عُقدت القمة الخليجية الأربعين بالرياض الأسبوع الماضي، وهذا بحد ذاته إنجاز، ولم يقاطعها أي من الأعضاء. فقد شارك أعضاء دول مجلس التعاون الخليجي الستة بالقمة الخليجية التي عقدت يوم الثلاثاء الماضي (10 ديسمبر)، ولعل هذا إنجاز آخر.
جاء بيان القمة لتأكيد بعض الثوابت. تأكيدات لا يخلو منها أي بيان قمة خليجية بأهمية التضامن الخليجي والمحافظة على وحدته، وتكرار الثوابت مسألة طبيعية، لأن عدم تكرارها يعني عدم ثباتها، فالتكرار في مثل هذه الحالات تأكيد لما هو مؤكد وعدم تكرارها قد يفسر بالتراخي أو بالتخلي عنها.
عقدت القمة الخليجية الأربعين بالرياض- العاصمة الخليجية الأكبر والأثقل سياسياً، ولم يشارك أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لأسباب سياسية، وتعني عدم مشاركته بأن الخلاف الخليجي مع قطر لم يُحل بعد.
صحيح أن قطر شاركت برئيس وزرائها الشيخ عبدالله بن ناصر آل ثاني الذي استقبل بحفاوة تختلف عن استقباله البروتوكولي بالقمة الطارئة التي شارك بها بمكة في يونيو (حزيران) الماضي، وتعتبر مشاركة قطر عالية المستوى، وتشير إلى رغبة الأطراف جميعاً إلى حلحلة وتجاوز الخلاف الخليجي.
وبعيداً من المجاملات الدبلوماسية، والتحليلات المفرطة بالتفاؤل فإن الخلاف بين قطر ودول المقاطعة الثلاث داخل المجلس (السعودية والإمارات والبحرين) لم يحل بعد، بل أن التصريحات التي تلت القمة من وزيري الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة ووزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي الدكتور أنور قرقاش، توحي أن ثمة عقبات لم يتم تجاوزها لتجاوز الخلاف، وتطالب بالعودة لشروط إعلان القاهرة.
لكن اللغة التوافقية والنبرة التصالحية التي تميزت بها كلمات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، توحي بأن الجميع راغب في التهدئة التي يمكن أن تؤدي إلى حل.
وتلت كلمة سلمان، كلمة لأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح الذي اعتبر بيان الرياض بمثابة خريطة طريق تستهدي بها الدول الأعضاء، مؤكداً أن القادم من اللقاءات سيكون أفضل مما سبقه من اجتماعات.
كما أن الإشادة بدور الشيخ صباح كوسيط منذ اندلاع الأزمة الأخيرة عام 2017، تعكس مساندة الجميع لهذا الدور الإصلاحي وتعطي انطباعاً بأن الأمور تسير لصالح استثمار جهود المصالحة الكويتية، كما تعني بقاء الباب مفتوحاً للمصالحة.
هل من حل قريب بالأفق؟
المؤكد أن هذه الأزمة لن تحل بالطرق العشائرية التقليدية، ولن يحلها "حب الخشوم" و "طاح الحطب"، فالأزمة تمت عَوْربتها ثم أقلمتها، وللعوربة استحقاقاتها كما للأقلمة تبعاتها وأثمانها، فالأزمة بشعة منذ بدايتها، وندباتها ستبقى حتى لو تم حلها، وأي حل قادم لها لا بد أن يخلق واقعاً جديداً لطبيعة العلاقات الخليجية المستقبلية، وإلا فإنها ستعود لمربعها الأول.
الشعور الشعبي الخليجي الذي يمكن أن يستشفه المتابع هو أن "التشاؤل" بحل أزمة قطر هو سيد الموقف، فلا حل قريب للأزمة، ولكن أتوقع أن تدخل الأزمة مرحلة من التجميد والتهدئة والتناسي لعل ظروفاً جديدة تطرأ ومعطيات جديدة تحل تعمل على تبدل المواقف وحلحلة الأزمة.
الشعوب الخليجية تدرك بغريزتها ضرورة عدم التصعيد والتخفيف من الحدة الإعلامية التي رافقت الأزمة بشكل غير مسبوق في تاريخ علاقات دول الخليج، وتتطلع لظروف مواتية من شأنها تغيير معادلات الأزمة ومتطلباتها.
دول الخليج مقبلة على مناسبات عالمية كبرى ستجعلها محط أنظار العالم، فمن رئاسة السعودية لمجموعة العشرين العام المقبل، إلى إدراج أكبر شركة مساهمة بالعالم -أرامكو- هذا الأسبوع بسوق الأسهم السعودية، إلى إكسبو التي ستستضيفه دبي المبهرة، إلى كأس العالم الذي ستنظمه الدوحة بقطر عام 2022، كل هذه المناسبات العالمية الهائلة تعمل بشكل مؤثر على أنسنة منطقة الخليج، وتجعل للجميع مصلحة في التهدئة وحل الخلافات.
نجحت القمة الأربعين بالرياض بإبقاء شعلة الأمل، لكن الطريق ما زال طويلاً نحو إزالة الخلافات الخليجية - الخليجية.