فاز بوريس جونسون بأغلبيته المنشودة، ورغم أن بريكست كان شعارَه الرئيسي خلال الحملة، يتوجب على هذا البرلمان أن ينجز الكثير من الأمور الأخرى.
حلّ نظام خدمة الصحة الوطنية ثانياً من حيث الأهمية، كقضية انتخابية، وذلك بعد علاقتنا المستقبلية مع الاتحاد الأوروبي، التي سبقته بشوط كبير. ومن الواضح أن السياسيين بمختلف أطيافهم اعتقدوا أن هذه الخدمة قادرة، أكثر من أي شيء آخر، على جذب مزيد من الناخبين "الذين لم يحسموا أمرهم." لذلك هرعوا جميعاً إلى المستشفيات للتجول فيها وإطلاق وعود بمستقبل أفضل للخدمة. وبالنسبة للمحافظين، خضع وعدهم بإنشاء 40 مستشفى جديد لتدقيق كبير، ويتوقع المهنيون والمرضى على حد سواء منهم حالياً أن يوفروا كميات من الطوب والإسمنت تكفي للوفاء بالوعود التي غصّت بها بياناتهم الصحفية وعباراتهم الحارة.
أرى أنا وزملائي الجرّاحين بشكل مباشر تأثير النقص الحاد في إمكانات خدمة الصحة الوطنية عليها. عندما أنشئت الخدمة أول الأمر في عام 1948، اشتملت قائمة الانتظار على 476,000 مريض. ولم تكن هناك إحصاءات حتى عام 1951، عندما زاد عدد المرضى في قائمة الانتظار إلى 504,000. صحيح أن عدد سكان البلاد أعلى بكثير مما كان عليه في الخمسينيات، لكن تشير الأرقام الصادرة في الأيام الأخيرة إلى أن القائمة تضم الآن 4.45 مليون شخصاً.
غير أن الأرقام لوحدها لا تعطينا فكرة حقيقية عن التدهور الكبير في حالة المرضى أثناء انتظارهم إجراء عملية جراحية. فأولئك المرضى ممن يعانون مرارة الانتظار ليسوا مجرد أرقام في جدول بيانات، بل هم أشخاص حقيقيون تتأذى حياتهم يوما بعد يوم. ولا تعرض خدمة الصحة الوطنية إجراء عمليات جراحية إلا في حالات الضرورة القصوى، وإذ قيل لك عليك أن تخضع لعملية جراحية، ربما تكون سلفاً وضع يسبب لك ألماً شديداً ومن المحتمل أن يؤدي بك إلى العجز عن الحركة. إنَّ ما يهم المرضى ليس هو عدد الأشخاص الموجودين في قائمة الانتظار إلى جانبهم، أو ما إذا كان انتظارهم أعلى أو أقل من المتوسط. إذا كنت تشعر بالألم، فأنت تريد معرفة الحد الأقصى للانتظار بالنسبة لك شخصيا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولهذا السبب، أعربت جميع الأحزاب السياسية الرئيسية الثلاثة، في أوقات مختلفة، عن التزامها بمدة انتظار قصوى لا تزيد عن 18 أسبوعاً للأفراد. وقد التزم حزب العمال بذلك ووضعه ضمن أهدافه في عام 2004، وعزّز المحافظون والديمقراطيون الأحرار هذا الالتزام من خلال تضمينه في التشريع كحق للمريض. وبموجب هذا القانون، يٌفترض أن يجري الكشف على 92% من المرضى في غضون 18 أسبوع. ومع ذلك، تعرض هذا الحد القانوني للانتهاك لمدة 45 شهراً على التوالي. وفي الظروف الراهنة، يتلقى 84.7% فقط من المرضى ما يحتاجونه من علاج خلال المدة القانونية الأقصى، وهي أدنى مستوى منذ 11 عاماً.
وبالنظر إلى شيخوخة السكان وتزايد متوسط العمر المتوقع والطلب المتزايد، فإن النظام يتصدع في جميع النواحي مثله مثل بعض المفاصل التي ينتظر أشخاصٌ استبدالها. وقد أصبح مستقبل الحد الأقصى لمدة الانتظار نفسه الآن موضع الشك، إذ حُذف من "تفويض" وزير الصحة هذا العام. كما نشرت إحدى صناديق الاتئمانية لخدمة الصحة الوطنية أوراقًا في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي أظهرت أنهم كانوا يفكرون في الانتقال إلى إجراء " الانتظار المتوسط" بدلاً " الانتظار الأقصى".
ويرغب المهنيون برؤية إشارة مبكرة من هذه الحكومة الجديدة مفادها أن إلغاء الحد الأقصى للانتظار، دون أي دليل طبي واضح يدعم مثل هذه الخطوة، سيكون تطوراً سيئاً بالنسبة للمرضى. وعندما نفكر في قوائم الانتظار، نفكر أولاً فيمن هم بحاجة إلى عمليات جراحية في أعضاء حيوية. لكن أعدادا أكبر من المرضى ينتظرون إجراء عمليات جراحية في الظهر، أو لاستبدال مفصل الورك أوالركبة. من السهل الاستخفاف بالضرر الصحي الذي يحدثه الانتظار المطول على المرضى المعنيين، إذ تستمر حالتهم البدنية في التدهور أثناء انتظارهم حتى تصبح أسماؤهم في أعلى القائمة ويحين موعد الجراحة. وغالبا ما يؤدي هذا إلى فقدان القدرة على الاعتماد على النفس بالنسبة للمرضى المسنين، في حين قد يضطر الشباب إلى التخلي عن وظائفهم. وفي هذه الحالة تكون العواقب الاقتصادية واسعة النطاق، سواء بالنسبة للأفراد المعنيين أو للبلد ككل.
وخلال الحملة الانتخابية، ضمت "الكلية الملكية للجراحين" (RCS) صوتها لصوت المؤسسة الخيرية الرائدة لدعم مرضى التهاب المفاصل "فيرسس أرثراتيس" في حثّ الأحزاب السياسية الرئيسية على تجديد التزامها بفترة الانتظار القصوى البالغة 18 أسبوعاً. وأصدرنا، في الكلية الملكية للجراحين، أيضًا "بيانا حول الجراحة،" يدعو إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لتقليص أوقات الانتظار. تحتاج خدمة الصحة الوطنية إلى 3000 سرير إضافي على الأقل، والمرونة لتوظيف الأطباء والممرضين من الخارج لسد الثغرات في القوى العاملة، وتغييرات قانونية ومستدامة في نظام التقاعد للعاملين في خدمة الصحة الوطنية. إن النظام الحالي يشجع، على نحو يكاد لا يصدق، الأطباء ذوي الخبرة على الخروج من غرفة العمليات إلى التقاعد المبكر.
نحتاج أيضاً من الوزراء أن يضعوا حداً للتأثير الارتدادي الذي يحصل عندما يتحول التركيز من الرعاية الثانوية (المستشفيات) إلى الرعاية الأولية (عيادات الأطباء العامين والمراكز الصحية المحلية)، وإعادته بالعكس مجدداً. إن الخطة الأخيرة طويلة الأجل لخدمة الصحة الوطنية تركّز اهتمامها على الرعاية الصحية الأولية. إن من الصواب تماما توفير أكبر قدر ممكن من الرعاية في المراكز الصحية المحلية. وفي النهاية، ليس هناك من يختار بمحض مشيئته الدخول إلى المستشفى والخضوع لعملية جراحية. ولا يمكن لخدمة الصحة الوطنية أن تقلّل الاهتمام بالرعاية الثانوية، تحديداً لأن المرضى لا يلجأون إليها إلا عندما يكونوا بحاجة ماسة لها.
ورغم كل الخلاف الذي طبع الأسابيع الستة الماضية، يريد الناخبون من مختلف المشارب السياسية نظام خدمة الصحة الوطنية الذي يمكنه أن يوفر لهم علاجاً فعالاً، وفي وقت الحاجة إليه، ومجاني عند استخدامه. وإذا كانت هناك قضية واحدة يمكن للحكومة أن توحد البلاد حولها، فهي خدمة الصحة الوطنية، إذ يمكن للحكومة اتبّاع نهج شمولي للاستثمار فيها. وسيعني هذا حصول توسيع كبير في دور الأطباء العامّين والتمريض المحلي، علاوة على زيادة الأسِرّة والموظفين في المستشفيات، والإصلاح الأساسي لنظام الرعاية الاجتماعية.
لكن لن ينجح أي من هذه الإجراءات بمفردها، في حين يمكنها مجتمعةً جعل فترة الانتظار القصوى البالغة 18 أسبوعاً تتحول من كونها تعهد ضعيف كي تغدو تطلعاً حقيقياً. لقد وعدت هذه الحكومة بأشياء عظيمة لخدمات الصحة الوطنية خلال الحملة الانتخابية، والآن هو وقت "إنجازها."
( سوزان هيل نائبة رئيس الكلية الملكية للجراحين في إنجلترا )
© The Independent