوندا قالت إن الانتقال إلى أنظمة جمركية وقوانين جديدة يتطلب وقتاً إضافياً في المعاملات التجارية، وأن تأخير الإجراءات سيكلف الشركة المزيد من المال، حيث تبلغ تكلفة تأخير الإجراءات لمدة 15 دقيقة نحو مليون دولار، وبالإضافة إلى ذلك ذكرت شركة هوندا أن 40% من العاملين لديها في بريطانيا من دول الاتحاد الأوروبي، وأن العمالة تتأثر بالقوانين الجديدة المرتبطة بقوانين الهجرة والعمل، وكذلك قوانين الرعاية الصحية.
وأظهرت بيانات قطاع السيارات لشهر أكتوبر الفائت تراجع الإنتاج بـ 4-% وتراجع إنتاج قطاع السيارات البريطانية في 16 شهراً خلال الـ17 شهراً الأخيرة، وتراجعت تنافسية القطاع وزادت المخاطر التي تحيط به.
وخلال العام الحالي تراجع الإنتاج بـ 14-% حتى أكتوبر الماضي، مقارنة بنفس الفترة من العام المنصرم 2018، حسب التقرير الصادر عن جمعية مصنعي وتجار السيارات في بريطانيا، والتي يرمز إليها بـ(SMMT)، حيث ''تراجعت الاستثمارات الجديدة في قطاع السيارات إلى 764 مليون دولار، مقارنة بـ 3.2 مليار دولار في 2015''.
ويبلغ عدد مصانع السيارات 30 مصنعاً، وأغلب هذه الشركات بدأ يستعد لمجابهة تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وسيعتمد التأثير على نوع العلاقة التجارية مستقبلاً بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي.
القطاع الصناعي البريطاني والبريكست
الاقتصاد البريطاني يعتمد على قطاع الخدمات الذي يسهم بـ 70% في الناتج المحلي الإجمالي GDP، بينما يبلغ إسهام القطاع الصناعي 19% من الـ GDP، وبلغت مبيعات القطاع الصناعي البريطاني 510 مليارات دولار في عام 2018.
القطاع الصناعي البريطاني مهم وحيوي، حيث إن 54% من السلع الواردة إلى بريطانيا تأتي من دول الاتحاد الأوروبي، و%50 من سلع الصادر البريطانية تذهب إلى دول الاتحاد الأوروبي، وهذا الارتباط التجاري الوثيق أمام واقع جديد سيتشكل بعد فك الارتباط وستكون العلاقة التجارية محكومة بضوابط جديدة، فبريطانيا بعد أيام ستذهب إلى صناديق الاقتراع للمرة الأولى منذ 86 عاماً لتجري انتخابات شتوية، وهناك 46 مليون بريطاني لهم حق التصويت (18عاماً وما فوق) في 12 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، حيث تتنافس الأحزاب البريطانية على 650 مقعداً لمجلس العموم، وتم الذهاب إلى هذه الانتخابات العامة بعد فشل الحكومة في تمرير خطتها للخروج من الاتحاد الأوروبي، ثم تدخل البرلمان وألزم الحكومة قانوناً عدم الخروج من دون اتفاق.
كافة المسارات السياسية انتهت إلى طرق مسدودة، وشهدت بريطانيا انقساماً داخلياً حاداً مع مواقف متقاطعة بشأن البريكست وفك الارتباط مع الاتحاد الأوروبي، وكان بوريس جونسون وعد بأنه سيُخرج بريطانيا بحلول 31 أكتوبر 2019 لكنه لم يستطع، وألزمه البرلمان طلب تمديد تفعيل المادة 50، وكانت هناك وجهات نظر تطالب بتنظيم استفتاء جديد ومواقف أخرى تطالب بإلغاء البريكست، ونتيجة هذه التعقيدات كان الذهاب للانتخابات العامة، والبحث عن تفويض شعبي جديد.
وتشير استطلاعات الرأي إلى تقدم حزب المحافظين على حزب العمال بـ10 نقاط، وفي حال تحقيق جونسون الأغلبية في انتخابات 12 ديسمبر، ستخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بحلول 31 يناير (كانون الثاني) 2020، بعد تمرير خطة الخروج عبر البرلمان الجديد.
رؤية جونسون تهدف إلى تأسيس ضوابط جمركية جديدة، ووضع معايير جديدة للقطاعين الصناعي والزراعي، وفي المقابل فإنه بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ستواجه الشركات الصناعية العاملة في بريطانيا واقعاً جديداً بموجبه تدفع رسوماً إضافية لعبور السلع داخل السوق الأوروبية المشتركة، ما يزيد تكلفة الإنتاج لهذه الشركات.
أقل من 10 أيام تفصلنا عن موعد الانتخابات العامة في بريطانيا، وقد ارتفع الجنيه الإسترليني إلى فوق مستوى 1.30، وبدأت السوق في تسعير تفوق حزب المحافظين على منافسه حزب العمال.
منذ عام 1922 يتنافس الحزبان على قيادة البرلمان، وفوز بوريس جونسون يعني أنه يقترب من تمرير خطته للخروج وفك الارتباط من داخل البرلمان، في حال حقق الأغلبية، وهذا السيناريو في حال تحقق ستكون له تداعيات سلبية على القطاع الصناعي البريطاني، الذي يعاني ضغوطاً حال عدم اليقين بشأن مستقبل البريكست، ويعاني أيضاً من استمرار الحمائية وحرب الرسوم الجمركية التي تجتاج العالم منذ أكثر من 18 شهراً.