عاد الرئيس التركي رجب طيب أوردغان إلى عادته القديمة في توظيف التصريحات النارية والشعبوية، إذا لم تساعده الأفعال في كسب احترام شعوب دول عربية وإسلامية اعتاد "خطب ودها"، ولو على حساب الأعراف الناظمة لعلاقات الدول والمجتمعات، على الرغم من "الصفعات" التي قال محللون إن زعيم أنقرة تلقاها على أيدي نظرائه الزعماء في روسيا وأميركا بل في معقله الأول اسطمبول التي نزعت عنه بُردتها، وأجلست منافسيه الأتاتوركيين على عرشها العثماني.
لكن الرجل الذي اشتهر بعناده الشديد لم يعتبر، فما إن غاب الرئيس الباكستاني عمران خان عن قمة كولالمبور، حتى فقد صوابه، وراح يرسل تصريحات لم يراع فيها خصوصية باكستان، فزعم أن الذي دفع رئيسها إلى التخلف كان بسبب ضغط سعودي، وتهديد الرياض بـ"سحب ودائعها من البنك المركزي الباكستاني، وبترحيل 4 ملايين باكستاني يعملون في السعودية واستبدالهم بالعمالة البنغالية"، حسب وكالة أناضول التركية التابعة له.
فاروقي ألطف من ترامب ولكن
في بيان صادر عن #الخارجية_الباكستانية ردًا على أسئلة وسائل الإعلام في #باكستان ذكرت المتحدثة الرسمية عائشة فاروقي أن باكستان لم تشارك في قمة كوالالمبور لأن الوقت والجهد ضروريان لمعالجة مخاوف الدول الإسلامية الكبرى فيما يتعلق بالانقسام المحتمل في الأمة.
— باكستان بالعربية (@PKarabic) ٢١ ديسمبر ٢٠١٩
غير أن الباكستانيين لم يمهلوا أوردغان طويلاً، فأصدرت خارجيتهم بياناً يوضح السياق الصحيح لمراجعة موقف البلاد من القمة، وهو "بذل الجهد والوقت الضروريين لمعالجة مخاوف الدول الإسلامية الكبرى فيما يتعلق بالانقسام المحتمل في الأمة"، في تصريحات ألمحت فيها المتحدثة باسم الخارجية الباكستانية عائشة فاروقي إلى أن أحداً ليس مفوضاً للتحدث نيابة عن بلادها في المواقف التي تتخذها. ومع أن البيان الباكستاني كان ألطف من توبيخ ورسائل سبق للرئيس التركي ان تلقاها، على غرار وصف نظيره الأميركي له بـ"الأحمق"، إلا أن البيان كان كافياً لفتح سيل من التعليقات على ما وصفه مغردون بأنه رد مناسب على زعيم "يكذب مثلما يتنفس" حسب الأمير السعودي عبد الرحمن بن مساعد.
وكانت إسلام آباد أضافت أنها "ستواصل العمل من أجل وحدة الأمة وتضامنها، وهو أمر لا غنى عنه لمواجهة التحديات التي يواجهها العالم الإسلامي اليوم". مؤكدة في سياق متصل أن وسائل إعلام عالمية تناولت مزاعم أن "باكستان تعرضت لضغوطات سعودية من أجل كفها عن المشاركة في القمة الماليزية، يرد عليها بيان السفارة السعودية في باكستان الذي أوضح أن الأنباء المغلوطة تنفيها طبيعة العلاقات التاريخية الأخوية الراسخة بين البلدين".
وهكذا فإن السفارة السعودية إلى جانب باكستان، لم تمنحا الرئيس التركي كثير وقت ليمضي بتصريحاته الشعبوية، مما جعل مواطنون سعوديون وباكستانيون وعرب يعتبرون البيان "في مستوى عمق العلاقات بين السعودية وباكستان ووقوف البلدين معاً ضد أي محاولات لشق الصف الإسلامي".
يقول الرئيس الذي يكذب كما يتنفس أن السعودية هددت بترحيل الجالية الباكستانية ولذلك لم تحضر باكستان ما سُمّي ب (قمة كوالالمبور ) ..لوكان هذا أسلوب السعودية لرحّلت الجالية التركية لديها بعد صفاقاتك المتكررة وتجاوزاتك تجاهها
— عبدالرحمن بن مساعد (@abdulrahman) ٢٠ ديسمبر ٢٠١٩
بينما جاءت الردود الأكثر حماسة من جانب سعوديين وباكستانيين اعتبروا المحاولات التركية لتسميم العلاقات بين بلديهما، تتجاوز حدود الاحترام بين الدول، لكنها غير مستغربة من الرئيس التركي، الذي رد عليه الأمير بن مساعد مباشرة قائلاً "لوكان هذا أسلوب السعودية لرحّلت الجالية التركية لديها بعد صفاقاتك المتكررة وتجاوزاتك تجاهها".
لماذا تعترض منظمة التعاون؟
وجاءت محاججة أحد الاعلاميين السعوديين أكثر حدة، إذ وجه خطابه إلى الرئيس التركي قائلاً "ما طردناك حتى نطرد أهلنا من باكستان". فيما اكتفت مقيمة باكستانية في السعودية بتعليق ساخر بأنها انتظرت إعلانا من السلطات السعودية بتسفيرها إلى بلادها كباكستانية كما زعم أوردغان، "لكنني لم أتلق أي إشعار حتى الساعة"!
وكانت منظمة التعاون الإسلامي صريحة في رفضها إنشاء أي تكتل موازٍ تحت أي حجة، باعتبار ذلك يشكل محاولة لتفريق كلمتها، وهي التي قالت على لسان أمينها العام يوسف العثيمين إنها ترحب بمبادرات جميع الدول الأعضاء، وليس هناك ما يمنع من طرح أي موضوع يعود بالنفع على الأمة الإسلامية في أروقتها. واعتبرت أن الاعتراض السعودي على قمة ماليزيا جاء لاعتبارين رئيسين هما كونها دولة المقر، ولأنها رئيسة الدورة الحالية للقمة الإسلامية، التي عقدت في رمضان الماضي في مكة المكرمة.
ومع هذا يحاول أنصار الثلاثي "الإيراني التركي القطري" أن يقلل من شأن المنظمة الإسلامية الكبرى، ليبرر عقد قمة ماليزيا فيقول أحد أرباب الخطاب الأممي، ويدعى الشيخ فاروق الظفيري على حسابه في تويتر "لا توجد دولة أو تكتل الآن يقود العالم الإسلامي منذ سقوط الدولة العثمانية، وإنما دويلات متناحرة فيما بينها توالي وتعادي على حدود مصطنعة رسمها لهم سايكس بيكو".
وتأتي الغضبة التركية لتكشف من يقف خلف القمة التي وصفها معلقون بمصطلحات عدة، مثل "قمة الضرار، وثلاثي الشر، وتجمع الحمقى"، فعلى الرغم من كون ماليزيا هي صاحبة الفكرة ظاهرياً ومحل انعقاد التجمع، إلا أن الحماسة الكبرى جاءت من تركيا وقطر، حيث تبنى رئيس الأولى خطاباً قاسياً ضد الداعين إلى توحيد الصف الإسلامي، ودعم إعلام الثانية الرسائل الاتصالية للقمة، ونفخت فيها حتى اعتبرتها منذرة بميلاد اتحاد إسلامي على غرار "الاتحاد الأوروبي"!
ومن ناحية تاريخية لم يكن الكيان الجديد الوحيد الذي حاول التأثير على مؤسسات منظمة التعاون الإسلامي، ومجلس التعاون الخليجي، أو جامعة الدول العربية، إما كرهاً في دول الثقل الإسلامية والعربية مثل السعودية ومصر وباكستان أو منافسة لها، إلا أن النوايا السيئة التي بنيت عليها تلك التكتلات وفق تقدير المهتمين، ألقت بها في دهاليز الفراغ ثم النسيان.