على الرغم من الآمال العريضة التي ينتظرها السودانيون بأطيافهم كافة، من مفاوضات السلام التي تعقد في عاصمة جنوب السودان جوبا، منذ العاشر من ديسمبر (كانون الأول)، بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة، للوصول إلى اتفاق يحقق سلاماً شاملاً وعادلاً ينهي الصراع الدائر منذ 2003، بسبب ما ارتكب من انتهاكات في إقليم دارفور بغرب السودان، وبلوغه جنوب كردفان والنيل الأزرق. لكن، ما زال التباعد في المواقف يسيطر على مجريات التفاوض. وهو ما عزاه كثيرون إلى تعدد المسارات والملفات وطواقم التفاوض، ما يجعل التحدي للوصول إلى تفاهمات أكبر، فضلاً عن مأزق التطبيق على الأرض.
يعتبر محللون سياسيون أنه على الرغم من مضي نصف المدة التي حددتها حكومة رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، لتحقيق السلام في فترة 6 أشهر، فإن المفاوضات لم تضبط بوصلتها ما يوحي باقتراب موعد تحقيق السلام الشامل الذي أصبح مربوطاً بالتقدم في قضايا أخرى، ليس أخطرها رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. فهناك إجراء الانتخابات التشريعية، وتعيين حكام للولايات، فضلاً عن صيغة الحكم، وغيرها من الملفات العديدة والشائكة والتي تحتاج إلى وقت طويل لحسمها.
تعدد المسارات
قسمت الوساطة في دولة جنوب السودان، التي يرأسها مستشار رئيس دولة جنوب السودان للشؤون الأمنية، توت قلواك، بنود التفاوض إلى خمسة مسارات، أربعة منها تقع تحت مظلة الجبهة الثورية، ومسار واحد يتبع للحركة الشعبية شمال بقيادة عبد العزيز الحلو.
وشملت مسارات الجبهة الثورية، مسار دارفور وتتفاوض حوله حركة تحرير السودان (مني أركو مناوي)، وحركة العدل والمساواة (جبريل إبراهيم)، وحركات أخرى تقاتل في إقليم دارفور. ومسار الشرق وتتفاوض حوله الجبهة الشعبية المتحدة بقيادة الأمين داؤود، ومؤتمر البجا المعارض بقيادة أسامة سعيد. أما مسار الشمال فيتفاوض حوله كيان الشمال بقيادة محمد سيد أحمد الجاكومي رئيس الكيان، وحركة كوش بقيادة محمد داؤود، فضلاً عن مسار وسط السودان ويتفاوض حوله المتحدث باسم الجبهة الثورية التوم هجو.
لكن، لماذا استجابت الوساطة لرؤية الحركات لتقسيم التفاوض إلى خمسة مسارات؟
يجيب عضو الوساطة ضيو مطوك "كنا نرى أن تجتمع حركات الكفاح المسلح تحت راية الجبهة الثورية، فيما رأت هي الانقسام إلى 5 مسارات، فاستجابت الوساطة في وقت لا يمكنها فيه فرض رأيها قبل انطلاق المفاوضات".
تعثرات وخلافات
معلوم أن المفاوضات لحل أي صراع بشكل عام يشوبها تعثرات وخلافات. وهذا ما حدث في أحيان عدة، فقد أقرّ رئيس فريق الوساطة توت قلواك بوجود خلافات حول الرؤى داخل مسار شرق السودان، الأمر الذي يهدد بنسف العملية التفاوضية في وقت يشهد فيه الشرق من حين لآخر توترات أمنية. وفشلت الحكومة السودانية والحركة الشعبية بزعامة الحلو، في التوصل إلى اتفاق بشأن إعلان المبادئ المشترك، الذي يمهد للعملية التفاوضية المباشرة.
وقال وزير العدل السوداني، نصر الدين عبد الباري، في هذا الشأن "فشلنا في التوصل إلى اتفاق على علاقة الدين بالدولة لأن لكل طرف رؤيته المختلفة". وزاد "لم نتوصل إلى نقطة مشتركة حول الدين والدولة والتشريعات".
كذلك من العقبات التي اعترت طريق التفاوض رفض الجبهة الثورية مشاركة قادة الحرية والتغيير ضمن طاقم التفاوض، واصطدم هذا الرفض بتعنت كبير من قوى الحرية والتغيير، والتي أشار رئيس وفدها إبراهيم الشيخ إلى ن مشاركتهم في التفاوض أمر حتمي لن يتراجعوا عنه، منوهاً بأن الحرية والتغيير تمثل الحاضنة السياسية للنظام الحاكم وأن مشاركتهم في المفاوضات أمر طبيعي.
كما شكل الخلاف على تعيين ولاة للولايات من المكون المدني التابع لقوى الحرية والتغيير بدلا من الولاة العسكريين، عقبة أخرى. وهذا ما ترفضه الجبهة الثورية التي تطالب بتأجيل تعيين الولاة إلى حين تحقيق السلام حتى يتسنى لهم المشاركة في حكم الولايات.
غير أن الحكومة السودانية ترى على لسان عضو وفد التفاوض وزير الحكم الاتحادي، يوسف آدم الضي، ضرورة تعيين ولاة مدنيين مؤقتاً تماشياً مع مطالب التغيير والثورة. وأوضح أن الحكومة ستقوم بتعيين ولاة مؤقتين إلى حين تحقيق السلام، مبيناً أن بعض الولايات سيكون بها حكام عسكريون بسبب الظروف الأمنية.
إلا أن رئيس حركة تحرير السودان، مني أركو مناوي، أبرز مكونات الجبهة الثورية، ويرى أن تعيين الولاة خطوة غير مقبولة.
وبرز أن من العقبات التي تواجه المفاوضات، الخلافات على علمانية الدولة السودانية، حيث تطالب الحركة الشعبية شمال بقيادة عبد العزيز الحلو بحكم علماني صرف لكل السودان. بينما ترى الحكومة السودانية أنها مع دولة المواطنة والحريات المتساوية، وعدم التمييز على أساس الجنس أو النوع.
سير المفاوضات
وماذا عن مسار الجولة الحالية؟ وفق عضو الوساطة ضيو مطوك فإنها تمضي بنحو جيد وأن الأطراف بدأت في تقديم أوراقها حول القضايا على طاولة التفاوض، منوهاً بتشكيل لجان متعددة في كل محاور المفاوضات للرد على القضايا المطروحة من الحركات والحكومة.
وتوقع أن تحرز المفاوضات تقدماً كبيراً نحو تحقيق السلام خلال الأيام المقبلة، موضحاً أن القضايا الآن بالفعل مطروحة على طاولة التفاوض وأن الوساطة تسعى لوصول الأطراف لنقطة اتفاق. وأضاف "نحن حتى الآن لم نتحدث عن فرض مواقف والمساحة لا زالت مفتوحة أمام طرفي التفاوض للحوار، ونتمنى أن لا نلجأ لفرض أي موقف على أي طرف".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعن طرح الحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو، قال مطوك "ليس هنالك أي اختلاف لحركة عبد العزيز الحلو مع ما هو مطروح في الساحة السودانية، بل بالعكس، الحلو جزء أصيل مما تم في السودان من تغيير، والشعارات التي رفعها قبل 30 سنة هي ذات الشعارات التي تسيطر على الشارع السوداني الآن".
فيما تبدي أطراف سودانية عدم تفاؤلها بمفاوضات السلام القائمة الآن بجوبا، مؤكدة أنها لن تؤدي للسلام الشامل والدائم باعتبار أن مُحصلتها النهائية ستؤدي لاتفاقية ثنائية بين المجلس السيادي والجبهة الثورية.
ووفق عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني صدقي كبلو، فإن الحل الشامل للسلام مرهون بقيام المؤتمر الدستوري، مشيراً إلى أن حزبه ظل يدعو له منذ العام 1985 لمناقشة قضايا كيف يُحكم السودان، باعتبار أن السلام سيكون حلقة مهمة من حلقات المؤتمر.
وأوضح أن مشاكل السلام تحتاج إلى حوار حقيقي يلمس القضايا الحقيقية، مثل التنمية غير المتوازنة، والهوية، وقسمة السلطة والثروة، وتوزيع الخدمات في المناطق المهمشة، منوهاً بأن ما يجري في جوبا لا فرق بينه وبين اتفاقيات السلام الثنائية التي وقعت في الدوحة ونيفاشا والتي أدت لاتفاقيات ثنائية.
تقاسم السلطة
ويمثل إحلال السلام في السودان أحد أبرز الملفات على طاولة حكومة عبد الله حمدوك، خلال مرحلة انتقالية بدأت في 21 أغسطس (آب) 2019، وتستمر 39 شهراً تنتهي بإجراء انتخابات، ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وتحالف قوى إعلان الحرية والتغيير.
وحددت الوثيقة الدستورية الحاكمة للفترة الانتقالية ستة أشهر، لتوقيع اتفاقات سلام مع الحركات المسلحة، وتحقيق الاستقرار في البلاد، باعتبار ذلك أولوية مطلقة، ومضت قرابة الأربعة أشهر من المدة المحددة، دون الوصول لاتفاق، ما اضطر الأطراف لتمديد سريان "إعلان جوبا" لشهرين إضافيين.
وتطالب الحركات المسلحة والجبهة الثورية بإرجاء تعيين حكام الأقاليم وتشكيل المجلس التشريعي قبل توقيع اتفاق سلام مع الحكومة الانتقالية، بانتظار إضافة اتفاقات السلام للوثيقة الدستورية لتصبح جزءاً منها، وإعادة تشكيل الحكومة الانتقالية بما يكفل لها المشاركة في مستويات الحكم كافة، فيما ترى قوى إعلان الحرية والتغيير أن تأخير إكمال هياكل الحكم سيحول دون نجاح الفترة الانتقالية المحددة بثلاث سنوات وتسعة أشهر مضى منها أكثر من أربعة أشهر.