بعد أيام على الانتخابات الرئاسية الجزائرية وفوز عبد المجيد تبون بمنصب الرئاسة من الدورة الأولى، لا يزال التشكيك في نزاهة الانتخابات ونسبة المشاركة التي لم تتعد الـ 40 في المئة، موضع جدل استدعى توضيحاً من قبل رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات محمد شرفي، حول "نجاح" هذه العملية والمناخ الذي أحاط بها.
وفي لقاء صحافي مع "اندبندنت عربية" تحدث شرفي عن كواليس هذا الاستحقاق ومساره، وفسر أسباب غياب أي طعن من المنافسين الأربعة الذين خسروا السباق الرئاسي. ولدى سؤاله حول نجاحه في مهمته قال، "لكي أجيب عن هذا التساؤل وجب أن أسألك بدوري هل كانت مهمة تقنية أم سياسية؟ كان المطلوب إعداد اقتراع نظيف، لا أخفي سراً أن الرهان كان عدم تسجيل أي اعتراض على العملية الانتخابية في 66 ألف مكتب اقتراع في الداخل والخارج. كان هناك حوالى 50 ألف مراقب تخيلوا ألا أحد من بين هؤلاء الـ50 ألفاً اعترض فعلاً أو تصريحاً ضد عملية تزوير واحدة.
العامل الثاني هو الشفافية، المرشحون الخمسة أقروا أن الانتخابات استجابت في عمومها للمعايير الدولية، وأنهم يوافقون على النتائج ولم يطعنوا فيها أو في أي تفصيل. لو تلاحظون فقط أن الانتخابات التي نظمت على مستوى البلديات وعلى الرغم من صغرها وصغر المسؤولية المترتبة عليه، فقد شهدت طعوناً كبيرة جداً، لذلك فإن عدم تقديم أي طعن من قبل المنافسين الأربعة لرئيس الجمهورية المنتخب، يعني ألا شيء يُقال عن شفافية العملية.
أما الصدقية الانتخابية، فالعادة كانت تقول إن الدوائر تنتظر الإشارات، لكننا اليوم أمام حدث مغاير تماماً بشهادة الشارع عموماً، أحدثكم عن الخارج أيضاً، أول مرة نستمع لشهادة دولة عظمى حول نزاهة الانتخابات، كما تابعت شخصياً شهادة الصحافة الدولية التي قالت في العموم إن هذه أول انتخابات أجريت بشفافية مطلقة.
نسبة المشاركة
*البعض يشكك في نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية والتي فاقت الـ 41 في المئة، والبعض الآخر يقول إن الرقم الحقيقي أقل بكثير وربما لم تتعدَ النسبة النهائية الـ 20 في المئة؟
- بودي أن تأتيني بصاحب هذا الرقم، وأنا مستعد لمناظرته أمام الشعب الجزائري متحدياً إياه بما لدي من وثائق ومعطيات لا جدال فيها. لا يكفي الكلام فقط لتضليل الجزائريين، كان يمكنني ربما القول إن نسبة المشاركة فاقت الـ 60 في المئة، كل الأرقام المتعلقة بالمشاركة مسجلة إلكترونياً وجرى تحميلها فوراً ضمن السجلات الرقمية، وهذا هو العامل الجديد في هذه الانتخابات. لقد نشرنا التقارير النهائية بشكلها الأولي أمام عامة الجزائريين في وقتها، ولم ننشرها في صيغتها النهائية بعد حساب الأصوات، إذ مكنا المرشحين من تقارير التصويت الأصلية وهي غير قابلة للتزوير.
*هل يعني ذلك أن هذه الرئاسيات خلت تماماً من أية خروقات مباشرة أو غير مباشرة؟
- الحديث عن التجاوزات يقودنا إلى التجاوزات المادية والقانونية والشخصية، للمرة الأولى لم نسجل أي اعتداء لفظي أو جسدي أو مادي في أي مركز للانتخاب عموماً، أقول داخل مراكز الاقتراع أما خارجها فذلك من مسؤوليات مؤسسات أخرى. بالعكس فقد جرت العملية بشكل حضاري غير مسبوق ترجم روح المناظرة التلفزيونية بين المرشحين الخمسة يومين قبل تاريخ الانتخابات.
هذه المعطيات جعلتني كرئيس للسلطة الوطنية المستقلة للانتخابية متفائلاً، أياً كان الرئيس الذي سيُنتخب، لقد رأيت واستمعت يوم المناظرة التلفزيونية التي نظمناها في السادس من ديسمبر (كانون الأول)، إلى حديث جانبي بين المرشحين الخمسة بعيداً من الكاميرات حول ملفات تهم الجزائر والجزائريين. لقد كان الحديث خاصاً لا أستطيع البوح بأسراره، لكنهم تحدثوا في ما بينهم بمسؤولية غير مسبوقة وغير معهودة. نعم استمعت إليهم وهم في مشاورات حول ملف حساس جداً لا أستطيع ذكره الآن، لقد وقفت مدهوشاً وأنا أتابع حديثهم لبضع دقائق بعد نهاية المناظرة التلفزيونية.
لذلك يمكنني التأكيد أن الأمور جرت عموماً في هدوء واحترام متبادل بين المرشحين، بين ممثليهم وحتى بين أنصارهم، بغض النظر عما حدث في بعض المناطق من أحداث عنف غير مؤثرة في العملية. فمن قاطع الانتخابات هم أنصار الجزائر أيضاً ويترجمون حبهم على طريقتهم، لا أشكك أبداً في وطنيتهم شرقاً وغرباً، فقلبهم على الجزائر، وأي موقف من الرئاسيات الماضية من أبناء الجزائر هو مقبول ويسجل باحترام من قبلنا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الحوار مع الحراك
*رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون اقترح حواراً مع الحراك الشعبي، إلى أي حد يمكنه إقناع نشطائه بوقف المسيرات واللحاق بجلسات التفاوض، علماً أن سلطة الانتخابات واجهت رفضاً كبيراً في المسيرات الأخيرة؟
- في الحقيقة لا أنتظر من الرئيس الجديد أكثر من هذا، لقد فاجأني فعلاً بطرحه فكرة الحوار الذي نحن بحاجة ماسة إليه. من حقنا وواجبنا تعميق الديمقراطية، وما يطرحه تبون من صميم هذا المسعى سيجد منا كل الدعم. إعادة بناء اللحمة والتضامن بين أبناء الوطن لا يتكبر عليه أحد، أما نجاح الرئيس الجديد من عدمه، فنقول إن التاريخ علّمنا أن الذي يسعى لإصلاح ذات البين يكلل بالنجاح في النهاية. مستحيل أن يظل أبناء الشعب الواحد على اختلاف دائم، وأتوقع أن نخرج يوماً ما وقريباً، في حراك موحد للاحتفال بتحقق المطالب كافة، لنؤسس لحراك جديد يساعد الرئيس حينما يكون على صواب، ويصوب عمله إذا أخطأ، لا عيب في ذلك، لا عيب أن يحاط الرئيس الجديد بالمعطيات والملفات كلها، بالأصوات الداعمة والناقدة.
*وصف كثير من المراقبين المؤسسة العسكرية بالسلطة الفعلية في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، هل ضغط الجيش على محمد شرفي أو فريقه طيلة العملية الانتخابية؟
- في اليوم الثالث لانتخابي رئيساً للسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، خاطب رئيس الأركان الجزائريين وذكرني وحياني باسمي شخصياً، تلك الرسالة كانت واضحة ومباشرة وتبعتها مسؤولية أكبر لي وللفريق الذي قاد سلطة الانتخابات، في تلك الفترة كان كثير من المراقبين يطالب بضمانات من السلطة الفعلية كما يسمونها، هكذا ينادي البعض حتى من النخبة المثقفة المؤسسة العسكرية. أما عن شخصي فلم أطلب أي ضمان من الجيش، وهو أمر لا يُطالب به حينما يتعلق الأمر بمهمة وطنية.
الشيء الذي أشهد به أن قيادة الجيش تميزت بذكاء كبير وأبلغتنا رسائل مشفرة وهي في الحقيقة غير مشفرة، لقد وجهوا تحية لشخصي بشكل مباشر على الرغم من أني لا أملك أية علاقة مع أي مسؤول عسكري حالي، لقد ابتعدت عن المسؤولية منذ سنوات عدة (أقيل من منصبه كوزير للعدل في خريف 2013).
الرسالة الثانية من الجيش كانت موجهة مباشرة لأذناب العصابة، لا أحد سألني كيف قبلت هذه المهمة والقنابل مزروعة في جميع أسلاك الدولة من قبل هؤلاء الأذناب، هؤلاء يعيشون اليوم حالة حزن كبيرة بسبب انتصار الشعب الجزائري. وكنت أعلم مسبقاً أنهم سيزرعون الطريق شوكاً في الإدارات وغيرها، واليوم أعتبر أن شل حركتهم كان نتاج الرسائل المتكررة لرئيس الأركان والتي جعلتهم يفكرون ألف مرة قبل تنفيذ أي مخطط ضد الجزائر.
أذناب العصابة
في النهاية أقول إن القضية كانت بيننا وبين أذناب العصابة، كنا على استعداد للمواجهة، وسبق وقلت إنني سأتصدى للحكومة إذا تدخلت في عملنا، لأنني كنت مقتنعاً وأملك معلومات أن قيادة الجيش لم تكن لتسمح بالمساس بالسلطة الوطنية للانتخابات. كانت تصلني معلومات أن المؤسسة العسكرية ظلت تجيب في كل مرة قائلة: نحن معه، كلما نقلوا إليها قراراً صادراً عني.
لا أخفي عنك أيضاً، لقد ساندتني المؤسسة العسكرية بشكل غير مباشر، حتى في قضايا دولية من اختصاص الحكومة. لقد رفضت حضور ملاحظين أجانب في الرئاسيات عكس ما كان يفعل النظام السابق، والمؤسسة العسكرية أجابت أنها تقف مع قرار رئيس السلطة الوطنية للانتخابات مهما كان، لذلك أؤكد أن مؤسسة الجيش لم تتدخل بتاتاً في عملنا، كانت بعيدة وتراقب من بعيد، إلى حين آخر قرار اتخذناه، وهو مرافقة ممثلي المرشحين للمحاضر. في السابق كان محضر فرز الأصوات يُرسل أزرق ويصل بلون أخضر، أقصد هنا أنه كان يجري تغيير نتائج المحاضر في طريقها ما بين مركز التصويت ومقر السلطات الإدارية.
أتوجه بالشكر هنا إلى قيادة المؤسسة العسكرية لأنها تدخلت لمساعدتنا يوم تلقي محاضر التصويت، لم يكن سهلاً نقل محاضر الولايات البعيدة، لذلك قررت قيادة الجيش أن تسخّر القوات الجوية. كل الممثلين في الصحراء الجزائرية أتوا ليلاً على عاتق القوات الجوية الجزائرية برفقة القضاة رؤساء اللجان ونواب اللجان وممثلي المرشحين، فهذه الانتخابات ستسجل بأحرف من ذهب ضمن نجاحات الجزائر.
قانون الانتخابات
*ما الذي ينصح شرفي بتعديله في قانون الانتخابات الذي اشتغلت سلطة الانتخابات ضمن نطاقه؟ وكيف يمكن فصل المال الفاسد عن السياسة كما يعد الرئيس المنتخب؟
-الطبقة السياسية منذ زمن طويل تقول إن قانون الانتخابات أكبر منفذ للفساد وللمال الفاسد. صحيح هناك أمور إيجابية في القانون الساري المفعول، لكنه من الواجب سريعاً فك الرابط بين المال الفاسد والسياسة، ورئيس الجمهورية المنتخب تعهد بهذا، فإذا نجح في هذه المهمة سنخطو خطوة جبارة إلى الأمام. المال الفاسد هو من أفسد أركان الدولة وأفسد تسيير الصفقات العامة، ثم أفسد السياسة وبعدها البرلمان وأخيراً الحكومة عموماً، هذا ما أستطيع قوله الآن... والمتبقي من مهمة رئيس الجمهورية لتطهير القوانين الجزائرية.