بحضور مئة شاعر وناقد من 15 دولة عربية، عُقدت الدورة الخامسة لملتقى القاهرة الدولي للشعر العربي تحت عنوان "الشعر وثقافة العصر- دورة بدر شاكر السياب وإبراهيم ناجي"، من 13 إلى 16 يناير)كانون الثاني) الجاري، واستهلت بإعلان وزيرة الثقافة المصرية إيناس عبد الدايم مضاعفة قيمة جائزة الملتقى لتصبح 200 ألف جنيه، بدءا من هذه الدورة، واختتمت بإعلان فوز الشاعر البحريني قاسم حداد بالجائزة التي سبق أن فاز بها كل من محمود درويش وأحمد عبد المعطي حجازي وعبد العزيز المقالح ومحمد إبراهيم أبو سنة.
وجاء هذا الختام ليخفف من وطأة ملاحظات جمة على تنظيم الدورة، التي لوحظ غياب الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي عن فعالياتها منذ الافتتاح إلى الختام، وهو أمر بدا غريباً، إذ لم يحدث مطلقاً في أي من الدورات السابقة، وغرابته تكمن في أن حجازي هو "دينامو" لجنة الشعر في المجلس الأعلى المصري للثقافة التي تتولى تشكيل اللجنة المنظمة للملتقى. ولم يعلن حجازي سبب تغيبه، فيما أعلن عضو آخر في لجنة الشعر هو الشاعر حسن طلب مقاطعته لفعاليات الدورة الأخيرة باستثناء أمسية شعرية واحدة شارك فيها. وفوجئ متابعو الملتقى كذلك بتولي الناقد الدكتور جابر عصفور رئاسة لجنة التحكيم، بما أنه ليس من أعضاء لجنة الشعر التي كانت هي المهيمنة في الدورات الماضية على تلك اللجنة، فهل لهذا الأمر علاقة بانسحاب كل من حجازي وطلب اللذين لا يخفيان خلافهما مع عصفور الذي نال العام الماضي جائزة النيل في الأدب وكان ينافسه طلب عليها، فيما كان قد أعفي حجازي من رئاسة تحرير مجلة "إبداع" عندما كان يتولى منصب وزير الثقافة.
وضمَّت لجنة التحكيم في عضويتها كلا من رشا ناصر العلي من سوريا وسعد البازعي من السعودية ونبيل حداد من الأردن وعبدالسلام المسدي من تونس، ومن مصر الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة والناقد الأدبي محمد بدوي. وشهدت جلسة الاختيار نقاشاً مفتوحاً وكان من ضمن الأسماء المتبارية الشعراء علي جعفر العلاق، محمد علي شمس الدين، شوقي بزيع، حسن طلب، المتوكل طه، ابراهيم نصرالله، واستهل الدكتور جابر عصفور كلمته في حفلة الختام التي أقيمت في مسرح الهناجر بدعوة الحضور إلى الوقوف دقيقة حداداً على روح الشاعر والمترجم الراحل محمد عيد إبراهيم، وطلب إلى الشاعر والمترجم رفعت سلام الصعود إلى المسرح لتكريمه بمنحه درع المجلس الأعلى للثقافة، علماً أن سلام أعلن أخيراً إصابته بسرطان الرئة.
وقال عصفور إن اللجنة اختارت قاسم حداد تقديراً لتجربة شعرية متنوعة بدأت قبل نصف قرن ولا تزال في أوج تألقها. ومعروف أن الجائزة تمنح لمصري في دورة ولعربي من خارج مصر في الدورة التي تليها، وكانت قيمتها في الدورات الأربع الماضية 100 ألف جنيه.
وقال قاسم حداد لدى تسلمه الجائزة من وزيرة الثقافة المصرية الدكتورة ايناس عبد الدايم: "شكراً للشعر وشكراً للجنة التحكيم على ثقتها بالقصيدة العربية وعلى تقديرها لتجربتي الذي هو تقدير لكل شعراء جيلي".
دعوة عامة
شهدت الدورة خمس جلسات بحثية ومائدتين مستديرتين وسبع أمسيات شعرية، وغاب عنها شعراء ونقاد بارزون، إما لأنهم لم يتلقوا دعوات للمشاركة، أو لأنهم غير راضين عن أمور تنظيمية. وتعليقاً على ذلك قال أحد أعضاء اللجنة العلمية المنظمة للملتقى، ومعظم قوامها من أعضاء لجنة الشعر في المجلس الأعلى المصري للثقافة: "إن الدعوة عامة، وليس هناك ما يمنع أحداً من حضور الفعاليات كافة"، لكن الواقع هو أن المشاركة بأبحاث في الندوات أو بإلقاء قصائد في الأمسيات يتطلب "دعوات خاصة". ولوحظ أن مقرر اللجنة المنظمة لهذه الدورة الناقد الدكتور محمد عبد المطلب قال في حفلة الختام إنه يعتذر بشدة من الشعراء والنقاد الذين تعذرت دعوتهم لحضور الملتقى، متمنياً أن تتاح الفرصة لتعويض ذلك مستقبلاً. كما لوحظ أن عبد المطلب كرر في الختام توصية أعلنها في جلسة العمل الأولى بأن تنظم الوزارة ملتقى مستقلاً لشعر العامية، بعدما اشتكى أحفاد فؤاد حداد وصلاح جاهين من استبعادهم عن "ملتقى الشعر العربي"، فضلاً عن عدم رضاهم عن تمثيلهم في لجنة الشعر التي تنظمه.
وما حدث في هذا الشأن خلال الدورة الأخيرة، سبق أن حدث مثله في دورات سابقة، ومنها مثلا الدورة الرابعة التي حملت اسمي محمود حسن إسماعيل ومحمد عفيفي مطر، وكان عنوانها "ضرورة الشعر"، وعقدت في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) 2016، فقد قاطعها مثلاً الشاعر اللبناني عباس بيضون الذي كان قد اختير عضواً في لجنة التحكيم الخاصة بها وقال: "لن أخون نفسي والشعر بالمشاركة في ملتقى القاهرة، لا أريد أن أعتذر عن عدم الحضور تضامناً مع أحد ولكن تضامناً مع نفسي، لقد حضرت الملتقى الأول شاعراً وشاركت في إحدى أمسياته بقصيدة. أما الآن فإنني أحضر محكماً، في ملتقى تكاد تكون الجائزة غرضه الأول". كما اعتذر الناقد الدكتور صلاح فضل عن عدم المشاركة في الدورة ذاتها، لأسباب رفض الإفصاح عنها، لكنه شارك في الدورة الخامسة التي كان أبرز مقاطعيها من داخل "الدائرة الفاعلة" في المجلس الأعلى المصري للثقافة الشاعر حسن طلب، معترضاً على عمل اللجنة اللازمة وهو أحد أعضائها، لكنه اكتفى بالمشاركة في أمسية شعرية.
خارج "ثقافة العصر"
وكتب حسن طلب على صفحته على فيسبوك: "نفضتُ يديَّ منذ ثلاثة أشهر، لم أعد قادراً على متابعة الأسئلة والاستفسارات التي لا تنتهي حول ملتقى الشعر الدولي، فليعلم السادة الشعراء والنقاد أنني قد اعتذرت عن عدم استمرار العمل مع لجنة الإعداد للملتقى منذ أكتوبر(تشرين الأول) الماضي، وحتى أستريح وأريح، أعلن هنا أني برئ من القائمة النهائية التي انتهى إليها اختيار اللجنة؛ لا سيما قائمة المشاركين من مصر، التي بدت في نصفها على الأقل، وكأنها أهملت الأهم لصالح الأقل أهمية"!
وعموماً فإن من يتأمل أبحاث الملتقى يلاحظ أن غالبيتها لا علاقة لها بـ"ثقافة العصر"، إلا إذا كان المقصود عصراً مضى وجرى استدعاؤه للتعمية على عصرنا الراهن وهمومه التي ليس بينها بالتأكيد تجديد النقاش حول ريادة الشعر الحر، هل هي لمصر أم للعراق؟ ثم لماذا حملت تلك الدورة اسمي الشاعرين بدر شاكر السياب وإبراهيم ناجي؟ هل لأن منجزهما الشعري ما زال يواكب "ثقافة العصر"؟
الأسئلة بخصوص غياب أدونيس وسعدي يوسف ووديع سعادة وبول شاوول ونوري الجراح وفاضل العزاوي، وجمال القصاص ورفعت سلام وعبد المنعم رمضان وإيمان مرسال وعزمي عبد الوهاب وغيرهم كثر، انهمرت مِن جانب متابعي الملتقى في دورته الأخيرة كما في دوراته السابقة، حتى أن البعض وصف اللجنة المنظمة بأنها "خارج التاريخ وخارج الوعي".
وفي السياق ذاته كتب الناقد المصري الدكتور محمد الشحات: "أغلب أنشطة المجلس الأعلى للثقافة منذ سنوات تشبه عندي وعند الكثيرين فلسفة ندوات معرض القاهرة الدولي للكتاب، مع بعض الفوارق الطفيفة. الاهتمام بالحشد الرقمي (الذي يملأ العين)، سواء في اختيار المبدعين أو النقاد، من دون اهتمام بالقيمة الفكرية والوزن الثقافي لكل شخصية مصرية أو عربية، وتجاهل الظواهر الثقافية الجديدة، واستبعاد -أو تجاهل- المبدعين والنقاد الذين لا يزالون يكتبون ويشتبكون مع الواقع العربي المتحوّل، والاكتفاء بتمثيل ذائقة كلاسيكية، انتقائية اختزالية، لا ترى المشهد الشعري والنقد الشعري في تحولاتها الحادة في السنوات العشر الأخيرة على الأقل. وقُل الأمر نفسه عن الرواية أو غيرها من أجناس الأدب والكتابة. لذا، يلجأ الكثيرون من أصحاب المشروعات الحقيقية في الإبداع والنقد والترجمة وتاريخ الأفكار إلى العزوف التام عن مثل هذه الفعاليات الاحتفالية، أو الاعتذار إذا -لا قدّر الله- تمّت دعوتهم ذات مرة، ويكتفون بالبقاء في بيوتهم. وهذا أكرم وأجدر".
غياب الرواد الأحياء
وقال الشاعر فتحي عبدالله: "لم يحضر سعدي يوسف ولا أدونيس من الرواد. لم يحضر عباس بيضون ولا وديع سعادة ولا عبدالمنعم رمضان ولا زكريا محمد من الموجة الثانية. لم يحضر محمود قرنى ولا إبراهيم داود ولا سيف الرحبي ولا عزيز ازغاي ولا إبراهيم الحسين ولا ميسون صقر ولا ظبية خميس من الموجة الثالثة. وغابت كذلك الموجة الأخيرة وهي أكثر الموجات حيوية وحضورا في كل العالم العربي: أين عبدالرحمن تمام ورضا أحمد وديمة محمود، من مصر؟ أين وديع ازمانو من المغرب؟ أين لميس سعدي وخالد بن صالح من الجزائر؟ أين شعراء تونس الجدد؟"
وقال الشاعر يسري حسان لـ"اندبندت عربية": "تابعت الجدل المثار حول الملتقى الذي تنظمه لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة ولا أخفيك أنني مندهش لكل هذا الاهتمام بملتقى لن يضيف كغيره من المؤتمرات التي يقيمها المجلس شيئاً إلى واقعنا الثقافي؛ خصوصاً أنه لا خيال يقود منظمي هذه المؤتمرات إلى الخروج من معلباتهم أو ثلاجاتهم إلى فضاءات مختلفة تجعل النوع الأدبي الذي يتدراسونه فاعلاً أو متجذراً في واقعهم البائس الذي لا يتعاطى سوى مع المستويات الأشد رداءة من الأدب. هذا فضلاً عن عدم الموضوعية التي تحكم أعضاء لجان اختيار المشاركين أو جهل أعضائها بالفاعلين في الحركة الأدبية أو تجاهلهم عن عمد. عندما نكون بصدد مؤتمر للشعر وبغض النظر عن سوء الاختيارات أو رقاعتها في كثير من الأحيان، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما الأثر الذي يمكن أن يحدثه مؤتمر كهذا في واقعنا الشعري... ما الذي سيعود على الشعر والشعراء من مثل هذه المؤتمرات البائسة، وما مصير الشعر والشعراء إذا مضت الحياة من دون مؤتمرات؟ المؤتمرات بوضعها الحالي البائس مجرد تزجية للوقت وفرصة لمجاملة البعض وفرصة كذلك لما يعتبرونه انتقاماً من أجيال أو تيارات فاعلة باستبعادها، وكأن هذا الاستبعاد يعني نزع الشعرية عنهم وإسباغها على من حظوا بفرصة المشاركة. إنه العبث بعينه، وظني أن تجاهل مثل هذه المؤتمرات هو أفضل رد على بؤسها وعبثيتها. الشاعر الحقيقى العاكف علي تطوير تجربته هو أكبر من البؤس والعبث أو هكذا يجب أن يكون".
وتنتمي غالبية أعضاء اللجنة العلمية المنظمة لهذه الدورة إلى لجنة الشعر ويرأسها الناقد الدكتور محمد عبد المطلب، وتضم أحمد سويلم، أحمد عنتر مصطفى، أسامة البحيري، حسن طلب، حسين القباحي، شعبان يوسف، عبد الناصر حسن، محمد إبراهيم أبو سنة، محمد سليمان، ووائل حسين.
وردا على بعض الملاحظات الخاصة بعمل تلك اللجنة قال الشاعر شعبان يوسف ل"اندبندت عربية": "حرصنا على اختيار اسمي علمين أسهما في تطور حركة الشعر العربي في القرن العشرين، هما العراقي بدر شاكر السياب والمصري إبراهيم ناجي، وهما من جيلين متعاقبين على المستوى الزمني. ناجي هو أبرز وجوه مدرسة أبوللو التى مدَّت ظلها على الحركة الرومانتيكية. وللسياب دور كبير في ريادة الشعر الحر. أي تساؤل عن أوجه الشبه بين الشاعرين التي دفعت اللجنة لاختيارهما لتحمل الدورة الأخيرة اسميهما، هو غير منطقى وساذج ومتربص ويفتقر إلى النزاهة"!
أما الناقد الدكتور أحمد مجاهد فقال إنه رفض حضور ندوة كان يفترض أن يلقي خلالها ملخص بحث له بعنوان "الشعر والفنون"، ونشره على صفحته على الفيسبوك وفوقه ما يلي: "هذا ملخص البحث الذي كنت أنوي المشاركة به وفقاً للاتفاق مع أستاذي الدكتور محمد عبد المطلب، ولكن يبدو أن لجنة إعداد البرنامج لم ترض عنه، فحشرته في جلسة، هي الوحيدة التي لن تكون في القاعة الرئيسية. كما أنها الجلسة البحثية الوحيدة التي تسبقها بنحو ساعة جلسة أخرى في القاعة الرئيسية، حيث يستحيل عملياً خروج الجمهور أثناء الندوة من قاعة إلى أخرى"!
وقال مقرر الملتقى الدكتور محمد عبد المطلب إن هذا الحدث هو عيدٌ للقصيدة الشعرية، وثمَّن جهود وزارة الثقافة المصرية لإقامته بصورة مشرفة تليق باسم مصر .
وألقى الباحث التونسي الدكتور عبد السلام المسدي كلمة المشاركين، معرباً عن فخره بالتواجد في القاهرة التى تمتلك القدرة دائماً على جمع المثقفين على اختلاف مناهجهم وتباين آرائهم". وقد تساءل بعض الجمهور عن الحضور الدائم لعبد السلام المسدي في كل المؤتمرات واعتلائه المنبر باسم المشاركين.