"تحطمت حياتي، لم يعد لدي مستقبل، كل شيء انتهى بالنسبة إلي..."، بهذه العبارات تستهل نورة حديثها عن سفرها إلى تركيا، وكيف تحول إلى جحيم. والفتاة المغربية، البالغة 26 سنة كانت ضحية شبكة الاتجار بالبشر في تركيا، وتعيش حالياً في مدينة برشيد نواحي مدينة سطات رفقة والدتها.
وتشير نورة في حديثها إلى"اندبندنت عربية" إلى أنّها هاجرت إلى تركيا بهدف العمل في فندق، مضيفةً أنّ الوسيطة أقنعتها بأنّها ستتكفل بجميع إجراءات السفر، وستوفر لها العمل والسكن في مدينة إسطنبول، مقابل أن تدفع 10 آلاف درهم مغربي (الدولار يساوي 9.62 درهم مغربي).
عنف وابتزاز
تكشف نورة أنّها بمجرد أن وصلت إلى إسطنبول، احتجزوا جواز سفرها، وأُجبرت على امتهان الجنس، موضحةً "وجدت شاباً من جنسية عربية رفقة امرأة مغربية، كانا ينتظرانني في المطار. وبعدما اصطحباني إلى بيت مخصص للدعارة، جرداني من جواز سفري وهاتفي".
ترتجف نورة عندما تتذكر تفاصيل وجودها في ذلك البيت برفقة نساء من جنسيات عربية، وما عاشته من إهانة، قائلة "كانوا يجبروننا على ممارسة الجنس، بينما يحصلون على المال الذي يدفعه الزبائن… كانوا يعنفوننا ويعاملوننا كالعبيد".
"تعبت جسدياً ونفسياً"
بعدما أمضت شهرين محتجزة في بيت الدعارة، قررت نورة الامتناع عن العمل. وتقول بنبرة حزينة، "لم أعد قادرة على تحمل ذلك، كُنت أرفض العمل، وأرجوهم أن يعيدوني إلى بلدي، بسبب تدهور صحتي".
وافق صاحب بيت الدعارة على إعادة نورة إلى بلدها، لكن ذلك لم يكن بالأمر الهين. تقول في هذا السياق، "ليسمح لي بالعودة إلى المغرب، اشترط أن أُمارس معه الجنس وصورني… أخبرني أنه إذ لم أعد إليه المبلغ المالي الذي دفعه للوسيطة مقابل عملي لديه وتكاليف سفري وعودتي إلى المغرب سينشر الفيديو... وبمجرد أن وصلت إلى بلدي أرسلت إليه المبلغ".
ترفض نورة رفع دعوى قضائية ضد الوسيطة المغربية، وشبكة الدعارة في تركيا، خوفاً من نشر الفيديو الجنسي أو الانتقام منها.
مقتل مغربيات في تركيا
تعيش نورة حالة نفسية صعبة، وبمجرد أن تتذكر ما عانته في تركيا تنهار بالبكاء، محملة نفسها مسؤولية ما حدث لها، مشيرةً إلى أن سذاجتها كانت سبباً في ما عاشته.
النساء ضحايا "الاستعباد" الجنسي يرفضن الحديث، أو متابعة الوسطاء. ويرجع ذلك إلى أنّ المجتمع المغربي يلوم المرأة ويعتبر أنّها السبب في ما يحدث لها. وهذا ما يدفع نورة وغيرها من الفتيات إلى التكتم عما حصل لهنّ.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي السنوات الماضية، قُتلت مغربيات في تركيا، وآخر ضحايا هذه الحوادث كانت سميرة، التي قتلت رمياً بالرصاص. وقبلها قُتلت الشابة إيمان مراس. وكانت الشرطة التركية، أشارت إلى أن خطيبها قتلها بعدما اكتشف خيانتها، لكن عائلة مراس نفت ذلك، مشددةً على أنّ ابنتها توجهت إلى تركيا بهدف العمل فقط.
وتعيش عائلة مراس في إحدى القرى في ضواحي سطات. وبعد وفاة ابنها الذي كان يعيل الأسرة، أقنعتها الوسيطة المغربية بأن ترسل ابنتها للعمل في تركيا.
اختفاء الوسيطة
تقول فتيحة مراس، شقيقة الضحية، إنّ أختها كانت في عمر 20 سنة عندما سافرت إلى تركيا، مضيفةً أنّ الوسيطة اختفت بعد مقتل شقيقتها، ولا معلومات لديهم عنها.
تعزو عائلة مراس مقتل ابنتها إلى الوسيطة، معتبرة أنّها استغلت فقر الأسرة.
وسجلت منظمات حقوقية نسائية في تركيا، تكتم الحكومة عن مشكلة اغتيال النساء في البلاد، بعد رصدها 430 حالة اغتيال عام 2019، بينما قتلت 440 امرأة خلال عام 2018، وفق إحصاءات مجموعة مدافعة عن حقوق النساء في تركيا. وهذا ما أثار جدلاً لدى الرأي العام التركي وفي صفوف الجمعيات النسائية المدافعة عن حقوق النساء.
تركيا الحلم
لكن كيف تحولت تركيا إلى حلم لدى بعض النساء المغربيات؟
يُجيب المتخصص في علم النفس رضا امحاسني بأنه كان يروج لتركيا بأنها "بلد التسامح والعلمانية والقانون"، مشيراً إلى أن "الدافع الثقافي والقرب الجغرافي أسهما في تصور بعض المغاربة بأن تركيا حلم".
ويشير إلى أنّ الممارسات الاستعبادية التي تتعرض لها مواطنات مغربيات سبق أن مورست على بعض المغربيات في بلدان عدة.
ووفق امحاسني، فمنذ فرض نظام التأشيرة على المغاربة، انتعشت مافيات تهجير البشر، مشيراً إلى أنّ "إغلاق الحدود كان سبباً في موت الشباب المغربي غرقاً في البحر، وجعل مافيات الاتجار بالبشر تستغل جهل بعض النساء".
ويُنحي المتخصص في علم النفس باللائمة على الإعلام المغربي، معتبراً أنّه "لا يقوم بدوره في متابعة أخبار مغاربة العالم في الخارج، ورصد الأوضاع التي يعيشونها، وكيف يتعرض بعضهم إلى الاستغلال والاستعباد".
المجتمع المغربي لا يرحم الضحية
ويعزو المتخصص في علم النفس رفض المغربيات الحديث عما عانينه من استعباد في تركيا، إلى تخوفهنّ من الوصم الاجتماعي، مشيراً إلى أنّ العودة إلى المغرب بالنسبة إليهنّ تعد فشلاً، مضيفاً أنّه يوجد كثير من المهاجرين يُعانون من الاستعباد والاستغلال، لكنهم يرفضون العودة لكي لا يتم وصمهم بالفشل.
ويرى امحاسني أنّه يجب في البداية تقبل صدمة عدم النجاح في الهجرة، لننتقل إلى مرحلة الحديث عما عاشوا هناك، موضحاً أنّ "المرأة يصعب عليها تحمل العنف والاستعباد الجنسي، كما أنّ المجتمع المغربي لا يرحم الضحية".
ويُشار إلى أنّه في 25 نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، تجمعت حوالى 2000 امرأة في إسطنبول بمناسبة اليوم الدولي لمكافحة العنف ضد النساء، وأعربن عن احتجاجهنّ ضد اغتيال النساء. وكانت الشرطة التركية فرقت التظاهرة باستخدام الغاز المسيل للدموع.