عاد حديث "تبون مرشح الجيش" إلى التداول مجدداً بين أوساط المقاطعين الاستحقاق وعلى مستوى الحراك الرافض النتائج، بعد رسالة قائد الأركان الجزائري الموجهة إلى الرئيس الجديد للبلاد الفائز في انتخابات الخميس الماضي، خصوصاً عندما اعتبر نجاح تبون "اختياراً موفقاً".
رسالة صالح
في وقت ارتاح الجزائريون لمرور العملية الانتخابية بسلام، أكثر من اهتمامهم بالمرشحين الخمسة أو فوز عبد المجيد تبون، وفي حين توقعوا انتهاء دور المؤسسة العسكرية في السياسة، أتت رسالة "التهنئة" التي وجهها قائد الأركان قايد صالح إلى الرئيس الجديد لتعيد النبش في موضوعات "رئاسيات محسومة مسبقاً" و"مرشح الجيش"، بعد أن وصف تبون بـ"الرجل المناسب والمحنك والقادر على قيادة الجزائر"، ما فسَّرته الأطراف الرافضة الانتخابات بأنه "اعتراف بوقوف المؤسسة العسكرية وراءه"، وأن التصريحات تقلل من "قيمة" باقي المرشحين.
وقال صالح، في رسالته إلى الرئيس الجديد، إنه "يتوجّه إلى كل المواطنين المخلصين من أبناء الشعب الجزائري بأزكى عبارات التقدير والعرفان والامتنان على مشاركتهم القوية في هذا الاستحقاق المهم والاختيار الموفق بكل شفافية ونزاهة ووعي، للسيد عبد المجيد تبون رئيساً للجمهورية، الرجل المناسب والمحنك والقادر على قيادة بلادنا الجزائر نحو مستقبل أفضل"، معبراً عن أمله في "النجاح والتوفيق في مهامه النبيلة"، مشدداً على أن "الجيش سيبقى مجنداً وداعماً للرئيس الذي اختاره الشعب، ولن يتخلى أبداً عن التزاماته الدستورية، وسيظل بالمرصاد لأعداء الوطن صونا لوديعة الشهداء الأبرار".
هل الرئيس تبون واجهة؟
في المقابل، شكر رئيس الجمهورية في أول تصريح له "قيادة الجيش وعلى رأسها الفريق قايد صالح، على تأمين الانتخابات وحماية الحراك من دون أن تراق قطرة دم واحدة خلال عشرة أشهر"، داعياً الحراك إلى حوار مباشر وجاد من أجل جمهورية جديدة من خلال دستور وقانون انتخابات جديدين يضمنان الفصل بين السياسة والمال.
ويرى أستاذ القانون والعلوم السياسية إسماعيل معراف أحد أبرز شخصيات الحراك، في حديث إلى "اندبندنت عربية"، أن "تبون واجهة العسكر في هذه المرحلة، وهو رهن إشارتهم، ينفذ ما يريدون"، موضحاً أنه "في حالة فشله في امتصاص غضب الشارع، فإنهم سيتخلون عنه في أول اختبار"، متوقعاً أن تتجه الأمور إلى انتخابات مسبقة في خريف السنة المقبلة.
ويضيف معراف، في ردِّه على سؤال "اندبندنت عربية"، حول آليات تجاوز الوضع المتصلب، أنه بات من الضروري "إطلاق سراح المعتقلين، وفتح حوار جاد بين المؤسسة العسكرية والرئيس وشخصيات سياسية معروفة بنظافتها وقدرتها، ومنح حرية واسعة لوسائل الإعلام، ومن ثم الذهاب إلى انتخابات مسبقة تعيد الشرعية إلى الرئيس".
10 أشهر... ولا تراق قطرة دم واحدة
في سياق متصل، شدّد قائد الأركان في نصّ التهنئة، على أن جهود الجيش وُضعت نصب أعينها الحفاظ على مؤسسات الدولة، وحماية المرفق العام وأملاك المواطنين، إلى جانب المرافقة المتبصرة لجهاز العدالة، وحماية المسيرات السلمية طيلة 10 أشهر كاملة، والحرص على أن لا تراق قطرة دم واحدة.
وقال صالح، إن ذلك "أسهم في بلورة وتشكّل رأي عام مقتنع بجدوى مقاربة القيادة العليا للجيش، التي عبّرت عنها في مناسبات عدّة، إذ عززت اللحمة بين الشعب وجيشه، واستجاب المواطنون لا سيما فئة الشباب الواعي والمتحمس التواق لغد أفضل يجد فيه مكانته المستحقة، وتجاوبوا مع المواقف الثابتة لجيشهم".
الجيش يدعم رئيسه
في المقابل، أبرز المحلل السياسي الصادق أمين أن رئيس الجمهورية في الجزائر هو وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة حسب الدستور، لذلك "أرى أن دعم المؤسسة العسكرية للرئيس المنتخب عبد المجيد تبون، هو مؤشر آخر على أن الجيش يقدم الولاء والدعم لقائده الجديد، ويدعمه في تنفيذ برنامجه الذي وعد به الناخبين الجزائريين"، مضيفاً أن البيان أيضاً "يطمئن الشعب على خياره، ويعلن بداية مرحلة جديدة تؤسس لميلاد جزائر جديدة".
ويعتقد الصادق، أن البيان "يرد بإيجاب على رسائل التهنئة من رؤساء وملوك الدول العربية والغربية، وعلى رأسها روسيا وأميركا، كما يعبر عن تضامن الجيش مع رئيسه بخصوص الموقف غير الدبلوماسي من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي لم يقدم التهاني للرئيس الجديد بل حاول تقديم النصائح لكيفية الخروج من الأزمة التي صنعتها العصابة الموالية لفرنسا".
ويرى أمين ردّاً على سؤال حول استغلال الحراك الرافض الانتخابات لرسالة قائد الأركان في غير محلها، أن "الحراك الحالي مختطف من طرف قوى راديكالية، وقد عبروا عن رفضهم نتائج الانتخابات قبل بيان تأييد الجيش لرئيسه، لذلك فإن الحراك سيتفطن ويفتح حواراً جاداً من أجل تحقيق مطالبه، والمشاركة الإيجابية في صناعة غد الجزائر المشرق".
الإشاعات تزحف
بعد إعلان فوز عبد المجيد تبون بكرسي الرئاسة، بدأت المناورات والإشاعات تزحف على الفضاءات الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي، وأولها أن الرئيس تبون قد لا يدرج اسم قايد صالح في الطاقم الحكومي الجديد، فيما راحت أخرى تتحدث عن تعيين قائد أركان جديد من الإطارات العسكرية الشابة.
ما يكشف عن استمرار القبضة الحديدية بين النظام المؤقت ودعاة المرحلة الانتقالية والمجلس التأسيسي، وهو التحدي الصعب الذي يواجه الوافد الجديد إلى قصر الرئاسة.