تلتقي جماعة الحوثي والنظام الإيراني في كثيرٍ من النقاط والعوامل المشتركة بينهما، ولعل أبرزها "حالة العداء الحادة وغير المبررة تجاه السعودية والمقدسات الإسلامية"، في ظل عقيدة سياسية تجعل إيذاءها "هدفاً مستمراً".
وتستقي الجماعات الموالية لإيران عقيدتها السياسية من المراجع والحوزات في قم وطهران، التي تقدم لهم كل المبررات الفكرية التي يحتاجون إليها.
وفي هذا الإطار يقول المرشد الإيراني الراحل آية الله الخميني: "أن نتنازل عن القدس أهون علينا من أن نسامح السعودية"، وفي هذه الجملة تختزل مواقف طهران تجاه الرياض، وتجعلنا نفكر ملياً، وندقق في دراسة الأسباب وراء توتر العلاقات بين البلدين.
والخميني ليس هو الوحيد من رموز جماعات ولاية الفقيه الذين يضمرون السوء للسعودية، إذ تبعه أغلب القيادات العسكرية والسياسية سواء في لبنان مثل حسن نصرالله، أو في اليمن مثل عبد الملك الحوثي.
شعيرة الحج
ولعل موسم الحج, كان لسنوات طويلة، هو الفضاء الذي تفرج فيه طهران عن ممارساتها العدائية، فبحسب المنهج الفكري الخاص بهم يفسّر القادة الإيرانيون شعيرة الحج بأنها "مناسبة سياسية"، ويرفعون خلالها شعار "البراءة من المشركين"، وبهذه الحجة شهدت مكة خلال موسم الحج عام 1987 فوضى عارمة، أحدثتها تظاهرات سياسية لحجاج إيرانيين.
وتؤكد تقارير سعودية، أن السلطات أصدرت أوامر عليا بعدم اللجوء إلى العنف في مواجهة المتظاهرين والاكتفاء فقط باحتوائهم منعاً للفوضى، وحفاظاً على سلامة سائر الحجاج من مختلف البلدان الذين بلغ عددهم نحو مليوني حاج.
وظلت قوات الأمن السعودية تراقب الموقف، وهي تقف على جانبي الطريق الذي كانت تمر منه التظاهرة، ومنعت المواطنين وبقية الحجاج من الاصطدام بالمتظاهرين إلا أن بعض الحجاج الإيرانيين اعتدوا على قوات الأمن بالسواطير والسكاكين، ما اضطر هذه القوات إلى أن تطلق النار دفاعاً عن النفس وعن سائر الحجاج فقتل أعداد منهم.
وتتحدث تقارير مختلفة أنه في الوقت الذي يحضر فيه الحجاج من العالم الإسلامي يبتغون مغفرة الله ورحمته، فإن طهران ترسل جنودا وعملاء لغايات ومقاصد إجرامية، وقد زوَّدتهم بمواد التفجير وأدوات القتل.
كذلك الحال فإن جماعة الحوثي تعد أتباعها بإرسالهن إلى الحج بسلاحهم في إطار عملية تعبوية منظمة، تعتبر أن المقدسات الإسلامية مُغتصبة. وقد أقدمت الميليشيات المذكورة على صناعة كعبة رمزية في صنعاء، وأمرت أتباعها بالطواف حولها.
وتوّجت الجماعة تهديداتها للسعودية كرمزية إسلامية تحتضن المشاعر المقدسة، وأطلقت صاروخاً باليستياً باتجاه مكة، قبل أن تتمكن قوات التحالف العربي من اعتراضه واستهداف موقع إطلاقه.
مشروع حوثي تاريخي
يقول المحلل السياسي سام الغباري، في تصريح ل"اندبندنت عربية"، إن إيذاء السعودية "ليس مشروعاً طارئاً خطر ببال جماعة الحوثي في اليمن، بل يمثل هدفاً أساسياً لهم، وله أبعاده التاريخية، فبعد أن عمّق الملك الراحل عبد العزيز آل سعود الوحدة الوطنية داخل السعودية في 1932، فقدت عائلات دينية حظوتها في السيطرة على الحرمين التي كانت (حصرية) لهم طوال قرون، وهي العائلات التي كانت تنتسب إلى الحسن والحسين بن علي بن أبي طالب، وأسلاف الحوثي من عائلة حميد الدين الذين أوقدوا حرباً ضد السعودية استمرت عشر سنوات، كان هدفهم الأساسي فيها هو السيطرة على الحرمين الشريفين، لأن من كان يصف نفسه بـ(الإمام) يحيى حميد الدين كان مؤمناً تماماً أن الحرمين الشريفين من نصيبه بعد رحيل أسرة الشريف حسين، وتولي آل سعود إدارتها مع عائلة آل محمد بن عبد الوهاب".
ويضيف، "طوال عقود ظلت هذه الأمنيات مُعلقة في أصلاب النظام (الزيدي) التي خُلِعت بعد قيام ثورة 1962 في اليمن، ومع مجيء العام 1979 حمل (خميني) أفكار الإمامة إلى إيران ليعلن تشكيل ما سمّاه بالحكومة الإسلامية، وهي مُقتبسة من النظام الزيدي، أكثر مما هي منصوص عليها في المذهب الإثنى عشري السائد في إيران، وبالتالي فقد قاد الخميني ما يشبه (ثورة) في المذهب الشيعي الذي كان (خاملاً) يكافح من أجل تأسيس دولة كما هو حال الزيدية، لأنهم كانوا ينتظرون المهدي حسب زعمهم".
وأشار إلى أن هذه الأفكار الثيوقراطية التي تأسست وتعمّقت وفق أساطير غريبة، دفعت بالمنطقة كلها إلى "حافة الحرب"، ولهذا يتفق الحوثي مع الإيرانيين على أن العقبة الوحيدة أمامهم هي السعودية.
كذلك يقول الناشط السياسي همدان العليي، إن الحوثي يعتبر نفسه "الأولى بحكم مكة والمدينة، وهذا أصلاً مشروعه الذي يعد جزءاً من المشروع الإيراني الذي يرى أن (البيت) هم الأولى بحكم المقدسات الإسلامية".
وأكد أن الحوثية "امتداد فكري وعرقي للنظام الخميني في إيران"، ولهذا يعد الحديث عن الفصل بينهما "حديثاً غير منطقي"، ولا يمكن "تطبيقه في الواقع"، حتى وإن تظاهر الحوثيون بأنهم باتوا على قطيعة مع المشروع الإيراني.
تحركات إيران أصبحت مكشوفة
فيما يؤكد الباحث في الشؤون السياسية عبد الله البراق، أن السعودية على يقين تام بأن المُحرك الأساسي للإرهاب في المنطقة هو "النظام الإيراني"، الذي أصبح مكشوفاً أمام المجتمع الدولي بتخبطاته.
ويضيف البراق، في تصريح ل"اندبندنت عربية"، "هذه الميليشيات التي ترفع شعارات إسلامية براقة ما هي إلا عصابات الدم والهدم والعمالة والارتزاق، تحاول أن تضفي عليها صبغة شرعية بهذه المسميات الإسلامية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكد أن خطابات الحوثي تتطابق تماماً مع غيره من الميليشيات التابعة لإيران كحزب الله وقوة القدس وغيرهما، فيما نحن الآن ننتمي إلى الجيل الحديث للدول العصرية التي تشهد تغيرات ونقلات نوعية على جميع الأصعدة السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والثقافية التي تعد عقبة أمام الدول المترهلة، وتوابعها كإيران وميليشياتها، ولن يقبل العصر الحديث إلا الدول الحديثة، وهذا ما تفتقده إيران.
وأفاد أن المجتمع العربي أصبح على "دراية كاملة بما يدور حوله، وأصبح يميز بين الخطر الإيراني"، وسعت الجهات الإعلامية العربية لتفكيك الخطاب المتطرف المنسوب إلى الأصول الإسلامية، الذي تنتهجه إيران وداعش وغيرهما، ما جعل عقبة الوعي تكون هي العقبة الأولى لإفشال المخططات والأجندات الخارجية التخريبية.
الناشط السياسي محمد مجيد الأحوازي، يقول في تصريح إلى "اندبندنت عربية"، إن الموقف والقرار السياسي والعسكري للحوثيين في اليمن "مرتبطٌ بشكل عضوي بالموقف الإيراني الرسمي"، ولا يمكن أن ما يصدر عن الحوثيين "يتعارض مع سياسة الموقف الإيراني في اليمن أو تجاه السعودية".
ويؤكد أن دلالات ظهور علم جماعة الحوثي في المؤتمر الصحافي للجنرال حاجي زاده قائد قوات الجو فضاء في الحرس الثوري الإيراني، يؤكد أن جماعة الحوثي "تمثل أحد أذرع إيران العسكرية بالمنطقة العربية".
وقال: "أعتقد أنه مهما حاولت دول الخليج العربي والسعودية والشرعية اليمنية إيجاد هدنة مع الحوثيين، قد تنجح فترة وجيزة، لكن ستنهار هذه الهدنة حين تطلب طهران ذلك"، ولا يمكن أن يظهر علم الحوثيين في مؤتمر صحافي رسمي لعسكري إيراني رفيع المستوى إلا وهناك "تنسيق بين إيران والحوثيين في هذا الشأن"، وقد يترجم ذلك بأعمال عدائية ستنفذها ميليشيات الحوثي عندما تقرر طهران أين ومتى سترد طهران على مقتل سليماني.