تزامناً مع استمرار الحراك الاحتجاجي في العراق، والاتهامات الموجهة إلى فصائل مسلحة بالقيام بعمليات قتل وخطف وترويع المحتجين، جدّدت المرجعية الدينية في النجف دعواتها لحصر السلاح بيد الدولة، وفيما أكدت دعمها الاحتجاجات عبرت عن رفضها عمليات الخطف والقتل التي يتعرّض لها المحتجون.
ويرى مراقبون أن المرجعية (علي السيستاني) تخشى من انتقال الحالة العراقية إلى سيناريو مشابه لما حدث في سوريا واليمن، وفي حين أشاروا إلى أن الفصائل التي تنضوي تحت بند المقاومة لن تقوم بسحب سلاحها تحت أي قرار لمصالحها المشتركة مع الطرف الإيراني ومع محور المقاومة، بل ستحافظ على سلاحها للإبقاء على شكل النظام السياسي القائم بالعراق.
في المقابل، كشفت الاحتجاجات العراقية الأخيرة حجم تأثير الفصائل المسلحة، وانفلات السلاح في العراق وعدم خضوعه للدولة، فضلاً عن حجم التأثير الكبير للنفوذ الإيراني في تحريك بعض الميليشيات المسلحة.
وتستمر الدعوات من المجتمع الدولي لضرورة أن تمسك القوى الأمنية الرسمية بزمام الأمور، بعد اتهامات لميليشيات بالقيام بعمليات منظمة لقمع الاحتجاجات الدائرة في البلاد.
وتعول تلك الفصائل المسلحة على أنها حصلت على شرعيتها من دعم سابق للمرجعية فيما يتعلق بالقتال ضد تنظيم "داعش"، لكن التأييد الذي تلقاه المحتجون من المرجعية، والضغط على الحكومة العراقية لتحقيق مطالبهم ومساءلة المتسببين بقتلهم، فضلاً عن دعواتها لحصر السلاح بيد الدولة، قلل من سطوة تلك الفصائل وإمكانية أن تستهدف الاحتجاجات بقوة أكبر.
سيناريو سوريا واليمن
يشير خبراء إلى أن الساحة العراقية باتت مساحة للتدخلات الخارجية، ما دفع المرجعية للتخوف من أن تؤدي تلك الأحداث إلى الفوضى وتقويض السلم الأهلي، مؤكدين أن معظم الفصائل المسلحة مرتبطة بقوى إقليمية، ولن تستجيب لدعوات المرجعية الدينية في النجف.
وقال الخبير الأمني أمير الساعدي، إن "الفصائل المسلحة تحاول جاهدة احتواء هذه التظاهرات واستعراض إمكانات القوة للحل الأمني إن استلزم الأمر".
وأضاف، لـ"اندبندنت عربية"، "تخشى المرجعية من أن تنتقل الحالة العراقية إلى سيناريو مشابه لما حدث في سوريا واليمن، ولذلك تؤكد في أكثر من خطبة ضرورة الانتباه إلى عدم الانتقال إلى الفوضى وعدم الاستقرار".
وأشار إلى أن "الساحة العراقية هي ساحة تدخلات خارجية كبيرة، وحصول الفوضى قد يؤدي فيما بعد إلى تقويض السلم الأهلي"، مبيناً أن "الوضع حتى الآن لم يصل إلى درجة نشوب النزاع المسلح".
وبيّن أن "كل الفصائل المسلحة الموجودة على الساحة العراقية، لم تلتزم بتوجيهات المرجعية فيما سبق بما يتعلق بحصر السلاح بيد الدولة، حتى مقتدى الصدر لم يستجب إلى تلك الدعوات".
فصائل "محور المقاومة"
وتابع الساعدي، أن "تلك الفصائل التي تنضوي تحت بند المقاومة لن تقوم بسحب سلاحها تحت أي قرار من الحكومة الحالية أو التي تليها، لمصالحها المشتركة مع الطرف الإيراني ومع محور المقاومة في امتداده من طهران إلى بيروت"، موضحاً أن "تلك الفصائل ستحافظ على سلاحها كونها تريد الحفاظ على شكل النظام السياسي القائم الآن".
وعن الاتهامات للفصائل القريبة من طهران في عمليات قمع المحتجين، لفت الساعدي إلى أن "تلك الفصائل تنفي عمليات الاشتراك بقمع المحتجين، لكن ما دام الطرف الثالث موجوداً تلقى الاتهامات بساحتهم أكثر من الأجهزة الأمنية".
وختم أن "الحل الأمني قائم، خصوصاً بعد ما سمعناه على لسان أكثر من قيادي في الفصائل المسلحة، بأنهم جاهزون لو استلزم الأمر استخدام القوة للتخلص مما يطلقون عليه المندسين والجهات الخارجية الداعمة".
سلاح خارج الدستور
في سياق متصل، يرى سياسيون أن المرجعية توصلت إلى قناعة أنها استغلت من قبل بعض القوى القريبة من طهران، وباتت تستشعر خطر وجود سلاح خارج إطار الدولة، مبينين أن استخدام اللغة غير المباشرة في السابق أعطى مسوغات لتلك الأطراف في تأويل كلامها.
وانتقد السياسي العراقي والنائب السابق جوزيف صليوة، المرجعية الدينية في النجف، لإعطائها شرعية كبيرة للحشد الشعبي، استغلته بعض الفصائل الموالية لطهران في صالحها، مبيناً أن عدم استخدام اللغة المباشرة من المرجعية فيما سبق أدى إلى إعطاء مسوغات لتلك الفصائل في تأويل كلامها.
وقال صليوة، في حديث لـ"اندبندنت عربية"، إن "بعض الفصائل المنفلتة القريبة من طهران استغلت غطاء المرجعية لارتكاب الكثير من الجرائم بحق العراقيين".
وتابع أنه "كان على المرجعية إطلاق دعوة أخرى لإنهاء الحشد الشعبي، وإعادة هيكلته داخل القوات الامنية، كونه سلاحاً خارج الدستور".
وعن استجابة الفصائل المسلحة إلى متبنيات المرجعية بحصر السلاح بيد الدولة، بيّن صليوة أن "تلك الجماعات والفصائل ذات المصالح مع إيران لن تلبي تلك الدعوة بسهولة".
وأوضح أن "المرجعية تستخدم اللغة غير المباشرة، وهذا ما أعطى مسوغات في السابق لبعض الأطراف في تأويل كلامها"، مبيناً أنها مؤخراً استخدمت لغة مباشرة لن يستطيعوا استغلالها بهذا السياق المحدد.
حرب داخلية
في المقابل، يرى خبراء أن المرجعية متخوفة من تدهور الوضع الأمني ونشوب حرب داخلية بين الفصائل المسلحة، ما دفعها إلى تكرار الدعوة لحصر السلاح بيد الدولة، مشيرين إلى أن استهداف المحتجين في مناسبات عدة، دفعها إلى التخوف من تصاعد الأزمة.
وقال أستاذ الإعلام في الجامعة العراقية فاضل البدراني، "لدى المرجعية استشعار بأن يكون هناك نزاع بين الفصائل المسلحة، ومثل هكذا حرب داخلية من أجل صراعات النفوذ يحرج المرجعية ويتجاوز على سلطة القانون".
وأضاف، "استشعار المرجعية بأن الأمور ماضية باتجاه التصعيد دفعها إلى تكرار الدعوة لحصر السلاح بيد الدولة بشكل أكثر وضوحاً".
ولفت أن "الصراع على النفوذ بين الأطراف الحزبية مستمر في كل المدن العراقية"، وأشار إلى أن "التجاوزات واستهداف المتظاهرين من قِبل فصائل مسلحة حصل 9 مرات، وتلك الفصائل تمثل ذراع الجهات السياسية"، مبيناً "هذه الاستهدافات دفعت المرجعية إلى التخوف".
وأوضح "الأحزاب وفصائلها المسلحة دائماً ما تأوّل كلام المرجعية الذي ينتقدها وتحوله لمصلحتها في محاولة لركوب الموجة، وبيان أنها مساندة للمرجعية، لكن واقع الحال يقول إنها مخالفة للمرجعية".
وعن احتمالات التصعيد واستهداف المصالح الأميركية في العراق، بيَّن البدراني أن "الضربات التي وجهتها الفصائل المسلحة القريبة من طهران إلى قواعد أميركية هي رسائل قوة توجهها إيران من خلال حلفائها، مفادها أن الوضع العراقي مسيطر عليه من قبلها لجر واشنطن إلى التفاوض".