مع تقدم وحدات الجيش الوطني في محاور عدة على جبهات القتال جنوب طرابلس، وسيطرتها على مواقع جديدة في مشروع الهضبة وصلاح الدين، تبدو أوضاع الميليشيات التي تقاتل تحت لواء حكومة الوفاق في حالة تفتت وتصدعات.
رئيس "حكومة الوفاق" فايز السراج الذي يزور العاصمة الجزائرية في إطار التحشيد لتقوية فرص نجاح حلف الميليشيات مع الحكومة التركية، التي ينتظر أن تبدأ قواتها بالتدفق إلى مواقع عسكرية بمدينة مصراته، رجحت أوساط أن زيارته جاءت تحت ضغوط تعرض لها من شخصيات فاعلة في مصراته وطرابلس اضطرته إلى قطع إجازته التي يقضيها في لندن هذه الأيام.
اتهامات متبادلة
وتبرز تصريحات قادة الميليشيات خلافات مكتومة في كواليس طرابلس فبعد ساعات من اتهام آمر سلاح المدفعية بقوات الحكومة فرج اخليل للسراج بالعمالة، انتشر فيديو يظهر السراج وهو يتجول في لندن، قائلاً "إجازة لأجل تناول شكولاتة ارجع يا ابن النخناء قبحك الله أنت ومن أعانك يا عميل وأعلن الحداد والاستنفار". كذلك طالب رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري القيادي البارز في جماعة الإخوان المسلمين بــ "تشكيل حكومة حرب" في تصريح إلى قناة ليبيا الأحرار التي تبث من تركيا.
تباعد المواقف بين السراج وقادة الميليشيات في طرابلس يعتبره الباحث السياسي سالم عرفه واضحاً خلال الإجراءات التي أعلن عنها قريباً، معدداً منها إبلاغ وزارة الخارجية الوفد الأوروبي تأجيل زيارته المقررة لطرابلس الثلاثاء المقبل، والمطالبة بمقاطعة دول عربية يزعم قادة الميليشيات بأنها تقدم الدعم لقوات الجيش. وشكل هذه الإجراءات، بحسب عرفه في حديثه إلى"اندبندنت عربية"، يوضح محاولة السراج ابتعاده عن مواجهة قادة الميليشيات الذين طالبوا بإبلاغ الوفد الأوروبي بأنه "غير مرحب به". أما قرار مقاطعة دول عربية فقد علّقه السراج مطالباً "بتقرير يوضح آليات التعامل مع الدول الداعمة للعدوان على طرابلس"، وكأنه يطيل الخيط لتبديد حدة تلك المطالب ما يكشف علاقة متوترة بينه وبين قادة الميليشيات، بحسب عرفه.
المقاتلون السوريون
وعلى خلفية وصول مقاتلين سوريين للقتال ضد قوات الجيش جنوب طرابلس، يبدو موقف السراج رافضاً هذه الخطوة وأنها جاءت وفق ترتيبات مباشرة لشخصيات مقربة من التيار الإسلامي المتشدد على علاقة بمجموعات المقاتلين السوريين. ويؤكد مسؤول رفيع على علاقة بوزارة الداخلية أن الخلافات مستعرة بين السراج ووزير الداخلية باشاغا على خلفية إجبار الأخير الجلوس مع وفد أمني أميركي شدد على مسؤولي وزارة الداخلية ضرورة "تحديد خطوات ملموسة للقضاء على الميليشيات التي تعد واحدة من القضايا الأساسية التي تكمن وراء الصراع في ليبيا"، استمراراً لبرنامج الحوار الأمني الذي بدأ في واشنطن منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بين مسؤولين أميركيين ومسؤولي حكومة الوفاق، وسط اتهامات أطلقها سياسيون من مصراته، بأن مستشاري السراج والموظفين المحيطين به باتت ميولهم واضحة لتأكيد أهداف الجيش الوطني بشأن تقويض سلطة الميليشيات في طرابلس.
ولا يزال السراج يرفض مطالب متزايدة بشأن تعيين وزير لحقيبة الدفاع بالوزارة والاحتفاظ بها لنفسه، وكلها مؤشرات برأي الصحافية عبير بودبوس تؤكد العلاقة المضطربة التي قد تسير بالحكومة إلى حافة الهاوية وربما السقوط.
وفي أول مؤشرات قبول المجتمع الدولي طلب مجلس النواب سحب الاعتراف الدولي من الحكومة بيان من البرلمان الأوروبي عبر عن رفضه الاتفاقات الموقعة بين تركيا وحكومة الوفاق "لسببين رئيسيين أولهما طبيعة حكومة الوفاق التي لم تحصل على دعم البرلمان الليبي وتبعاً لذلك فإن المذكرتين مرفوضتان"، أما الثاني وفقاً للبيان فهو "أن حكومة الوفاق كانت قد حصلت على فترة عام وفقاً لاتفاق الصخيرات، وانتهت منذ فترة من الزمن".
مشكلة مصراته
وفي ظل ممانعة السراج السير في ركاب رغبات قادة الميليشيات، وتركه طرابلس، تعيش غرف قيادة المعركة في طرابلس خلافات أخرى من بينها رفض بعضها انفراد ضباط من مدينة مصراته بأوامر التقدم والتقهقر في محاور القتال، فحتى الآن ترفض ميليشيات أبوسليم التي يقودها اغنيوة الككلي أن يصل وزير الداخلية فتحي باشاغا، إلى مقر وزارته الواقع في نطاق منطقة أبوسليم على طريق المطار حيث لا تزال أبواب المقر مقفلة.
وفي وقت وصلت أولى شحنات الأسلحة التركية ممثلة بمعدات مراقبة ومناظير ليلية إلى مقر الكلية الجوية بمصراته ترجح بودبوس في حديثها لـ "اندبندنت عربية" أن يكون وراء تأخير تركيا تنفيذ قرارها بإرسال مخاوف من اندلاع صراع بين الميليشيات حول حصصها من الأسلحة، لافتة إلى أن تركيا تتعامل مع قادة مصراته، ولا تثق بالميليشيات الأخرى التي لا تبدو خلفياتها العقائدية على توافق مع ميليشيات مصراته ذات الخلفيات المنتمية لتيار الإخوان المسلمين.
وفي مايو (أيار) الماضي شهدت مدينة الزاوية مواجهات مسلحة بين ميليشياتها أدت إلى مقتل فراس شركس وابن عمه عبد الرحيم بسبب خلافات على حصص من مدرعات كيربي التركية التي وصلت إلى ميناءي مصراته وطرابلس. وللأسباب ذاتها تصاعد التوتر بين لواء الصمود ولواء أبوسليم إلى حد قصف فندق ريكسوس الحكومي بصاروخ أدى إلى أضرار مادية بالغة.