بعد أن كشف آمر سلاح مدفعية القوات التابعة لحكومة "الوفاق" فرج مصطفى اخليل، النقاب عن وصول أسلحة تركية إلى مصراتة، أكدت مصادر مطلعة صحة وصول مقاتلين سوريين إلى معسكرات في طرابلس للمشاركة في المواجهات المسلحة التي يشنها مقاتلو "الوفاق" ضد قوات الجيش الوطني جنوب طرابلس.
"لا مجال للرجوع"
اخليل، وفي كلمة على صفحته الرسمية على "فيسبوك"، أمس الأحد، توجه فيها لإيطاليا ودول الاتحاد الأوروبي، قال "انتهى وقتكم ولا مجال للرجوع عن الاتفاقية مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فلم نعد راغبين بمساعدتكم في حظر الطيران على طرابلس أو غيرها"، مضيفاً "اليوم وبعد أن تدخل الحليف التركي بمنصات صواريخ ضد الطيران وضد المدرعات وقوات على الأرض ستظهر قريباً، جئتم تتباكون لإيقاف الاتفاقية لما فيه من تهديد لمصدر الغاز والطاقة لكم وكذلك تهديد مصالح اليونان بالمياه الإقليمية الليبية".
ويبدو اعتراف اخليل بوصول أسلحة تركية و"قوات على الأرض" يشير إلى صحة وصول مقاتلين سوريين أرسلتهم تركيا لليبيا، فحكومة "الوفاق" لا تزال تنتظر مصادقة البرلمان على قرار أردوغان لإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا، وهو ما تؤكده أيضاً مصادر متطابقة لـ"اندبندنت عربية"، أن "200 مقاتل سوري وصلوا بالفعل عبر طيران مدين إلى مطار معيتيقة في طرابلس قبل أن تنقلهم جماعة "مكافحة الإرهاب" التي تنتمي لمصراتة إلى معسكر 7 أبريل للأرصاد في منطقة الجبس كمقر لهم.
بل تؤكد المصادر ذاتها وجود "خلافات كبيرة بين قادة الحكومة وقادة الميليشيات"، فالسراج وعدد من قادة الحكومة رفضوا الاستعانة بمقاتلين من سوريا، وهو قرار يبدو أن شخصيات قيادية في مصراتة نفذته بعيداً عن سلطة الحكومة.
"وبينما لم تتمكن الميليشيات من إشراك المرتزقة السوريين إلا في معركة واحدة لاسترداد مبنى الجوازات القريب من معسكر التكبالي في محور صلاح الدين، بسبب تهديدات السراج بإحالة أسمائها إلى جهات دولية، وفق الاتفاق الأمني الموقع بينها وبين واشنطن"، بحسب المصادر، طلبت واشنطن من قادة الحكومة أثناء حوار أمني أجرته معهم منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، تقويض سلطة الميليشيات وإعادة ترتيب صفوف قواتها قبل أن تطلب منها موقفاً أميركياً مؤيداً لها ضد عملية الجيش التي تستهدف السيطرة على طرابلس.
بيان توضيحي للسراج
من جانبه، هاجم اخليل السراج وحكومته بالقول في ذات الإدراج "المجلس الرئاسي محاط بخونة وأعداء الثورة ولا نعرف لهم تاريخاً بالثورة، والمسؤولون دواعش المال العام والسلطة"، مهدداً السراج والحكومة قائلاً "سيأتي يومكم قريباً"، ماضياً في اتهاماته بالقول "أحد رئاسات الأركان بالوفاق حفتري بامتياز ومحسوبة على مدينة الصمود كانت تمهد الطريق بشكل علني لحفتر، ومرتبات العدو لا تزال تخرج من الخزانة العامة في طرابلس".
ويبدو أن التسجيلات المرئية تداولتها وسائل الإعلام على نطلق واسع أظهرت مقاتلين سوريين في أحد المعسكرات في طرابلس، أحرجت السراج ما دفعه لإصدار بيان نفى فيه صحة تلك "المشاهد والمزاعم"، مؤكداً أنه "جرى التثبت من قبل القنوات الإخبارية المحلية والدولية وتأكد بأن هذه التسجيلات التقطت في مدينة إدلب السورية".
نشطاء يؤكدون صحة التسجيلات
لكن عدد من النشطاء الليبيين ردوا بأن أبسط التطبيقات الإلكترونية كـ"غوغل إيرث" أثبت صحة وجود المشاهد الطبيعية التي ظهرت في التسجيلات المرئية في ليبيا، مؤكدين أن أهالي مدينة مارع السورية عرفوا أبناءهم الذين ظهروا في تلك التسجيلات وأكدوا سفرهم إلى ليبيا.
وبعيداً عن الجدل بشأن وصول مقاتلين سوريين وأسلحة تركية، يرى الصحافي الليبي حسين مفتاح، في حديث لـ"اندبندنت عربية"، أن "هذا الجدل تجاوزه الوقت ولا يمكن إنكار استخدام الأتراك مرتزقة سوريين، كما لا يمكن إنكار علاقة قادة الطيف الإسلامي المتشدد الليبي الموالي لحكومة الوفاق كعبد الحكيم بلحاج وسامي الساعدي بالميليشيات السورية".
لكن اللافت في نظر مفتاح، هو "لجوء تركيا لإرسال مرتزقة سوريين بدلاً من إرسال جيشها ما يعني إصرارها على التدخل في ليبيا بكل الطرق".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تونس تشدد الرقابة
وعلى الرغم من إعلان تركيا دخول الاتفاقات الموقعة بينها وبين حكومة "الوفاق" حيز التنفيذ منذ حوالى الأسبوعين، فإن أردوغان وقادة حكومته ينتظرون قراراً برلمانياً لتشريع إرسال قوات تركية نظامية إلى ليبيا، ويؤكد مفتاح أن "ذلك أصبح غير ممكن بعد رفض تونس أن تكون أجواؤها وأراضيها منفذاً للقوات التركية باتجاه طرابلس"، وبرأي مفتاح فإن "قرار السلطات التونسية بتشديد الرقابة على النقاط الحدودية مع ليبيا يشير إلى حقيقة الرفض التونسي لاستغلال تركيا لمجالها البري والجوي".
وعن صعوبة إرسال تركيا قوات نظامية، يقول الضابط الليبي المتقاعد ناجي حريشه، إن "لجوء تركيا لتونس لفتح ممرات لوصول قواتها إلى طرابلس، يؤكد فشل الفريق العسكري الذي زار طرابلس في الفترة الأخيرة في إيجاد مكان آمن لعسكرة القوات التركية، بخلاف إرسال مرتزقة بطريق ملتوية مثل استخدام الطيران المدني".
ويشرح حريشه لـ "اندبندنت عربية"، الأوضاع في طرابلس ومحيطها بأنها "لا تزال تحت الرقابة والرصد الجوي لصالح الجيش"، موضحاً أن "القطاع العسكري يقع في جنوب طرابلس وتتمركز وحدات الجيش في أغلب معسكراته وبعضها يعد مسرحاً للكر والفر، أما القطاع الشمالي فلا يمكن أن يستوعب قوات نظامية بالحجم الذي تطلبه المعركة، حتى ولو كان في قاعدتي بوستة ومعيتيقة". وعن المقار العسكرية في مصراتة، أكد حريشه أن "الضربات الجوية القاسية والكثيفة التي نفذها سلاح الجو على مصراتة أفقدت المراكز هناك الكثير من بناها التحتية المناسبة، فضلاً عن وجود خلايا من القوات الأميركية والإيطالية الخاصة في المدينة لا يمكن مع وجودها بناء قاعدة عسكرية تركية هناك".
تركيا تستعيض عن فشلها
لذا يرى مفتاح أن "تركيا تحاول أن تستعيض عن فشلها في الوصول عسكرياً إلى طرابلس بإرسال الأسلحة والمقاتلين المرتزقة السوريين لتحقيق توازن عسكري، لكن في الوقت عينه يبدو أن تجاوزها للحكومة والاتفاق مع الميليشيات يمكن أن يهز العلاقة بين الحكومتين".
ويؤكد مفتاح أن "تلك الاتفاقات الموقعة مع الحكومة أوقعت تركيا في ورطة كبيرة يتوجب عليها العمل على إنقاذ نفسها بكل السبل"، مرجحاً أن يكون لجوء تركيا لإحداث مقاربة مع روسيا يأتي لإنقاذ نفسها من الآثار التي يمكن أن تسببها لها تلك الاتفاقات وقراراتها السريعة بشأنها".
ولا تزال تلك الاتفاقات الموقعة بين تركيا وحكومة "الوفاق" تلقى رفضاً دولياً واسعاً، وعبرت دول عدة في الاتحاد الأوروبي والإقليم العربي عن رفضها الشديد لتلك الاتفاقيات، لا سيما المتعلقة بترسيم الحدود البحرية في المتوسط التي يبدو أن تركيا لا تزال عاجزة عن تنفيذها.