عرف الشارع الجزائري ظهور حركية متنامية لأطراف تؤيد الانتخابات الرئاسية التي ستجرى الخميس المقبل، وتتجسد هذه الحركية شيئاً فشيئاً ضمن حراك يومي في الشارع بشكل يخالف "الصورة المحتشمة" التي بدأ عليها. وتترجم هذه المستجدات رغبة في "ملء الساحات" بما يعطي انطباعاً أن صوت الرئاسيات أقوى.
وحضر الآلاف إلى ساحة البريد المركزي، في ثاني تجمع ينادي بالرئاسيات، بعد المسيرة التي قادها الاتحاد العام للعمال الجزائريين قبل أيام، ويبدو اختيار البريد المركزي ذا رمزية بغض النظر عن الأعداد المشاركة، ويرجى من ذلك استبدال صورة الحراك الرافض للرئاسيات بصورة جديدة في المكان نفسه ولكن بشعارات مغايرة.
وشوهد بين المتظاهرين في ساحة البريد المركزي، أفراد من "الطوارق" وهم أمازيغ الصحراء الجزائرية، كما شاركهم أفراد سابقون من "التعبئة العسكرية" وهم فئة من "متقاعدي الجيش والمعطوبين في صفوفه".
وضمن مشهد "الحشود" المؤيدة للرئاسيات باتت فعاليات طالبية وتنظيمات شبابية تعقد تجمعات مختلفة داخل القاعات المغلقة بشكل يكاد يكون يومياً، من باب سياسة "احتلال الشارع" باستخدام صوت يرفع مطالب مغايرة للحراك المتواصل لـ 42 جمعة على التوالي.
كما تعددت المسيرات المؤيدة للرئاسيات وللمؤسسة العسكرية عبر عدد من المحافظات يومي السبت والأحد، وشهدت محافظة تيبازة (70 كلم غرب العاصمة) مسيرة شارك فيها مئات، وتكرر المشهد في قالمة وأم البواقي وغيرهما، والملاحظ مقارنة بمسيرات شبيهة قبل أيام، أن كثيراً من أفراد "الكتلة الصامتة" قد بدأوا في التعبير عن رأيهم والجهر به في الشارع.
المنظمات الطالبية تتحرك
تجمع مئات الطلاب، الاثنين، بساحة ملعب بلدية الأبيار في أعالي العاصمة في وقفة جديدة دعت إليها منظمات تنتمي إلى هذه الفئة، فقد تعدد خروج هذه المنظمات إلى الشارع أو القاعات لعقد تجمعات تؤيد الانتخابات الرئاسية، وفي ذلك رسالة ثانية في ما يبدو، لمنح انطباع يناقض مسيرات الطلاب كل ثلاثاء (منذ بداية الحراك الشعبي).
إلا أن سياسة "احتلال الساحات" زادت من درجة الاحتقان بين طرفين يتنازعان الرأي والمشروع بخصوص إجراء الرئاسيات، فقد صدمت مشاهد "السباب" التي كالها جزائريون لبعضهم بعضاً في عواصم غربية خلال فترة تصويت الجالية بالمهجر، الجزائريين في الداخل وكثيراً من المحللين بوجود احتمال انتقال العدوى إلى مراكز التصويت يوم الخميس المقبل في الداخل الجزائري.
وندد التلفزيون الحكومي الجزائري، بتعرض أحد أطقمه الصحافية لـ" شتم وقذف وتشهير" قبالة قنصلية الجزائر في ليون الفرنسية لما كان فريق صحافي في مهمة تغطية تصويت الجالية هناك، فقد قام نشطاء بتصويره وكالوا له اتهامات بـ"العمالة للنظام" قبل أن يتم ترويج "الفيديو" على مواقع التواصل الاجتماعي.
واعتبر المرشح للانتخابات الرئاسية عز الدين ميهوبي، التعدي على الناخبين الجزائريين في المهجر من قبل بعض رافضي الانتخابات "سلوكاً منبوذاً لا يقبله أي شخص لديه حس من الديمقراطية".
وأكد ميهوبي في مؤتمر إعلامي مساء الأحد لتقييم الحملة الانتخابية، بأنه "لا يمكن أي شخص أن يصادر رأي شخص آخر يخالفه... ما حصل لا يشرّف فكل مواطن حر في التعبير عن رأيه بأي طريقة قانونية يريد".
وقالت النائب عن "جبهة العدالة والتنمية" سامية خمري، في تعليق حول ما يشهده الشارع من استقطاب سلبي "إن اختزال الوطنية على مقاطعة الانتخابات ضرب من الدكتاتورية، واختزالها على المشاركة ضرب من الحجر على آراء الناس وما على الجزائريين إلا توسيع دائرة الوطنية فهي تسع الجميع".
صمت حزبي
لا تثير المشاهد الحاصلة في الشارع أية ردود فعل من الأحزاب السياسية الفاعلة ولو بمواقفها المتناقضة، إذ يخشى كثيرون من طغيان صورة "الانقسام" بين جزائريين لدرجة "ممارسة العنف" ضد بعضهم بعضاً، لذلك تشير مصادر لـ "اندبندنت عربية" إلى أن المجلس الأعلى للأمن قرر إنشاء "هيئة يقظة" إلى حين الانتهاء من إعلان نتائج الرئاسيات الجمعة المقبل، تتولى بالدرجة الأولى "حماية مراكز التصويت من أي فعل يعترض تعبير مواطنين عن رأيهم".
يصف السياسي والبرلماني السابق، يوسف خبابة، انسحاب الأحزاب بما فيها المعارضة من ممارسة الرأي في ما يجري في الشارع بأنه نتائج "لعدم قدرة هذه الأحزاب السياسية التقليدية المعارضة في إثبات شخصيتها المعنوية المستقلة وقراءتها الخاصة بالتغيرات الحاصلة. ولها بعض العذر في ذلك. فلم تكد تتخلص من إكراهات السلطة حتى وجدت نفسها تحت ضغط الشارع بسقفه العالي، الشيء الذي أربك قراراتها وجعلها غير منسجمة".
ويشير خبابة قائلاً "لا شك في أن الحراك أحدث زلزالاً كبيراً على الصعد جميعها، ويتعين على الأحزاب أن تمتلك القدرة على امتصاص الهزات والقدرة على توجيه الشارع وإيجاد المنافذ، والحلول الكفيلة بتحقيق مطالبه وتوظيف الحراك لصالح التغيير. وهذا لا يتأتى إلا بمزيد من الانفتاح وإعادة هيكلة واستيعاب الكفاءات التي أبرزها الحراك ودفع الأحزاب نحو المزيد من الديمقراطية، قبل الدعوة إلى الحكم الديمقراطي".
وقصد خبابة موقف حزبين إسلاميين يعارضان مسار الرئاسيات، هما "جبهة العدالة والتنمية" و"حركة مجتمع السلم"، فكلاهما أعلن منذ مطلع الأسبوع موقفاً "لا مشاركة ولا مقاطعة ولا إجماع على أي مرشح"، وهو ما عمق الهوة بين "لغة الشارع" و"لغة السياسيين" عموماً، بيد أن يوسف خبابة يعتقد أن "الانتخابات إذا شهدت دورة ثانية فقد نشهد تعديلاً في مواقف بعض الأحزاب وانخراطاً أكبر في الانتخابات".