أبلغ من العمر 56 عاما، وقد فاز زعيم غير محافظ واحد فقط، وهو توني بلير، بالانتخابات منذ سنوات شبابي، بينما فاز خمسة زعماء من حزب المحافظين بثمانية انتخابات، كانت آخرها تلك التي حققوا فيها فوزا ساحقا يوم الخميس الماضي.
لذا فإن نقطة البداية في "فترة التأمل" هذه بالنسبة للعمال والديمقراطيين الأحرار هي التأمل فيما أصاب فيه بلير وأخطأ جيريمي كوربين وإد ميليباند، وكذلك فيما أخطأ فيه نيك كليغ وجو سوينسون.
أولاً، يتحدث الزعيم الناجح لحزبيْ العمال أو الأحرار بلغة وسط إنجلترا فيما يتعلق بالجريمة والدفاع والضرائب. لكن أولا وقبل كل شيء، يجب أن يحظى رئيس الوزراء بالثقة للحفاظ على أمن البلد وازدهاره - وخاصةً إذا تعلق الأمر برئيس وزراء عمالي، الذي يخشى الناخبون ووسائل الإعلام اليمينية أن يتم استغلاله من أمثال لين مكلوسكي، زعيم أكبر نقابة عمالية.
وبغض النظر عن رأيك بشأن حرب العراق (التي لم أؤيدها في ذلك الوقت رغم عملي مع توني) أو السياسة العقابية (وأعتقد أننا نحتجز الكثير من المخالفين غير العنيفين)، لم يشكك أحد في تشدد بلير مع الجريمة وفي أمور الدفاع. وبالمقابل، كان الجميع يشكك في مصداقية كوربين في الدفاع، وكان بيانه لانتخابات الأسبوع الماضي بمثابة حفلة من الزيادات الجنونية في الضرائب والانفاق، والتي يعلم حتى المستفيدون منها بأنها باهظة التكلفة وغير قابلة للتنفيذ.
ثانياً، تعد الاشتراكية لغة الأولويات، كما قال ناي بيفان، وزعيم العمال / الأحرار الناجح يكسب الثقة من خلال التركيز على الأولويات الرئيسية القابلة للتنفيذ بتكلفة معقولة لتقليص الفقر وجعل بريطانيا أكثر عدلاً.
وفي هذا الصدد ركّز بلير باستمرار على الصحة والتعليم، فوحّد مخاوف الطبقة الوسطى والطبقة العاملة من حالة الخدمات العامة الأساسية في بريطانيا بعد عقدين من الثاتشرية. وضاعفت حكومته الإنفاق ثلاث مرات على خدمات الصحة الوطنية وضاعفت الإنفاق على التعليم، بما في ذلك إقرار زيادة بمقدار عشرة أضعاف لبناء مدارس ومستشفيات جديدة. ومن ثمار هذه السياسة شعبية إرث بلير في جميع الأوساط الاجتماعية في البلاد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لقد تمكنا من القيام بذلك - بدءًا من الالتزامات المتواضعة لعام 1997 لتقليل أوقات الانتظار في المستشفيات وتحسين تعليم القراءة والكتابة والحساب في المدارس الابتدائية – فقط من خلال إعطاء الأولوية بشكل صارم للخدمات العامة الأساسية، مثل إعادة تأهيل شركات المياه والاتصالات البريطانية، رغم أننا فرضنا عليهما في عام 1997 ضريبة موجهة وغير متوقعة والتي مكّنتنا من جمع الكثير من الأموال التي انفقت على الصحة والتعليم.
ثالثًا، كان حزب العمال في عهد بلير حزب الطموح والعدالة الاجتماعية. أو بالأحرى، أصبح الطموح جزءاً أساسياً من العدالة الاجتماعية. لهذا السبب، ركزنا كثيراً على توسيع الجامعات - لزيادة الفرص لأطفال الطبقة العاملة على وجه الخصوص لولوج التعليم الجامعي – ومقابل هذا يتم دفع مبلغ منصف بقيمة 3000 جنيه استرليني من الرسوم الدراسية، وهو ثلث مستوى الرسوم الحالية، ولكنه كان ضروريا لتمويل وتبرير الزيادة في أعداد الطلاب. وفي الوقت نفسه، اعتمدنا الحد الأدنى للأجور والائتمانات الضريبية لزيادة دخل الفقراء العاملين والأسر التي لديها أطفال، والذين لم يذهب معظمهم إلى الجامعة.
كان شعاري كمهندس ثورة بلير التعليمية - والتي تضمنت أيضا "تحدي لندن" و"التعليم أولا" وأكاديميات حديثة لتحل محل المدارس الفاشلة في المناطق الفقيرة – هو ما قاله المؤرخ اليساري ريتشارد هنري تاوني للاشتراكيين: "على المجتمع أن يتمنى لجميع الأطفال ما يتمناه أب حكيم لطفله." كان هذا ركيزة شعار بلير الثاني الأكثر شهرة: "التعليم، التعليم، التعليم."
أما شعاره الأكثر شهرة فكان هو "الحزم ضد الجريمة، الحزم ضد أسباب الجريمة." ويقودنا هذا إلى الدرس الرابع لبلير، وهو أنه من خلال كونه "قاسٍ و ليّن" - أي أنه يحظى بالثقة في أمور الدفاع والأمن في حين يدعم زيادة المساعدات الخارجية بشكل كبير إلى 0.7 في المئة من الدخل القومي، ليجعل من بريطانيا أول بلد كبير في العالم المتقدم يتخذ تلك الخطوة - نجح في توحيد بريطانيا التقدمية والمحافظة. وتجدر الإشارة إلى أن كاميرون حافظ على تعهد المساعدات الخارجية؛ وكذلك فعل جونسون.
خامساً، يفوز قادة حزب العمال الناجحون عندما يصبحون في الواقع زعماء للديمقراطيين الأحرار أيضاً. ذلك ما فعله كل من بلير وأتلي وويلسون / روي جينكينز. لقد وحّدوا عمال وأحرار إنجلترا.
لقد قام بلير بتنفيذ إصلاح دستوري تقدمي أكثر من أي رئيس وزراء منذ غلادستون. فقد أسّس البرلمان الأسكتلندي والجمعية الويلزية وعمدة لندن. كما قام بإزالة النبلاء بالوراثة من مجلس اللوردات وأصدر قانون حقوق الإنسان. لقد كان ليبرالياً ملتزماً فيما يخص حقوق الأفراد، وحققت شراكاته مع المجتمع المدني تقدماً هائلاً لصالح المساواة المدنية، والتي عارضتها العديد من المحافظين بشدة.
فيما يتعلق بالقضايا الليبرالية، حرص بلير على دعم القضايا التي أحدثت فرقاً في حياة الناس على أرض الواقع. لذلك كان حذرا بشأن الإصلاح الانتخابي، المقترح المدلل للديمقراطيين الأحرار والذي أثار اتهامات بتزوير النظام الانتخابي. كان بلير قد طلب من روي جينكينز النظر بشأنه وكان شبه مقتنع به، لكنه لم يتبناه في النهاية. وبالنظر إلى ما حدث لاستفتاء "التصويت البديل" في عهد كاميرون، كانت غريزة بلير سليمة.
إن أي زعيم عمالي ناجح بحاجة لتعلم هذه الدروس الخمسة جميعها. علاوة على ذلك، سيحتاج إلى شخصية وجاذبية بلير: القسوة المطلقة خلف ابتسامته العريضة وصاحب أكثر السلوكيات قبولا مما رأيته في زعيم سياسي.
ولولا هذا المزيج من الجاذبية والدهاء والصلابة، ما نجح بلير أبداً في أكبر إنجازاته على الإطلاق، وهو عملية السلام في إيرلندا الشمالية – والتي تكمن المخاوف بشأنها في صميم القلق من كوربين وجونسون في السباق نحو الهاوية الذي تمثل في الانتخابات العامة ليوم الخميس الماضي.
لا يمكنك أن تتعلم كيف تصبح قائداً من كتاب، لكن يمكنك أن تتعلم ذلك من ملاحظة من كانوا بارعين في القيادة. وفي رأيي، كان توني بلير أذكى قادة حزب العمال والليبراليين الجدد.
اللورد أدونيس كان رئيس وحدة السياسة في رئاسة الوزراء في عهد توني بلير
© The Independent