على الرغم من الحملة الانتخابية المتواصلة وجلسات الاستماع القضائية المتعلقة بعزل الرئيس في الولايات المتحدة والتي تستمر بوتيرة متصاعدة، إلا أن خبراً محدداً قد شغل بال الأمة أخيراً: الأمير أندرو وتلك المقابلة التي أجراها في برنامج "نيوزنايت".
كانت المقابلة بمثابة عمل صحافي نموذجي أنجزته إيميلي ميتليس ، وهي المذيعة الرئيسية لبرنامج "نيوزنايت" الاخباري على القناة الثانية التابعة لـ "هيئة الإذاعة البريطانية" ( بي بي سي) التي أجرت الحوار مع الابن الثالث للملكة، والمفضل لديها كما يزعمون، وهو تحدث أمام العالم بكل سرور ولا مبالاة عارضاً "نسخته من الحكاية" المتعلقة بصداقته مع الراحل جيفري إبستاين الذي أدين بالاعتداء جنسياً على أطفال.
وأثناء المقابلة التي كادت تكون باردة لا حرارة فيها، تمكّن الأمير من تجاهل محاولات ميتليس العديدة لحمله على الإعراب عن الأسف أو الندم. وبدلاً من انتهاز هذه الفرصة، امتنع عن قول أي كلمة تعبّر عن شيء من التعاطف مع ضحايا إبستاين أو حزن عليهن، أو حتى أدنى مقدار من الندم على إقامة صداقة مع شخص من هذا النوع في المقام الأول. بالمجمل، كان اللقاء من الألف إلى الياء كارثة حقيقية.
وفي أعقاب بثّ المقابلة، جاءت ردود الأفعال بكثافة وسرعة، إذ أقبل مشاهدو البرنامج على موقع تويتر بأعداد غفيرة ليعبروا عن دهشتهم من عبارات مختلفة قالها الأمير، كل منها تفوق الأخرى من حيث سذاجتها وخلوّها من المنطق، بدءاً من زيارته التي لا تنسى إلى مطعم بيتزا إكسبريس في منطقة ووكينغ عام 2001 إلى عدم قدرته الجسدية على التعرّق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في غضون أيام، فقد دوق يورك العديد من رعاة أعماله الخيرية كما سارعت علامات تجارية كبيرة عدة بإعلان التراجع عن دعمها لمبادرته " بيتش آند بالاس" لرجال الأعمال. كما ابتعد عن الحياة العامة أيضاً. ومع ذلك، فإن أكثر ردود الفعل المحيرة المختلفة على المقابلة جاءت إلى حد بعيد من الكاتب توبي يونغ.
رأى يونغ في مقاله الدوري الذي تنشره مجلة "ذا سبيكتيتر"، أن سلوك الأمير أندرو المأساوي أمام الكاميرا يعود في حقيقة الأمر إلى الزوجة التي اختارها لنفسه. أجل، هذا ما قاله بالفعل. من وجهة نظر الكاتب فإن زوجة الأمير ماهرة بتفقد حس الأنا الذكوري لديه ولسانه السليط، اللذين أثبتا في كثير من الأحيان أنهما يشكّلان معاً سلاحاً فتاكاً. وحقيقة أن الأمير أندرو ليس متزوجاً من "شخصية تتسم بالتوازن والعقلانية"، كاللذين يتمتع بهما توبي يونغ، لا ينبغي أن تؤدي إلى حرمان الرجل من القدرة على استعمال عقله بشكل أفضل والتصرف بقدر من الحكمة أكثر مما بدا عليه في تلك المقابلة. ليس من شأن النساء "جعل الرجال أفضل".
يجب أن يكون الرجال قادرين على ذلك من تلقاء أنفسهم. وكما قالت ريبيكا ريد في مجلة "غراتسيا" "من المفترض أن نعتني بالرجال، إلى درجة أن ننقذهم، وإذا كان ’ إنقاذهم’ غير ممكن، فهذا خطؤنا". يمكن استخدام الاستقلالية التي تتمتع بها النساء، وأي شعور بالفردية، لتحميلهن مسؤولية ما يفعله الرجال؛ وخاصة، ما يفعله الرجال بهن.
خذوا مثلاً، القضية الرهيبة للمحاكمة الأخيرة بقضية مقتل غريس ميلان. حاول الفريق القانوني للدفاع أن يجعل هيئة المحلفين تعتقد أن غريس كانت بطريقة ما شريكة في مقتلها بملء رغبتها، وذلك نظراً لاهتمامها بممارسة الإذلال الجنسي.
والحقيقة، أن هذا مجرد مثال آخر على التاريخ الجنسي للمرأة، وعلى استخدام جرأتها في أن تكون كائناً جنسياً ولديها خيارات جنسية، كدليل يثبت خطأها. أدت وفاة ناتالي كونولي على يد حبيبها جون برودهرست في عام 2016 إلى إطلاق حملة "لا يمكننا الموافقة على هذا"، التي توثّق عدداً إجماليا لحالات قُتلت فيها 59 امرأة على أيدي شركائهن الذين زعموا أن القتل كان نتيجة خطأ خلال لعبة جنسية.
وعلى نفس المنوال، فإن عبارة تتردد بشكل متكرر عن النساء ضحايا العنف الجنسي وهي "أن المرأة كانت تطلب ذلك". لكن ما يجب التوقف عنده وتأمله بروية وعمق هو تصور بعض الرجال أن الخيارات الجنسية للمرأة تدل على أنها مستعدة لتلقي ضربات مبرحة أو حتى للموت، بدلاً من التوقف عند التساؤل ما إذا كانت خياراتها الجنسية هي فعلاً مؤشرات على رغبتها في المخاطرة بالموت. أعتقد أنه بإمكاننا القول بأريحية إن خيار المرأة المفضل في الغالبية العظمى من الحالات، هو البقاء على قيد الحياة.
لكننا بحاجة أيضاً إلى التأمل في موقف سائد في مجتمعنا مفاده أن النساء يورطن الرجال بكل سهولة بمثل هذه المشاكل، فهؤلاء ماهرات بالتلاعب والإغواء على طريقة ميدوسا الأسطورية
(ألن يكون أمراً عظيماً إذا امتلكت المرأة بالفعل القدرة على حمل الرجال على تجربة حظوظهم؟ فكروا فقط في كل التوازن الذي سنراه في العالم: سيدرك جميع أرباب العمل أهمية وقيمة سياسات الأمومة والأبوة المفترضة ولن تتأثر الحياة المهنية لأي شخص بعد اليوم بسبب إنجابه طفلاً، وستتحول المعركة الدائرة من أجل المساواة في الأجور أضحوكة أكل عليها الزمان وشرب).
كان يجب على النساء أن يمنعنه من القيام بذلك، كان ينبغي عليهن أن يجعلنه يدرك المنطق: كان ينبغي عليهن، كان يجدر بهن، كان بمقدورهن. لكن الحقيقة هي أن الأمير أندرو هو ذكر بالغ راشد، وهو وحده المسؤول عن أفعاله وكلماته وقراراته. وبصفته شخصاً عاملاً من العائلة المالكة، كان لديه أيضاً فريق من المستشارين للحديث عن تلك المقابلة، على الرغم من أن كبير مستشاريه قد استقال بعدما تجاهل الأمير رجاءه بعدم إجراء اللقاء.
لن نعرف أبداً ما إذا كان مصير دوق يورك سيختلف لو كانت لديه زوجة وقت إجراء مقابلة برنامج "نيوزنايت"، وما إذا كانت تلك المرأة المتخيلة ستبقيه صادقاً وأخلاقياً.
في نهاية المطاف، وعلى الرغم من أن رجلاً ارتكب خطأ، لا يزال الناس يتحدثون عن مدى مسؤولية المرأة حقاً في الحؤول دون هذه الكارثة. لماذا لا يمكن للأمر أبداً أن يكون محصوراً بالرجل ونقائصه؟
© The Independent